الموسوعة الفقهية

الفصل الثَّاني: الآنية المُتَّخذَة من العِظام


المبحث الأوَّل: الآنيَةُ المُتَّخذَة من عَظم الآدميِّ
لا يجوزُ استعمالُ عَظمِ الآدميِّ، ولو كان كافرًا، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/187)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/142). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/141)، وينظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 26). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/43-44)، ((المجموع)) للنووي (1/270-271). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/79)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/53).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء: 70]
وجه الدَّلالة:
أنَّ عمومَ الآيةِ يدلُّ على أنَّ الآدميَّ مُكرَّمٌ في الحياةِ وبعد الموتِ، فلا يجوزُ امتهانُه، وسواءٌ في ذلك المسلمُ وغيرُه قال الشِّربيني: (أمَّا الآدميُّ فإنَّه لا ينجُسُ بالموتِ على الأظهر؛ لقوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ **الإسراء: 70**، وقضيَّةُ التكريم أنْ لا يُحكَم بنجاسَتِه بالموت، وسواءٌ المسلم وغيره، وأمَّا قولُه تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ**التوبة: 28**، فالمراد به نجاسةُ الاعتقادِ، أو اجتنابُهم كالنَّجَس، لا نجاسةُ الأبدانِ) ((مغني المحتاج)) (1/78).
ثانيًا: أنَّ استعمالَ عَظمِ الآدميِّ مِن المُثلةِ به؛ والمُثلةُ حرامٌ ((المحلى)) لابن حزم (1/133).
المبحث الثَّاني: الآنيةُ من عَظم مأكولِ اللَّحم المُذكَّى
يجوزُ اتِّخاذُ الآنيةِ مِن عَظمِ مأكولِ اللَّحمِ المُذكَّى.
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي إسحاق، أنَّه سَمِعَ البَراءَ رَضِيَ اللهُ عنه، يقولُ في هذه الآية: لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء: 95] ، ((فأمَر رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زيدًا، فجاء بكتفٍ يَكتُبُها، فشكَا إليه ابنُ أمِّ مكتومٍ ضَرارتَه، فنزلتْ: لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ [النساء: 95] )) رواه البخاري (2831)، ومسلم (1898) واللفظ له.
وجه الدَّلالة:
أنَّ زيدًا رَضِيَ اللهُ عنه جاء إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكَتِفٍ يكتُبُ عليها الآيةَ، ولم يُنكِر عليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك، وهذا من أوجُهِ الانتفاعِ بعَظمِ الحيوانِ المأكولِ المذكَّى قال النوويُّ (قوله: فجاء بكَتِفٍ يكتبها، فيه جوازُ كتابةِ القُرآنِ في الألواحِ والأكتاف، وفيه طهارةُ عَظمِ المذكَّى وجوازُ الانتفاعِ به) ((شرح النووي على مسلم)) (13/42).
ثانيًا: من الإجماع
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ قال ابن حزم: (اتَّفقوا أنَّ كلَّ إناءٍ ما لم يكن فِضةً ولا ذهبًا ولا صُفرًا ولا نُحاسًا ولا رصاصًا ولا مغصوبًا ولا إناءَ كتابيٍّ ولا جِلدَ ميتةٍ ولا جلدَ ما لا يُؤكَل لَحمُه، وإن ذُكِّي؛ فإنَّ الوضوءَ منه والأكْلَ والشُّربَ جائِزٌ) ((مراتب الإجماع)) (ص: 23). ولم يتعقَّبه ابنُ تيميَّة إلا بقوله: (قلت: الآنيةُ الثَّمينة التي تكون أغلى مِنَ الذَّهب والفِضة- كالياقوت ونحوه- فيها قولان للشافعي، وفي مذهب مالك قولانِ) ((مراتب الإجماع)) (ص: 23).

انظر أيضا: