الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّل: حُكْمُ التَّسميةِ عند الإرسالِ أوِ الرَّمْيِ


لا يَحِلُّ أَكْلُ الصَّيْدِ إذا تَرَك التَّسميةَ عَمْدًا، ويَحِلُّ إذا تَرَكَها سَهْوًا، وهو مذهبُ الحَنَفيَّةِ [114] ((الهداية)) للمَرْغِيناني (4/63)، ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلعي (6/51)، ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (6/466). ، والمالِكيَّةِ [115] ((التاج والإكليل)) للموَّاق (3/219)، ((مواهب الجليل)) للحَطَّاب (4/329)، ((شرح مختصر خليل)) للخَرَشي (3/15)، ((مِنَح الجليل)) لعُلَيْش (2/429)، ((كفاية الطالب الرباني مع حاشية العدوي)) (1/590). ، وروايةٌ عن أحمدَ [116] ((المبدع)) لابن مفلح (9/219)، ويُنظر: ((مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهَوَيْهِ)) (8/3938). ، وهو قولُ جماهيرِ العُلماءِ [117] قال النَّووي: (قال أبو حنيفةَ ومالِكٌ والثَّوريُّ وجماهيرُ العلماءِ: إنْ تَرَكَها سهْوًا حَلَّتِ الذَّبيحةُ والصَّيْدُ، وإنْ تَرَكَها عمدًا فلا). ((شرح النَّووي على مسلم)) (13/73). ، وقولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ [118] ذَكَر منهمُ القُرْطُبيُّ في تفسيرِه: (إسحاقَ بنَ راهَوَيْهِ، والحسنَ بنَ حَيٍّ، وعيسى، وأَصْبَغَ، وسعيدَ بنَ جُبَيْرٍ، وعَطاءً، والنَّحاسَ). ((تفسير القرطبي)) (7/75). ، وهو اختِيارُ ابنِ بازٍ [119] قال ابنُ باز: (الواجبُ أنْ يُسَمِّيَ؛ لأنَّ اللهَ أَمَر بالتَّسميةِ، فالواجبُ أنْ يُسَمِّيَ اللهَ عند الذَّبحِ، يقولُ: بسم الله الرَّحمنِ الرَّحيم، أو: باسمِ اللهِ، ويكفي. وإذا تَعمَّد ترْكَها وهو يَعلمُ الحُكْمَ الشَّرعيَّ لم تَحِلَّ الذَّبيحةُ. لكنْ إذا تَرَكَها ناسيًا أو جاهلًا فالذَّبيحةُ حلالٌ. أمَّا إنْ ترَكَها عامدًا وهو يَعلمُ الحُكْمَ الشَّرعيَّ فالذَّبيحةُ لا تَحِلُّ في أَصَحِّ قَوْلَيِ العلماءِ؛ لأنَّ الرَّسولَ أَمَر مَن أرادَ الذَّبحَ أوِ الصَّيْدَ أنْ يُسمِّيَ اللهَ). ((الموقع الرسمي لابن باز)). وقال: (إذا نَسِيَ المسلمُ التَّسميةَ عند الذَّبحِ، أو عند رَمْيِ الصَّيْدِ، أو إرسالِ الكلبِ المُعَلَّمِ للصَّيْدِ، فإنَّ الذَّبيحةَ حلالٌ، وهكذا الصَّيْدُ إذا أَدرَكَه مَيِّتًا). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (23/92).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكتاب
قولُه تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام: 121]
وجهُ الدَّلالةِ:
 أنَّ مُطْلَقَ النَّهيِ يَقتَضي التَّحريمَ، وأُكِّد ذلك بحرفِ (مِن)؛ لأنَّه في موضعِ النَّهْيِ، للمُبالَغةِ، فيَقتَضي حُرمةَ كلِّ جُزءٍ منه. والهاءُ في قولِه تعالى: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام: 121] إنْ كان كِنايةً عنِ الأكلِ فالفِسْقُ أَكْلُ الحرامِ، وإنْ كان كنايةً عنِ المَذبوحِ فالمَذبوحُ الَّذي يُسَمَّى فِسْقًا في الشَّرعِ يَكونُ حَرامًا، كما قال اللهُ تعالى: أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام: 145] [120] ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (11/201)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (11/539).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
1 - عن أبي ثَعْلَبةَ الخُشَنيِّ رضيَ اللهُ عنه، قال: ((أَتَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّا بأرضِ قَومٍ أهلِ الكِتابِ، نَأكُلُ في آنيتِهِم، وأرضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بقَوسي وأَصِيدُ بكلبي المُعَلَّمِ والَّذي ليس مُعَلَّمًا، فأَخبِرْني ما الَّذي يَحِلُّ لنا مِن ذلك؟ فقال: أمَّا ما ذَكَرْتَ أنَّكَ بأرضِ قَومٍ أهلِ الكِتابِ تَأْكُلُ في آنيتِهِم: فإنْ وَجَدْتُم غيرَ آنيتِهِم فلا تَأْكلوا فيها، وإنْ لم تَجِدوا فاغسِلوها ثُمَّ كُلوا فيها. وأمَّا ما ذَكَرْتَ أنَّكَ بأرضِ صَيْدٍ: فما صِدْتَ بقَوْسِكَ فاذْكُرِ اسمَ اللهِ ثُمَّ كُلْ، وما صِدْتَ بكلبِكَ المُعَلَّمِ فاذْكُرِ اسمَ اللهِ ثُمَّ كُلْ، وما صِدْتَ بكلبِكَ الَّذي ليس مُعَلَّمًا فأَدْرَكْتَ ذَكاتَه فكُل ))ْ [121] أخرجه البخاري (5488) واللَّفظ له، ومسلم (1930).
أوجهُ الدَّلالةِ:
الأوَّلُ: أنَّه لم يُحِلَّ له إلَّا ما ذَكَرَ اسمَ اللهِ عليه، فلو كان يَحِلُّ له ما تَرَكَ التَّسميةَ عليه لم يَكُنْ ما ذَكَرَه جوابًا، وحالُ الاصطِيادِ حالٌ قد يُدْهَشُ الإنسانُ ويَذْهَلُ عنِ التَّسميةِ فيها؛ وهذا يَدُلُّ على تأكُّدِها [122] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/721).
الثَّاني: الأصلُ: تحريمُ أكْلِ المَيْتةِ، وما أَخرَجَ الإذنَ منها إلَّا ما هو موصوفٌ بكَوْنِه مُسَمًّى عليه؛ فغيرُ المُسَمَّى عليه يَبقَى على أصْلِ التَّحريمِ، داخِلًا تحتَ النَّصِّ المُحَرِّمِ للمَيْتةِ [123] ((إحكام الأحكام)) لابن دقيقِ العيدِ (2/286).
2- عن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ- رضِيَ اللهُ تعالَى عنه-: سألْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ((أُرسِلُ كلْبي فأجِدُ معه كلبًا آخَرَ؟ قال: فلا تأكُلْ؛ فإنَّما سَمَّيْتَ علَى كلبِكَ ولم تُسَمِّ على كلبٍ آخَرَ )) [124] رواه البخاري (175)، ومسلم (1929).
وجهُ الدَّلالةِ:
 عَلَّلَ للحُرمةِ بأنَّه لم يُسَمِّ على كلبِ غيرِه؛ فهو دليلُ الحُرمةِ إذا لم يُسَمِّ على كلبِ نفْسِه [125] ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (11/201).
3- عن ابن عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّه قال: ((إنَّ اللهَ وَضَع عن أُمَّتِي الخَطَأَ والنِّسيانَ وما استُكْرِهوا عليهِ )) [126] أخرجه ابن ماجه (2045) واللَّفظ له، والطَّبَراني في ((المعجم الأوسط)) (8273). وحسَّنه النَّووي في ((المجموع)) (6/521)، وابن تيميَّة في ((مجموع الفتاوى)) (7/685)، وابنُ حجر في ((موافقة الخُبْرِ الخَبَرَ)) (1/510). وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/90): رجاله على شرط الصحيحين، وله شاهدٌ من القرآن، ومِن طُرُقٍ أُخَرَ. وقال ابن المُلَقِّن في ((شرح البخاري)) (25/267): ثابت على شرط الشيخين.
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الحديثَ نَصٌّ في العفوِ عنِ الواجباتِ عند النِّسيانِ [127] ((سُبُل السلام)) للصَّنْعاني (2/518).

انظر أيضا: