الموسوعة الفقهية

المبحث الثَّالِثُ: الذَّبيحةُ المُغَلْصَمةُ [58] الغَلْصَمةُ: رأسُ الحُلقومِ، وهو المَوضِعُ النَّاتئُ في الحَلقِ، والجَمعُ الغلاصِمُ، وغَلْصَمَه: أي: قطَعَ غَلْصَمَتَه والمُغَلْصَمةُ: هي التي ينحازُ فيها الموضِعُ النَّاتئُ في الحَلقِ جِهةَ الصَّدرِ بعد الذَّبحِ يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (5/1997)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (3/4)  


يَحِلُّ أكلُ الذَّبيحةِ المُغَلْصَمةِ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [59] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/290)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/193).   ، والحَنابِلةِ [60] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/419)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/206)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (6/331).   ، وبعضِ المالِكيَّةِ [61] ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (3/4)، ويُنظر: ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد الجد (1/430).   ، واختاره ابنُ حَزمٍ [62] قال ابن حزم: (وسواءٌ ذُبِحَ من الحَلقِ في أعلاه أو أسفَلِه، رُمِيَت العُقدةُ إلى فوق أو إلى أسفَل، أو قُطِعَ كُلُّ ذلك مِنَ القَفا، أُبِينَ الرَّأسُ أو لم يُبَنْ- كُلُّ ذلك حلالٌ أكلُه). ((المحلى)) (6/122).   ، وابنُ تيميَّةَ [63] ابنُ تيميَّةَ يرى أنَّ العِبرةَ بإنهارِ الدَّمِ، وهو يحصُلُ بقَطعِ غَيرِ الوَدَجَينِ مِن مكانِ الذَّبحِ. قال ابنُ تيميَّةَ: (والأظهَرُ أنَّه لا يُشتَرَطُ شَيءٌ من ذلك؛ فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَشتَرِطْ شيئًا من ذلك ولا أوجبَه، بل قال في الحديثِ المتَّفَقِ على صِحَّتِه: ((ما أنهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسمُ اللهِ عليه، فكُلْ ليس السِّنَّ والظُّفُرَ))، فإذا جرى الدَّمُ مِن العُنُقِ ومات الحيوانُ بذلك، وقد سَمَّى عليه اللهَ؛ أبيحَ سواءٌ كان القَطعُ فوقَ الغَلْصَمة أو دُونَها، وسواءٌ قَطَع اثنينِ أو ثلاثةً أو أربعةً). ((المسائل والأجوبة)) (1/162).   ، والشَّوكانيُّ [64] لأنَّه يرى أنَّ العِبرةَ بإنهارِ الدَّمِ، وهو يحصُلُ بقَطعِ غَيرِ الوَدَجَينِ مِن مكانِ الذَّبحِ. قال الشوكاني: (والحاصِلُ أنَّه قد دَلَّ الحديثُ الصَّحيحُ على أنَّ المُعتَبَرَ إنهارُ الدَّمِ؛ فإذا طَعَنَ في الحَلقِ واللَّبَّة حتى أنهَرَ الدَّمَ ولم يَفْرِ الأوداجَ كُلَّها؛ كان الذَّبحُ صَحيحًا والذَّبيحةُ حَلالًا). ((السيل الجرار)) (ص 712).   ، وابنُ عُثَيمينَ [65] لأنَّه يرى أنَّ العِبرةَ بإنهارِ الدَّمِ، وهو يحصُلُ بقَطعِ غَيرِ الوَدَجَينِ مِن مكانِ الذَّبحِ. قال ابنُ عُثيمين: (والخِلافُ في هذا طَويلٌ مُتشَعِّبٌ؛ لأنَّه ليس هناك نصٌّ واضِحٌ يدُلُّ على الاشتراطِ، لكِنَّ أقربَ الأقوالِ عندي: أنَّ الشَّرطَ هو إنهارُ الدَّمِ فقط، وما عدا ذلك فهو مُكَمِّلٌ، ولا شكَّ أنَّ الإنسانَ إذا قطَعَ الأربعةَ فقد حَلَّت بالإجماعِ). ((الشرح الممتع)) (24/272). وقال: (ومِن العُلَماءِ مَن قال: إنَّ الخَرزةَ التي في الرَّقَبةِ لا بُدَّ أن تكون تابعةً للرأسِ عند الذَّبحِ، وهي في طَرفِ الحُلقومِ، ومنهم من قال: لا يَشتَرِطُ، وهو اختيارُ شَيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّةَ رحمه الله، وهو الصَّحيحُ؛ فإذا قَطَع من وراءِ الخَرزةِ، فإنَّه يُجزِئُ). ((الشرح الممتع)) (15/75).   ، وبه أفتَتِ اللَّجْنةُ الدَّائِمةُ [66] جاء في فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة: (وأمَّا مَحَلُّ الذَّبحِ فلا بُدَّ في الذَّبحِ مِن قَطعِ الحُلقومِ: وهو مجرى النَّفَسِ، والمَريءِ: وهو مجرى الطَّعامِ والشَّرابِ، سواءٌ كان القَطعُ فوق الغَلْصَمةِ: وهو الموضِعُ النَّاتئُ من الحُلقومِ، أو دُونَها، فإذا قَطَع الذَّابِحُ الوَدجَينِ مع الحُلقومِ والمَريءِ، كان أكمَلَ في الذَّبحِ). ((فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة)) (22/388).  
الأدلَّة:
أولًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن رافِعِ بنِ خَديجٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما أنهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسمُ اللهِ عليه، فكُلوا ليس السِّنَّ والظُّفُرَ )) [67] أخرجه البخاري (2488)، ومسلم (1968).  
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَولَه: (ما أنهَرَ الدَّمَ) يدُلُّ على أنَّ التَّذْكيةَ في مَوضِعِ الذَّبحِ بما يَحصُلُ به إنهارُ الدَّمِ، حَلالٌ [68] ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص 712).  
ثانيًا: من الآثار
عن سَعيدِ بنِ جُبَيرٍ، عن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: (الذَّكاةُ في الحَلقِ واللَّبَّةِ) [69] أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (8615)، وابن أبي شيبة (19829)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (19122)، والبخاري مُعَلَّقًا (7/93)، وصَحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (9/557). واللَّبَّةُ: مَوضِعُ النَّحْرِ مِن الحيوانِ، وهي الثُّغرةُ التي في أسفَلِ العُنُقِ. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (15/243)، ((الصحاح تاج اللغة)) للجوهري (1/217)، ((المجموع)) للنووي (9/85).  
وجهُ الدَّلالةِ:
قَولُ ابنِ عَبَّاسٍ: (الذَّكاةُ في الحَلقِ واللَّبَّةِ) أي: بين الحَلقِ واللَّبَّةِ، وكَلِمةُ (في) بمعنى: (بينَ) كما في قَولِه تعالى: فَادْخُلِي فِي عِبَادِي [الفجر: 29] أي: بينَ عِبادي [70] ((عمدة القاري)) للعيني (21/123).  

انظر أيضا: