الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّلُ: الخِنزيرُ


يَحرُمُ أكلُ الِخنزيرِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكتاب
قَولُه تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام: 145]
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الآيةَ صَريحةٌ في تَحريمِ لَحمِ الخِنزيرِ، وخُصَّ اللَّحْمُ بِالذِّكْرِ مع أنَّ جَميعَ أجزائِه مُحَرَّمةٌ؛ لأنَّه أعظمُ مَنفَعتِه [134] ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/153)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/365).   ، وقد قُرِنَت به عِلَّةُ تحريمِه، وهو كَونُه رِجسًا [135] ((فتح الباري)) لابن حجر (9/657).  
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((والذي نَفسي بيَدِه، لِيُوشِكَنَّ أن يَنزِلَ فيكم ابنُ مَريمَ حَكَمًا عَدْلًا، فيَكسِرَ الصَّليبَ، ويَقتُلَ الخِنزيرَ، ويَضَعَ الجِزيةَ، ويَفيضَ المالُ حتى لا يَقبَلَه أحَدٌ، حتى تكونَ السَّجدةُ الواحِدةُ خَيرًا مِنَ الدُّنيا وما فيها )) [136] أخرجه البخاري (3448)، واللفظ له، ومسلم (155).  
وجهُ الدَّلالةِ:
يُستَفادُ منه تحريمُ اقتِناءِ الخِنزيرِ وتحريمُ أكلِه، وأنَّه نَجِسٌ؛ لأنَّ الشَّيءَ المُنتَفَعَ به لا يُشرَعُ إتلافُه [137] ((فتح الباري)) لابن حجر (6/491).  
2- عن سُلَيمانَ بنِ بُرَيدةَ عن أبيه رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن لَعِبَ بالنَّرْدَشيرِ [138] النردشير: هو النَّرْدُ المعروفُ، وهو شيءٌ يُلعَبُ به. ​يُنظر: ​((شرح النووي على مسلم)) (15/15)، ((لسان العرب)) لابن منظور (3/421).   فكأنَّما صَبَغ يَدَه في لَحمِ خِنزيرٍ ودَمِه )) [139] أخرجه مسلم (2260).  
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الغامِسَ يَدَه في لَحمِ الخِنزيرِ يدعوه إلى أكلِه؛ باعتبارِ ذلك مُقَدِّمةً لأكْلِه، وهو مُحَرَّمٌ [140] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (32/226).  
3- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ عامَ الفَتحِ وهو بمكَّةَ: ((إنَّ اللهَ ورَسولَه حَرَّمَ بَيعَ الخَمرِ والمَيْتةِ، والخِنزيرِ والأصنامِ )) [141] أخرجه البخاري (2236)، واللفظ له، ومسلم (1581).  
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه نَصٌّ على تحريمِ بَيعِ الخِنزيرِ، وقد أجمَعوا على حُرمةِ بَيعِه وشِرائِه، وهذا يدُلُّ على أنَّه لا مَنفعةَ فيه، ومنها مَنفَعةُ أكلِه [142] ((المغني)) لابن قدامة (4/192).  
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على حُرمةِ الخِنزيرِ: ابنُ المُنذِرِ [143] قال ابن المنذر: (وأجمع أهلُ العلمِ على تحريمِ الخنزيرِ). ((الأوسط)) (2/413).   ، وابنُ حَزمٍ [144] قال ابن حزم: (واتَّفَقوا أنَّ... لحمَ الخنزيرِ وشَحْمَه، ووَدَكَه وغضروفَه، ومُخَّه وعَصَبَه: حرامٌ كُلُّه، وكلُّ ذلك نجِسٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص 23).   ، وابنُ عَبدِ البَرِّ [145] قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (فإنْ قال قائل: إنَّ الحُمُرَ الأهليَّةَ وذا النابِ مِنَ السِّباعِ لو كان أكلُها حرامًا، لكَفَر مُستَحِلُّها، كما يَكفُرُ مُستَحِلُّ الميتةِ ولَحمِ الخنزيرِ، فالجوابُ عن ذلك: أنَّ المُحرَّمَ بآيةٍ مُجتَمَعٍ تأويلُها أو سُنَّةٍ مُجتَمَعٍ على القَولِ بها: يَكفُرُ مُستَحِلُّه). ((التمهيد)) (1/147).   ، وابنُ قُدامةَ [146] قال ابن قدامة: (وحُكمُ الخنزيرِ حُكمُ الكَلبِ؛ لأنَّ النصَّ وقع في الكَلبِ، والخِنزيرُ شَرٌّ منه وأغلَظُ؛ لأنَّ اللهَ تعالى نصَّ على تحريمِه، وأجمع المسلمونَ على ذلك، وحَرُمَ اقتناؤُه) ((المغني)) (1/42).   ، وابنُ القَطَّان [147] قال أبو الحسن بن القطَّان: (واتَّفَقوا أنَّ الخِنزيرَ- ذَكَرَه وأنثاه، صَغيرَه وكَبيرَه- حَرامٌ: لَحمُه وشَحمُه، وعَصَبُه ومُخُّه، وعَظمُه وغُضروفه، ودِماغُه وحَشوتُه؛ حَرامٌ كُلُّ ذلك بالاتِّفاقِ). ((الإقناع)) (1/109).   ، والقُرطبيُّ [148] قال القرطبي: (لا خِلافَ أنَّ جُملةَ الخنزير محَرَّمةٌ إلَّا الشَّعرَ؛ فإنَّه يجوزُ الخرازةُ به). ((تفسير القرطبي)) (02/223).   ، والنَّوويُّ [149] قال النووي: ((فأمَّا) النَّجِسُ فلا يَحِلُّ أكلُه، وهو الكَلبُ والخنزيرُ وما تولَّدَ مِن أحدِهما وغَيره، وهذا لا خلافَ فيه). ((المجموع)) (9/3).  

انظر أيضا: