الموسوعة الفقهية

المبحث الثامن: رَمْيُ الجِمارِ في اللَّيلِ


يجوزُ الرَّمْيُ ليلًا لِمَن لم يَرْمِ نهارًا، فيمتَدُّ وقتُ جوازِ رَمْيِ كلِّ يومٍ إلى فَجْرِ اليومِ التَّالي، وهذا مذهَبُ الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (2/35، 62)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/137). ، وهو وجهٌ للشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/239)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/107). ، واختاره ابنُ المُنْذِر ((المغني)) لابن قُدامة (3/382). ، والنوويُّ ((المجموع)) النووي (8/239). ، وابنُ بازٍ قال ابنُ باز: (لم يثبتْ دليلٌ على مَنْعِ الرمي ليلًا، والأصلُ جوازُه، والأفضلُ الرَّميُ نهارًا في يومِ العيدِ كُلِّه، وبعد الزَّوالِ في الأيامِ الثَّلاثة إذا تيسَّرَ ذلك، والرَّميُ في الليل إنما يصِحُّ عن اليومِ الذي غربت شمسُه، ولا يُجْزِئُ عن اليوم الذي بعده، فمَن فاتَه الرميُ نهارَ العيدِ رَمَى ليلةَ إحدى عشرةَ على آخِرِ اللَّيلِ، ومن فاته الرَّمْيُ قبل غروب الشَّمسِ في اليومِ الحاديَ عَشَرَ رمى بعد غروبِ الشَّمس في ليلةِ اليومِ الثَّاني عَشَر، ومن فاته الرَّمْيُ في اليوم الثَّاني عَشَر قبل غروبِ الشَّمس رمى بعد غروبِ الشَّمسِ في ليلة اليومِ الثَّالثَ عشَر، ومن فاته الرمي نهارًا في اليومِ الثَّالثَ عَشَر حتى غابت الشَّمسُ فاته الرَّمْيُ ووَجَبَ عليه دَمٌ؛ لأنَّ وَقْتَ الرَّمْيِ كُلَّه يخرجُ بغروبِ الشَّمس مِنَ اليوم الثَّالثَ عَشَرَ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/144). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (الذي أرى أنَّ القَولَ بأنَّه يمتَدُّ إلى الفَجْرِ؛ أقرَبُ إلى الصَّوابِ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/289- 291).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُسأَلُ يومَ النَّحرِ بمِنًى، فيقول: لا حَرَجَ، فسأله رجلٌ، فقال: حلَقْتُ قبل أن أذبَحَ؟ فقال: اذبَحْ، ولا حَرَجَ، وقال: رَمَيْتُ بعدما أمسَيْتُ؟ فقال: لا حَرَجَ )) رواه البخاري (1735) واللفظ له، ومسلم (1307).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
 أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صرَّحَ بأنَّ مَنْ رمى بعدما أمْسى فلا حَرَجَ عليه، واسْمُ المَساءِ يُطلَقُ لغةً على ما بعد وقْتِ الظُّهرِ إلى الليلِ، وخُصوصُ سَبَبِه بالنَّهار لا عِبرةَ به؛ لأنَّ العِبرةَ بعمومِ الألفاظِ لا بخصوصِ الأسبابِ، ولفظُ المساءِ عامٌّ لجزء مِنَ النَّهارِ، وجزءٍ مِنَ الليل قال ابنُ منظور: (المَساءُ بعد الظهر إِلى صلاة المغربِ، وقال بعضهم: إِلى نصفِ اللَّيل) ((لسان العرب)) لابن منظور (15/ 281). ويُنْظَر: ((المصباح المنير في غريب الشرح الكبير)) للفيومي (1/331) (2/574).. وينظر أيضًا: ((فتح الباري)) لابن حجر (3/569)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/282)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (5/32،33)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/285).
2- عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُسأَلُ أيَّامَ مِنًى؟ فيقول: لا حَرَجَ، فسأله رجُلٌ، فقال: حلَقْتُ قبل أن أذبَحَ؟ قال: لا حَرَجَ، فقال رجلٌ: رَمَيْتُ بعدما أمسيتُ؟ قال: لا حَرَجَ )) أخرجه النسائي (3067)، والطبري في ((مسند ابن عباس)) (1/216). صحح إسناده الطبري، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3067)
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَولَه في هذا الحديثِ الصحيحِ: (أيامَ مِنًى) بصيغة الجمعِ صادِقٌ بأكثَرَ من يومٍ واحدٍ، فهو صادِقٌ بحَسَب وضْعِ اللغة، ببعضِ أيَّامِ التَّشريق، والسؤالُ عن الرَّميِ بعد المساءِ فيها لا ينصرِفُ إلَّا إلى الليل، لأنَّ الرَّميَ فيها لا يكونُ إلَّا بعد الزوال، وهو معلومٌ، فلا يَسألُ عنه صحابيٌّ، فتعَيَّنَ أن يكونَ السُّؤالُ عن الرَّميِ في الليل ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/284)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (5/33).
ثانيًا: مِنَ الآثار
1- عن نافعٍ مولى ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ ابنةَ أخٍ لصَفِيَّةَ بنتِ أبي عُبيدٍ نَفِسَتْ بالمُزْدَلِفة، فتخَلَّفَتْ هي وصَفِيَّةُ حتى أتَتَا منى بعد أن غَرَبَتِ الشَّمسُ مِن يومِ النَّحرِ، فأمَرَهما عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ أنْ تَرْمِيَا الجَمْرةَ حينَ أَتَتَا، ولم يَرَ عليهما شيئًا)) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/600)
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أمَرَ زَوجَتَه صَفِيَّةَ بِنْتَ أبي عُبَيدٍ وابنةَ أخيها برميِ الجَمْرةِ بعد الغروبِ، ورأى أنَّه لا شيءَ عليهما في ذلك، وذلك يدلُّ على أنَّه عَلِمَ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّ الرميَ ليلًا جائِزٌ ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/285).
2- عنِ ابنِ جُرَيجٍ عن عمرٍو، قال: ((أخبَرَني مَن رأى بعضَ أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ترمي مغربان الشمس غَرَبَتِ الشَّمسُ أو لم تَغْرُب)) رواه ابنُ أبي شيبة في ((المصنف)) (15556).
ثالثًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقَّتَ أَوَّلَ الرميِ، وسَكَتَ عن آخِرِه، والأصلُ بقاءُ الوَقتِ، وليس هناك سُنَّةٌ تدُلُّ على أنَّه إذا غابَتِ الشَّمسُ انتهى وقتُ الرَّميِ، واللَّيلُ يُمكِنُ أن يكون تابعًا للنَّهارِ، كما في وقوفِ عَرَفة ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/229،285، 288).
رابعًا: أنَّه إذا رخَّصَ في رَمْيِها في اليومِ الثَّاني فالرَّمْيُ بالليلِ أَوْلَى ((مجلة البحوث الإسلامية)) (5/42).

انظر أيضا: