الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: العَمَليَّاتُ الجِراحيَّةُ التَّجميليَّةُ التي فيها تغييرٌ لِخَلقِ اللهِ


لا يجوزُ القِيامُ بعَمَليَّاتٍ جِراحيَّةٍ تَجميليَّةٍ، إذا كان فيها تغييرٌ لخِلقةِ اللهِ [925] قال بحرمة التزيُّنِ بتَغييرِ الخِلقةِ جَماعةٌ مِن العُلماءِ، وهذه أقوالهم: قال ابن بطال: (قال الطبرى: لا يجوزُ لامرأةٍ تَغييرُ شيءٍ مِن خَلقِها الذى خَلَقَها اللهُ عليه، بزيادةٍ فيه أو نقصٍ منه؛ التِماسَ التحَسُّنِ به لزَوجٍ أو غيرِه؛ لأنَّ ذلك نقضٌ منها خَلْقَها إلى غيرِ هَيئتِه). ((شرح صحيح البخاري)) (9/167). وقال ابنُ العربي في الوشم والنمص والوشر: (وهذا كلُّه تبديلٌ للخِلقةِ، وتغييرٌ للهَيئةِ، وهو حرامٌ). ((أحكام القرآن)) (1/631). وقال القرطبي: (والمتفَلِّجات: جمعُ متفَلِّجة، وهي التي تفعَلُ الفَلَجَ في أسنانِها، أي: تعانيه حتى تَرجِعَ المُصمَتة الأسنانِ خِلقةً فَلْجاءَ صَنعةً. وفي غير كتاب مُسْلِم: (الواشرات)، وهي جمعُ واشرة، وهي التي تَشِرُ أسنانَها، أي: تصنَعَ فيها أشرًا، وهي التَّحزيزات التي تكونُ في أسنانِ الشُّبَّان، تفعل ذلك المرأةُ الكبيرةُ تَشَبُّهًا بالشابَّة. وهذه الأمورُ كُلُّها قد شَهِدَت الأحاديثُ بلَعنِ فاعِلِها وأنَّها من الكبائِرِ. واختُلِفَ في المعنى الذي نُهِيَ لأجلِها، فقيل: لأنَّها من بابِ التدليس. وقيل: من بابِ تغييرِ خَلقِ الله تعالى، كما قال ابنُ مسعود، وهو أصَحُّ، وهو يتضَمَّنُ المعنى الأوَّل. ثم قيل: هذا المنهيُّ عنه إنَّما هو فيما يكون باقيًا؛ لأنَّه من باب تغييرِ خَلقِ الله تعالى، فأمَّا ما لا يكونُ باقيًا، كالكُحلِ والتزَيُّنِ به للنِّساءِ، فقد أجاز العُلَماءُ ذلك؛ مالكٌ وغيره). ((تفسير القرطبي)) (5/393). وقال النوويُّ في شَرحِه لحديثِ عبد الله بن مسعود رَضِيَ الله عنه، في لعنِ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للوَاشِماتِ والمُستَوشِماتِ: (وأمَّا قوله: ((المتفَلِّجاتِ للحُسنِ)) فمعناه: يفعَلْنَ ذلك طلبًا للحُسن،ِ وفيه إشارةٌ إلى أنَّ الحرامَ هو المفعولُ لطَلَبِ الحُسنِ). ((شرح النووي على مُسْلِم)) (14/107). وقال ابن جُزَي: (لا يحِلُّ للمرأةِ التَّلبيسُ بتَغييرِ خَلقِ اللهِ تعالى، ومنه أن تصِلَ شَعرَها القَصيرَ بشَعرٍ آخَرَ طويلٍ، وأن تَشِمَ وَجْهَها وبدَنَها، وأن تنشُرَ أسنانَها، وأن تتنَمَّصَ). ((القوانين الفقهية)) (ص: 293). وقال الشوكاني: (قولُه: (إلَّا مِن داءٍ) ظاهِرُه أنَّ التَّحريمَ المذكورَ إنَّما هو فيما إذا كان لقَصدِ التَّحسينِ، لا لداءٍ وعِلَّةٍ؛ فإنَّه ليس بمُحَرَّمٍ، وظاهِرُ قَولِه: «المغَيِّراتِ خَلقَ الله» أنَّه لا يجوزُ تغييرُ شَيءٍ مِن الخِلقةِ عن الصِّفةِ التي عليها). ((نيل الأوطار)) (6/229). وقال ابنُ عُثيمين في حُكمِ الموادِّ الكيميائيَّة التي تُستعمَلُ لزينةِ الجِسمِ وتجَمُّلِه: (إذا كان هذا التغييرُ ثابتًا، فهو حرامٌ، بل من كبائرِ الذُّنوبِ؛ لأنَّه أشَدُّ تغييرًا لخلقِ الله تعالى من الوَشْمِ، وقد ثبت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّه ((لعَنَ الواصِلةَ والمُستَوصِلةَ، والواشِمةَ والمُستَوشِمةَ))... وأمَّا إذا كان التغييرُ غيرَ ثابتٍ، كالحنَّاءِ ونحوه، فلا بأسَ به؛ لأنَّه يزولُ، فهو كالكُحلِ وتَحميرِ الخَدَّينِ والشَّفَتينِ، فالواجِبُ الحَذَرُ والتحذيرُ مِن تَغييرِ خَلقِ الله). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/20). وقال أيضًا: (القاعدةُ في هذه الأمورِ: أنَّ العمليَّةَ لإزالةِ العَيبِ جائِزةٌ، والعمليَّةَ للتَّجميلِ غيرُ جائزةٍ، ودليلُ ذلك أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم لعَنَ المتفَلِّجاتِ في أسنانِهنَّ؛ مِن أجلِ تجميلِ السِّنِّ، ولكِنَّه أذِنَ لأحَدِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنه لَمَّا أُصيبَ أنفُه وقُطِعَ أن يتَّخِذَ أنفًا من ذهَبٍ، فالقاعدةُ: أنَّ ما كان لإزالةِ عَيبٍ فهو جائِزٌ، وما كان لزيادةِ التَّجميلِ فهو ليس بجائزٍ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/51). وجاء في قرار مجمَعِ الفقه الإسلامي: (لا يجوزُ إجراءُ جِراحةِ التَّجميلِ التَّحسينيَّةِ التي لا تدخُلُ في العِلاجِ الطِّبيِّ، ويُقصَدُ منها تغييرُ خِلقةِ الإنسانِ السَّوِيَّة تبعًا للهوى والرَّغَباتِ بالتقليدِ للآخَرينَ، مثل عمليَّات تغييرِ شَكلِ الوَجهِ للظُّهورِ بمَظهرٍ مُعَيَّنٍ، أو بقَصدِ التَّدليسِ وتضليلِ العدالةِ، وتغييرِ شَكلِ الأنفِ، وتكبيرِ أو تَصغيرِ الشِّفاهِ، وتغييرِ شَكلِ العَينَينِ، وتكبيرِ الوَجناتِ). ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي))) قرار رقم: (173) (11/18).
الأدِلَّة:
أولًا: مِن الكِتابِ
قَولُه تعالى، حكايةً عن إبليسَ لعنَه الله: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء: 119]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((لعَنَ اللهُ الواشِماتِ والمُستَوشِماتِ، والمتنَمِّصاتِ، والمتفَلِّجاتِ للحُسنِ، المغَيِّراتِ خَلقَ اللهِ، ما لي لا ألعَنُ مَن لعَنَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو في كتابِ اللهِ؟! )) [926] أخرَجَه البُخاريُّ (5948)، ومُسْلِم (2125).
وَجهُ الدَّلالةِ:
قولُه: ((المُتفَلِّجاتِ للحُسنِ)) فيه أنَّه لا يجوزُ تَغييرُ خَلقِ اللهِ، إذا كان لطَلَبِ الحُسنِ [927] ((شرح النووي على مُسْلِم)) (14/107)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (6/229)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/51).
ومن أشهَرِ صُوَرِ جِراحاتِ التَّجميلِ المُحَرَّمة ما يلي:
1- تجميلُ الأنفِ، بتَصغيرِه أو تَغييرِ شَكْلِه.
2- تجميلُ الذَّقَنِ.
3- تجميلُ الثَّديَينِ، بتَصغيرِهما، أو تَكبيرِهما، أو بإدخالِ النَّهدِ الصِّناعيِّ داخِلَ جَوفِ الثَّديِ.
4- تجميلُ الأذُنِ.
5- تَجميلُ البَطنِ.
6- تَجميلُ الوَجهِ بشَدِّ تجاعيدِه [928] أمَّا استخدامُ الكريمات لإزالة تجاعيدِه، فلا حرجَ فيه؛ لأنَّه مؤقتٌ وليس فيه تغييرٌ لخَلقِ اللهِ. ، أو بعمَليَّةِ القَشرِ الكِيماويِّ، أو الليزَر، أو عن طريقِ الحَقنِ.
7- تجميلُ الأردافِ، وشَدُّ جِلدتِها، وتهذيبُ حَجمِها بحَسَبِ الصُّورةِ المطلوبةِ.
8- تجميلُ السَّاعِدِ.
9- تجميلُ اليَدَينِ بشَدِّ تجاعيدِهما، وخاصَّةً لكِبارِ السِّنِّ.
10- تجميلُ الحواجِبِ والجُفونِ ورَفعُها.
11- تجميلُ الأسنانِ بوَضعِ الكِريستالِ أو الألْماس، عن طريقِ الحَفرِ والتَّثبيتِ الدَّائِمِ [929] ويُستثنى منه ما كان عن طريقِ اللَّصقِ المُؤَقَّت الذي يمكِنُ إزالتُه يدويًّا؛ لأنَّ الأصلَ في الزينةِ الإباحةُ إلَّا ما دلَّ الدَّليلُ على تحريمِه، وليس فيه تغييرٌ لخلقةِ اللهِ.
12- تَبييضُ البَشَرةِ على وجهِ الدَّوامِ [930] أمَّا تبييضُها مُؤَقَّتًا بالبودرة أو بالكريمات، فلا حرج فيه. قال ابن عثيمين: (إذا كان تبييضًا ثابتًا فإنَّ هذا لا يجوزُ؛ لأنَّ هذا يُشبِهُ الوَشمَ، والوَشرَ، والتَّفليج، وأمَّا إذا كان يُبَيِّضُ الوَجهَ في وقتٍ مُعَينٍ وإذا غُسِلَ زال، فلا بأس به). ((فتاوى نور على الدرب)) (11/71).
13- تطويلُ القامةِ.
14- نَفخُ الخُدودِ والشِّفاه.

انظر أيضا: