الموسوعة الفقهية

المبحث الخامِسُ: أكلُ الحَيوانِ الذي أوشَكَ على المَوتِ، بعدَ تَذكِيَتِه [77] كالمُنخَنِقةِ، أو الموقوذةِ، أو المترَدِّية، أو النَّطيحة، أو ما أكَلَ السَّبُعُ، أو غير ذلك، إذا لم تَمُتْ  


يَحِلُّ أكلُ الحَيوانِ- الذي فيه حياةٌ- بعد تَذكِيَتِه، ولو كان قد أوشَكَ على الموتِ [78] مع اختلافٍ بين العُلَماءِ في صورةِ الحياةِ المُشتَرَطةِ فيه.   ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ [79] اتَّفَقوا على هذا الأصلِ، لكِنَّهم اختَلَفوا في علامةِ حياتِه بعد تذكِيتِه.   : الحَنَفيَّةِ [80] ((الفتاوى الهندية)) (5/286)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/50).   ، والمالِكيَّةِ [81] إذا لم يؤَدِّ ذلك إلى إنفاذِ بعضِ المَقاتِل. ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (3/39)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (3/23).   ، والشَّافِعيَّةِ [82] ((المجموع)) للنووي (9/88)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/320).   ، والحَنابِلةِ [83] ((الإنصاف)) للمرداوي (10/298)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/120).   ، وهو قَولُ بَعضِ السَّلَفِ [84] قال ابن عبد البر: (وقال إسحاقُ بنُ منصورٍ: سَمِعتُ إسحاقَ بنَ راهَوَيه يقولُ في الشَّاةِ يعدو عليها الذِّئبُ، فيَبقُرُ بَطنَها ويُخرِجُ المصارينَ حتى يُعلَمَ أنَّها لا يعيشُ مِثلُها؛ قال: السُّنَّةُ في ذلك ما وصفَ ابنُ عَبَّاسٍ؛ لأنَّه وإن خرجت مصارينُها فإنَّها حَيَّةٌ بعدُ، ومَوضِعُ الذَّكاةِ منها سالمٌ. قال: وإنما يُنظَرُ عند الذَّبحِ أهي حَيَّةٌ أم مَيِّتةٌ، ولا يُنظَرُ هل تعيشُ مِثلُها). ((الاستذكار)) (5/261).   ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [85] قال ابنُ رشد: (أمَّا المُنخَنِقةُ والموقوذةُ والمُترَدِّيةُ والنَّطيحةُ وما أكل السَّبُعُ، فإنَّهم اتَّفَقوا- فيما أعلم- أنَّه إذا لم يبلُغِ الخَنقُ منها أو الوَقْذُ منها إلى حالةٍ لا يُرجَى فيه أنَّ الذَّكاةَ عامِلةٌ فيها). ((بداية المجتهد)) (2/203)، وجاء في ((الفتاوى الهندية)): (المتردِّيةُ، والمُنخَنِقةُ، والموقوذةُ، والشَّاةُ المريضةُ، والنَّطيحةُ، ومَشقوقةُ البَطنِ: إذا ذُبِحَت يُنظَرُ إن كان فيها حياةٌ مُستَقِرَّةٌ، حَلَّت بالذَّبحِ بالإجماعِ). ((الفتاوى الهندية)) (5/286).  
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكتاب
قَولُه تعالى: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة: 3]
وجهُ الدَّلالةِ:
قَال تعالى: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ فاستثنى سُبحانَه وتعالى المُذَكَّى مِن المُحَرَّمِ، والاستِثناءُ مِن التَّحريمِ إباحةٌ [86] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/40)، ((العدة شرح العمدة)) لبهاء الدين المقدسي (ص 489).  
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قال: قال لي رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أرسَلْتَ كَلْبَك، فاذكُرِ اسْمَ اللهِ، فإنْ أمسَكَ عليك فأدرَكْتَه حَيًّا، فاذبَحْه، وإن أدرَكْتَه قد قَتَل ولم يأكُلْ منه، فكُلْه، وإنْ وجَدْتَ مع كَلْبِك كَلبًا غَيرَه وقد قَتَل، فلا تأكُلْ؛ فإنَّك لا تدري أيُّهما قتَلَه، وإنْ رَمَيتَ سَهْمَك فاذكُرِ اسمَ اللهِ، فإنْ غاب عنك يومًا فلم تجِدْ فيه إلَّا أثَرَ سَهمِك، فكُلْ إن شِئْتَ، وإنْ وجَدْتَه غَريقًا في الماءِ، فلا تأكُلْ )) [87] أخرجه البخاري (175)، ومسلم (1929) واللفظ له.  
وجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فأدرَكْتَه حَيًّا، فاذبَحْه)) يدُلُّ على أنَّ الذَّكاةَ تُجزِئُ في الحيوانِ الذي فيه بقيَّةُ حَياةٍ، وإلَّا صار مَيْتةً [88] ((المجموع)) للنووي (9/84).  

انظر أيضا: