الموسوعة الفقهية

الفصل الأوَّلُ: الأصلُ في الأشرِبةِ [1] الأشْرِبةُ: جَمعُ شَرابٍ، والشَّرابُ: اسمٌ لِما يُشرَبُ، وكُلُّ شَيءٍ لا يُمضَغُ فإنَّه يقالُ فيه يُشرَبُ يُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (11/242)، ((لسان العرب)) لابن منظور (1/488)  


الأصلُ في الأشرِبةِ الحِلُّ [2] الشَّرابُ يَدخُلُ في الطَّعامِ، وكِلاهما الأصلُ فيه الحِلُّ. يُنظر: ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (4/258)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/188). وبناءً على هذه القاعدةِ، فكُلُّ شَرابٍ غيرِ مُسكرٍ ولا ضارٍّ، فهو مُباحٌ: كالقهوة والشاي، والعصائرِ المصنَّعة حديثًا، وكالمشروباتِ الغازيَّة، والبِيرةِ غيرِ المُسكِرة والخاليةِ مِن الكحولِ، ومَشروبِ الطَّاقةِ إذا لم تكن فيه موادُّ ضارَّةٌ، وغيرِها من المشروباتِ غيرِ المُحرَّمةِ أصلًا.   ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [3] ((المبسوط)) للسرخسي (24/68)، ((البناية)) للعيني (12/70)، ويُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/22)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/568).   ، والمالِكيَّةِ [4] ((التمهيد)) لابن عبد البر (4/142)، ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (3/288)، ((نفائس الأصول)) للقرافي (1/425).   ، والشَّافِعيَّةِ [5] ((فتح العزيز)) للرافعي (12/123)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/271).   ، والحَنابِلةِ [6] ((الإنصاف)) للمرداوي (10/354)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/188).  
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكتاب
1- قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة: 29]
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تعالى خلَقَ ما في الأرضِ للمُكَلَّفينَ ينتَفِعونَ به في غِذاءٍ وغَيرِه [7] ((مغني المحتاج)) للشربيني ( 1/177)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (5/3).  
2- قال الله تعالى: وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ [الرحمن: 10]
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ امتَنَّ على الأنامِ بأنَّه وضع لهم الأرضَ، وجعَلَ لهم فيها أرزاقَهم من القُوتِ والتفَكُّهِ، ومعلومٌ أنَّه- جَلَّ وعلا- لا يمتَنٌّ بحَرامٍ؛ إذ لا مِنَّةَ في شَيءٍ مُحَرَّمٍ [8] ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (5/3)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/495).  
3- قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا [البقرة: 168]
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه نَصٌّ عامٌّ في حِلِّ أكلِ كُلِّ طَيِّبٍ في الأرضِ، وإنَّما تَثبُتُ الحُرمةُ بعارضِ نَصٍّ مُطلَقٍ، أو خَبَرٍ مَرْويٍّ؛ فما لم يُوجَدْ شَيءٌ مِن الدَّلائِلِ المُحَرِّمةِ، فهي على الإباحةِ [9] ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/568).  
4- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ الآية. [البقرة:172-173]
وجهُ الدَّلالةِ:
 أَذِنَ تعالى للمُؤمِنينَ في الأكلِ مِن الطَّيِّباتِ ولم يَشتَرَطِ الحِلَّ، وأخبَرَ أنَّه لم يُحَرِّمْ عليهم إلَّا ما ذكَرَه؛ فما سواه لم يكُنْ مُحَرَّمًا على المُؤمِنينَ [10] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/45).  
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنه قال: ((كان أهلُ الجاهليَّةِ يأكُلونَ أشياءَ، ويَترُكونَ أشياءَ تقَذُّرًا، فبعث اللهُ تعالى نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنزل كتابَه، وأحَلَّ حلالَه وحرَّم حرامَه؛ فما أحلَّ فهو حلالٌ، وما حَرَّم فهو حرامٌ، وما سكتَ عنه فهو عَفْوٌ ، وتلا: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ [الأنعام: 145] إلى آخِرِ الآيةِ)) [11] أخرجه أبو داود (3800)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (2/228)، و الحاكم (7113). صَحَّح إسنادَه الحاكِمُ، وابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/367)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3800)، وحسَّن إسنادَه النووي في ((المجموع)) (9/25)، وصَحَّح إسنادَه الوادعيُّ موقوفًا في ((الصحيح المسند)) (650).  
وجهُ الدَّلالةِ:
1- أنَّ هذا نَصٌّ في أنَّ ما سكتَ عنه فلا إثمَ عليه فيه، وتَسميةُ هذا عَفْوًا؛ لأنَّ التَّحليلَ هو الإذنُ في التَّناوُلِ بخطابٍ خاصٍّ، والتَّحريمَ: المَنعُ مِن التَّناوُلِ كذلك، والسُّكوتَ عنه: لم يُؤذِنْ بخِطابٍ يَخُصُّه، ولم يمنَعْ منه؛ فيَرجِعُ إلى الأصلِ [12] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/538).  
2- أنَّ المَعفُوَّ عنه ما تُرِكَ ذِكرُه، فلم يُحرَّمْ ولم يُحلَّلْ، فيكونُ مَعفُوًّا عنه، لا حَرَج على فاعِلِه [13] ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/163).  

انظر أيضا: