الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: طهارة سُؤرِ الآدمي


سؤرُ الآدميِّ طاهرٌ، سواءٌ كان مُسلمًا أم كافرًا، جُنبًا أم حائضًا قال النووي: (قال العلماء: لا تُكرهُ مُضاجعةُ الحائِضِ ولا قُبلتُها ولا الاستمتاعُ بها فيما فوق السُّرَّةِ وتحت الركبة، ولا يكرهُ وضْع يدِها في شيءٍ من المائعات، ولا يُكره غَسلُها رأسَ زوجِها أو غيرِه من محارمِها وترجيلُه، ولا يكره طبخُها وعجنُها، وغيرُ ذلك من الصنائع، وسُؤرُها وعَرَقُها طاهران، وكل هذا متَّفقٌ عليه، وقد نقل الإمام أبو جعفر محمد بن جرير في كتابه في مذاهب العلماء، إجماعَ المسلمينَ على هذا كلِّه، ودلائلُه من السُّنةِ ظاهرةٌ مشهورة) ((شرح النووي على مسلم)) (3/207). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة استثنى الحنفيةُ صورتين: - سؤرُ شارِبِ الخمْر. - مَنْ دَمِيَ فُوه إذا شَرِبَ على فور ذلك، فإن ابتلَعَ ريقَه مرارًا طهُرَ فمُه. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/133)، ((الفتاوى الهندية)) (1/123). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/34،35)، وينظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/25). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/171)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/317). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/247)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهوتي (1/109). ، وهو مذهَبُ الظاهريَّة ((المحلى)) لابن حزم (1/138)، ((الفقه الإسلامي وأدلته)) للزحيلي (1/242). ، وهو قولُ عامَّة أهلِ العِلمِ قال ابن قدامة: (الأوَّل: الآدميُّ, فهو طاهرٌ, وسؤرُه طاهرٌ, سواء كان مسلمًا أم كافرًا, عند عامَّةِ أهلِ العِلمِ, إلَّا أنَّه حُكِيَ عن النَّخعيِّ أنَّه كَرِه سُؤرَ الحائِضِ, وعن جابر بن زيد, لا يتوضَّأ منه) ((المغني)) (1/37).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((قدِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ وأنا ابنُ عَشرٍ، ومات وأنا ابنُ عِشرينَ، وكنَّ أمَّهاتي يحثُثْنَنِي على خِدمَتِه، فدخل علينا دارَنا، فحلبْنا له من شاةٍ داجنٍ وشِيبَ شِيبَ: أي: خُلِط له اللَّبنُ بالماءِ؛ قال النووي: (وقوله (شِيب)، أي: خُلِطَ، وفيه جوازُ ذلك، وإنَّما نُهِيَ عن شَوبِه إذا أراد بيعَه؛ لأنَّه غِشٌّ. قال العلماء: والحكمةُ في شَوبِه أن يبرُدَ، أو يكثُرَ، أو للمجموعِ) ((شرح مسلم)) (13/200). له مِن بئرٍ في الدَّارِ، فشَرِب رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال له عُمَرُ، وأبو بكرٍ عن شمالِه: يا رسولَ الله، أعطِ أبا بكرٍ، فأعطاه أعرابيًّا عن يمينِه، وقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: الأيمنُ فالأيمنُ )) أخرجه البخاري (2352)، ومسلم (2029) واللفظ له.
وجه الدَّلالة:
أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا أمر بإدارةِ الإناءِ بين الحاضِرينَ بِقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الأيمنُ فالأيمنُ)) دلَّ على طهارةِ السُّؤرِ.
2- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا أُهدِيَ له لبَنٌ، قال لأبي هريرة: ((الحَقْ إلى أهلِ الصُّفَّة فادعُهم لي. يقول أبو هريرة: فأتيتُهم فدَعَوتُهم، فأقبَلوا فاستأذَنوا فأذِنَ لهم، وأخذوا مجالِسَهم من البَيتِ، قال: يا أبا هِرٍّ، قلتُ: لبَّيْكَ يا رسولَ الله، قال: خُذْ فأعطِهم قال: فأخذتُ القَدَحَ فجعلتُ أُعطِيه الرَّجلَ، فيَشرَبُ حتى يَروَى، ثم يردُّ عليَّ القَدَحَ فأُعطِيه الرَّجُلَ، فيشرَبُ حتى يَروَى، ثم يردُّ عليَّ القَدَح، فيشرَبُ حتى يَروى، ثم يردُّ عليَّ القَدَح، حتى انتهيتُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد روِيَ القومُ كلُّهم فأخذ القَدَحَ فوَضَعَه على يَدِه، فنظَرَ إلي فتبسَّمَ، فقال: أبا هرٍّ، قلت: لبَّيكَ يا رسولَ اللهِ، قال: بقيتُ أنا وأنت، قلتُ: صدقتَ يا رسولَ الله، قال: اقعُدْ فاشربْ، فقَعَدتُ فشَرِبتُ، فقال: اشربْ، فشَرِبتُ، فما زال يقولُ: اشرَبْ، حتى قُلتُ: لا والذي بعثَك بالحقِّ، ما أجِدُ له مسلَكًا، قال فأَرِني، فأعطيتُه القَدَح، فحَمِدَ الله وسمَّى وشَرِب الفَضلةَ )) رواه البخاري (6452).
وجهُ الدَّلالة:
أنَّ الصَّحابةَ شَرِبوا من إناءٍ واحدٍ، وشَرِبَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن سُؤرِهم؛ ممَّا يدُلُّ على طهارةِ سُؤرِ الآدميِّ.
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كُنتُ أشربُ وأنا حائِضٌ، ثم أُناوِلُه النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيضَعُ فاه على موضِعِ فيِّ، فيشرَبُ قال الشوكاني: (الحديثُ يدلُّ على أنَّ ريقَ الحائِضِ طاهِرٌ، ولا خلافَ فيه فيما أعلم، وعلى طهارةِ سُؤرِها من طعامٍ أو شرابٍ، ولا أعلَمُ فيه خلافًا) ((نيل الأوطار)) (1/349). )) رواه مسلم (300).
ثانيًا: أنَّ الله أباح الزَّواجَ من الكتابيَّاتِ، ولا يُمكِنُ أن يَسلَمَ مِن سؤرهنَّ مَن يعاشِرُهنَّ، ومع ذلك لم يُؤمَرِ المُسلمُ بغَسلِ شَيءٍ من ذلك، فدلَّ على طَهارَتِه.

انظر أيضا: