الموسوعة الفقهية

المبحث الثَّاني: شروط المسح على الجَبيرة


المطلب الأوَّل: أن يكون غَسلُ العُضوِ المصابِ مِمَّا يَضُرُّ به
شرْطُ المَسحِ على الجَبيرة أن يكون غَسْلُ العُضوِ المنكِسر أو المجروحِ، ممَّا يضرُّ به الماءُ، أو كان يُخشى حدوثُ الضَّرر بنزْعِ الجبيرة، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (1/ 280)، وينظر:  ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/13)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/159). ، والمالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/164)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/435). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/323)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/104). ، والحنابلة ((المبدع)) لابن مفلح الحفيد (1/113)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/203).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
عمومُ قَولِ الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286]
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا أمرْتُكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطعتُم )) رواه البخاري (7288) واللفظ له، ومسلم (1337).
ثالثًا: أنَّ في نزْع الجَبيرةِ ضَررًا؛ وهو مرفوعٌ في الشَّريعةِ ((البناية شرح الهداية)) للعيني (1/616).
المطلب الثَّاني: أن يكونَ مسْحُ العضوِ المصابِ ممُّا يضرُّ به
يَمسَحُ على الجَبيرة مَن لا يُمكِنُه المسحُ على العُضوِ المصابِ، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/13)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/159). ، والمالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/164)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/435). ، وروايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (1/206). ؛ وهو اختيارُ ابنِ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (وإذا كان الجُرحُ مكشوفًا، وأمكَنَ مَسحُه بالماء، فهو خيرٌ من التيمُّمِ، وكذلك إذا كان معصوبًا أو كُسِرَ عَظمُه، فوَضَعَ عليه جَبيرة، فمَسْحُ ذلك بالماء خيرٌ مِن التيمُّم) ((مجموع الفتاوى)) (21/453). ، وابن القيِّم قال ابن القيِّم: (...وهذا يدلُّ على أنَّ مَسحَ الجُرحِ البارز أوْلى من مسْحِ الجَبيرة، وأنَّه خيرٌ مِن التيمُّم. وهذا هو الصَّوابُ الذي لا ينبغي العُدولُ عنه، وهو المحفوظُ عن السَّلَفِ مِن الصَّحابة والتَّابعين، ولا ريبَ أنَّه بمقتضى القياسِ؛ فإنَّ مباشرةَ العضو بالمسحِ الذي هو بعضُ الغَسلِ المأمور به أَوْلى من مباشرةِ غَيرِ ذلك العُضوِ بالتُّراب) ((بدائع الفوائد)) (4/67). ، وابن باز قال ابنُ باز: (الجريحُ إن تيسَّر [له] المسحُ على الجُرحِ، مسَحَ على الجرح وكفَى...، أمَّا إذا كان عليه جَبيرةٌ، فإنَّه يمسحُ الجَبيرة). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز)) (5/168). ؛ وذلك لأنَّ جوازَ المسحِ على الجَبيرةِ للعُذر، ولا عُذرَ إذا قدَر على المسحِ على نفْسِ الجُرحِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/13).
المطلب الثَّالث: أن تكونَ الجَبيرةُ على قدْرِ الضَّرورة
يُشتَرَطُ أن تكونَ الجَبيرةُ على قدْرِ الضَّرورةِ قال ابن عثيمين: (فإذا أمكن أن نجعَلَ طول العيدان شبرًا، فإنَّنا لا نجعَلُها شبرًا وزيادة؛ لعدم الحاجةِ إلى هذا الزَّائدِ، وكذا إذا احتجْنا إلى أربطةٍ غليظةٍ استعملناها، وإلَّا استعمَلْنا أربطةً دقيقةً، وإذا كان الكسرُ في الأصبَعِ واحتجْنا أن نربطَ كلَّ الراحة؛ لتستريحَ اليَدِ، جاز ذلك لوجودِ الحاجة، فإن تجاوَزَت قدْرَ الحاجة، لم يمسَحْ عليها، لكن إن أمكن نزْعُها بلا ضررٍ نزَع ما تجاوَزَ قدْر الحاجةِ، فإنْ لم يمكن فقيل: يمسَحُ على ما كان على قدْرِ الحاجة ويتيمَّمُ عن الزَّائد، والرَّاجحُ أنَّه يمسحُ على الجميعِ بلا تيمُّم؛ لأنَّه لَمَّا كان يتضرَّرُ بنَزعِ الزَّائد، صار الجميعُ بمنزلة الجَبيرةِ) ((الشرح الممتع)) (1/243). وقال أيضًا: (الجبيرةُ لا يُمسحُ عليها إلَّا عند الحاجة، فيجِبُ أن تُقدَّر بقدَرِها، وليست الحاجةُ هي موضعَ الألمِ أو الجُرح فقط، بل كلُّ ما يُحتاج إليه في تثبيتِ هذه الجَبيرة أو هذه اللزقة مثلًا فهو حاجةٌ، فلو كان الكَسرُ في الأصبع ولكن احتَجْنا أن نربط كلَّ الرَّاحةِ؛ لتستريحَ اليَدِ، فهذه حاجةٌ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/173). ، نصَّ على هذا المالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/164)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/435). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/325)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/82). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/141)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/120). ؛ وذلك لأنَّ القاعدة الشرعيَّةَ: أنَّ ما أُبيحَ للضَّرورةِ يُقدَّرُ بِقَدَرِها ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 84).

انظر أيضا: