الموسوعة الفقهية

الفصل الثاني: شُروطُ طَوافِ الوداعِ


المبحث الأوَّل: أن يكونَ مِنْ أهْلِ الآفاقِ
يُشتَرَط أن يكونَ الحاجُّ مِن أهلِ الآفاقِ، فلا يجِبُ على المكِّيِّ، ومَن نوى الإقامةَ بمكَّةَ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ الحنفية اشترطوا أن ينويَ الإقامةَ قبل النَّفْر، أما إذا نوى الإقامةَ بعد النفر فعليه الوداعُ. انظر: ((حاشية رد المحتار)) لابن عابدين (2/523)، وكذلك يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/142). ، والمالكيَّةِ ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 196)، ويُنظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/493). ، والشَّافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (8/254) ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للماوردي (4/39)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/403).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الطَّوافَ وجبَ توديعًا للبيتِ، وهذا المعنى لا يُوجَدُ في أهلِ مكَّة؛ لأنَّهم في وطَنِهم ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/ 261).
ثانيًا: ولم يجِبْ على مَن نوى الإقامةَ؛ لأنَّ الوداعَ مِنَ المُفارِقِ، لا مِنَ المُلازِمِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/ 403).
المبحث الثاني: الطَّهارةُ مِنَ الحيضِ والنِّفاسِ
يُشتَرَط الطَّهارةُ مِنَ الحيضِ والنِّفاسِ؛ فلا يجِبُ طوافُ الوداعِ على الحائِضِ والنُّفَساءِ، ولا يجِبُ عليهما دمٌ بتَرْكِه، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (4/61)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/142). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 138)، ويُنظر: ((التمهيد)) لابن عَبدِ البَرِّ (17/268). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/284)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/116). ، والحَنابِلَة ((الشرح الكبير)) لشمس الدين بن قُدامة (3/487). ، وهو قول عامة أهل العلم قال البغوي: (إلَّا المرأة الحائض أو النفساء يجوزُ لها أن تنفِرَ، وتترك طوافَ الوَداعِ، ولا دَمَ عليها، وهو قول عامَّةِ أهلِ العِلمِ من الصحابة، فمَن بعدَهم، وإليه ذهب مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي) ((شرح السنة)) للبغوي (7/235)، وقال ابن قُدامة: (والمرأةُ إذا حاضت قبل أن تُودِّعَ خرجت ولا وداعَ عليها ولا فديةَ؛ هذا قولُ عامَّة فقهاء الأمصار) ((المغني)) (3/406)، وقال النووي: (هذا دليلٌ لوجوبِ طواف الوداع على غير الحائِضِ وسقوطِه عنها، ولا يلزَمُها دمٌ بتركه، هذا مَذهَب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد، والعلماءِ كافَّةً) ((شرح النووي على مسلم)) (9/79)
الأدلَّة مِنَ السُّنَّة:
1- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ، رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أُمِرَ النَّاسُ أن يكون آخرُ عهدِهم بالبيتِ إلَّا أنَّه خُفِّفَ عن الحائِضِ )) رواه البخاري (1755) واللفظ له، ومسلم (1328)
2- حديثُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ صفيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ- زوجَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- حاضت في حجَّةِ الوداعِ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أحابِسَتُنا هي؟ فقلتُ: إنَّها قد أفاضَتْ يا رسولَ اللهِ وطافت بالبيتِ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فلْتَنْفِرْ )) رواه البخاري (4401) واللفظ له، ومسلم (1211)
فرعٌ: طهارةُ الحائِضِ والنُّفَساءِ قبلَ مُفارَقَةِ البُنيانِ
إذا طَهُرَتِ الحائِضُ أو النُّفَساءُ بعد أن نَفَرَتْ وقبل مفارقةِ بُنيانِ مكَّةَ؛ فإنَّه يلزَمُها الرُّجوعُ، أمَّا إذا تجاوزَتْ مكَّةَ فلا يلزَمُها الرُّجوعُ، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/51)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/377)، ويُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (2/464). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/255)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/116). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 39)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/ 406)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/489)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/366).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
1- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أُمِرَ النَّاسُ أن يكونَ آخِرُ عَهْدِهم بالبيتِ، إلَّا أنَّه خُفِّفَ عن الحائِضِ )) رواه البخاري (1755) واللفظ له، ومسلم (1328)
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((حاضَتْ صَفِيَّةُ بنتُ حُيَيٍّ بعد ما أفاضَتْ، قالت عائشةُ: فذَكَرْتُ حَيضَتَها لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أحابِسَتُنا هي؟ قالت: فقلْتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّها قد كانت أفاضَتْ وطافَتْ بالبيتِ، ثم حاضَتْ بعد الإفاضةِ. فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فلْتَنْفِرْ ))  أخرجه البخاري (4401)، ومسلم (1211) واللفظ له
ثانيًا: أنَّها إذا طهُرَتْ قبل مفارقةِ البُنيانِ، ترجِعُ وتغتَسِلُ وتودِّعُ؛ لأنَّها في حكمِ الإقامةِ، بدليلِ أنَّها لا تَستبيحُ الرُّخَصَ، أمَّا إن فارقَتِ البُنيانَ لم يجِبْ عليها الرُّجوعُ لِخُروجِها عن حُكْمِ الحاضِرِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/406).
المبحث الثالث: وقتُ طوافِ الوداعِ:
وقتُ طوافِ الوداعِ هو بعد فراغِ المرءِ مِنْ جميعِ أمورِه؛ ليكونَ آخِرَ عهدِه بالبيتِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالكيَّة ((مواهب الجليل)) لحطاب الرعيني (4/158)، ويُنظر: ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/687). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/116)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/509). ، والحَنابِلَة ((المغني)) لابن قُدامة (3/403).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا ينفرنَّ أحدٌ حتى يكون آخِرُ عهدِه بالبيتِ )) رواه مسلم (1327)
فرعٌ: حُكمُ الانشغالِ بعد طوافِ الوَداعِ
يُغتَفَرُ له أن يشتَغِلَ بعد طوافِ الوداعِ بأسبابِ السَّفَرِ، كشراءِ الزَّادِ، وحَمْلِ الأمتعةِ، أو انتظارِ رُفقةٍ ونحو ذلك، ولا يُعيده، وهذا مذهَبُ الجُمْهورِ: المالكيَّة ((مواهب الجليل)) لحطاب الرعيني (4/197)، ويُنظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/492). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/253)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/117). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/512)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/486).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
عن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((شَكَوتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي أشتكِي، قال: طوفِي مِن وراءِ النَّاسِ وأنت راكبةٌ، فطُفْتُ، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصلِّي إلى جَنْبِ البيتِ، يقرأُ بالطُّورِ وكتابٍ مسطورٍ )) رواه البخاري (464) واللفظ له، ومسلم (1276)
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلامُ صلَّى الفجرَ، وكان قد طاف للوداعِ قبل ذلك، ولم يكُنْ ذلك مُبطِلًا لوداعِه، فدلَّ أنَّ ما كان مثلَ ذلك لا يقطَعُ طوافَ الوداعِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/365).
ثانيًا: أنَّ ما كان مثلَ ذلك، ليس بإقامةٍ حتى يقطَعَ طوافَ الوداعِ ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/181).
المبحث الرابع: إجزاءُ طَوافِ الإفاضةِ عن طوافِ الوَداعِ، إذا كان عند الخروجِ
يُجْزِئُ طوافُ الإفاضةِ عن طوافِ الوداعِ، إذا جعَلَه الإنسانُ عند خروجِه، وهذا مذهَبُ المالكيَّة ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (2/53)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/283). ، والحَنابِلَة بِشَرْطِ أن ينويَ طوافَ الإفاضة. ((الإنصاف)) للمرداوي (4/38)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/592). ، ونُسِبَ إلى جُمهورِ الفُقهاءِ قال ابن رشد: (جمهورُ العلماءِ على أنَّ طوافَ الوداعِ يُجزِئُ عن طوافِ الإفاضةِ، إن لم يكن طاف طوافَ الإفاضةِ) ((بداية المجتهد)) (1/343). ، واختارَه ابنُ باز قال ابن باز في جوابِه عن حُكْمِ جَمْعِ طوافِ الإفاضة مع طوافِ الوداع: (لا حَرَجَ في ذلك؛ لو أنَّ إنسانًا أخَّرَ طوافَ الإفاضة، فلمَّا عَزَمَ على السفر طاف عند سَفَرِه بعد ما رمى الجِمارَ وانتهى من كل شيءٍ، فإنَّ طوافَ الإفاضة يُجزِئُه عن طواف الوداع) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/332). وابنُ عُثيمين قال ابن عُثيمين: (وطوافُ الإفاضةِ مُجزئٌ عن طوافِ الوداعِ، إذا جعله الإنسانُ عند خروجه) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عُثيمين)) (22/438).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ طَوافَ الوَداعِ ليس مقصودًا لِذَاتِه، بل ليكونَ آخِرَ عَهْدِه مِنَ البيتِ الطَّوافُ، وقد حصَلَ بطوافِ الإفاضةِ، فيكون مُجْزئًا عن طوافِ الوداعِ ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (2/53)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/369، 370).
ثانيًا: أنَّ ما شُرِعَ لتحيَّةِ المسجِدِ أجزأَ عنه الواجِبُ مِن جِنْسِه، كتحيَّةِ المسجِدِ بركعتينِ تُجْزِئُ عنهما المكتوبةُ ((المغني)) لابن قُدامة (3/404)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/283).

انظر أيضا: