الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّامن: حُكم مسْحِ الأذنينِ مع الرَّأس بماءٍ واحدٍ


يُسَنُّ مسْحُ الأُذنينِ مع الرَّأس بماءٍ واحد، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/62-63)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/23). ، وروايةٌ عن أحمد ((الإنصاف)) للمرداوي (1/105). ، وهو قول الثوريِّ، ورُوي عن جماعةٍ مِن السَّلف قال ابن عبدِ البَرِّ: (وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوريُّ: الأذنانِ مِن الرَّأس؛ يُمسحانِ مع الرَّأس بماءٍ واحد، ورُوي عن جماعة من السَّلف من الصَّحابة والتَّابعين مِثلُ هذا القول). ((الاستذكار)) (1/199). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (ولا-أي: ولا يُسَنُّ- أخْذُه ماءً جديدًا للأُذنينِ، وهو أصحُّ الرِّوايتين عن أحمد، وهو قول أبي حنيفة، وغيره). ((الفتاوى الكبرى)) (5/303). وقال أيضًا: (الوضوء الثَّابت عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذي في الصَّحيحين وغيرهما من غير وجهٍ، ليس فيه أخْذُ ماءٍ جديدٍ للأُذنين). ((مجموع الفتاوى)) (1/279). ، وابن القيِّم قال ابن القيِّم: (كان يَمسح أُذنيه مع رأسِه، وكان يمسَحُ ظاهِرَهما وباطنهما، ولم يثبُتْ عنه أنَّه أخذ لهما ماءً جديدًا، وإنَّما صحَّ ذلك عن ابنِ عُمَر). ((زاد المعاد)) (1/194، 195). ، والصَّنعانيُّ قال الصنعانيُّ: (حديث البيهقيِّ هذا- يعني: حديث عبد الله بن زيد-: ((أنَّه رأى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأخُذ لأذنيه ماءً غيرَ الماء الذي أخذَه لرأسه))- هو دليلُ أحمد والشافعيِّ أنَّه يُؤخذ للأذنين ماءٌ جديد، وهو دليل ظاهر. وتلك الأحاديث التي سَلفت غايةُ ما فيها أنَّه لم يذكُرْ أحدٌ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخذ ماءً جديدًا، وعدمُ الذِّكر ليس دليلًا على عدمِ الفِعل، إلَّا أنَّ قول الرُّواة من الصَّحابة: ومسَح رأسه وأُذنيه مرَّة واحدة، ظاهِرٌ أنَّه بماء واحد. وحديثُ ((الأذنان من الرَّأس)) وإن كان في أسانيده مقالٌ، إلَّا أنَّ كثرة طُرُقه يشدُّ بعضُها بعضًا، ويشهَدُ لها أحاديثُ مَسحِهما مع الرأسِ مرةً واحدة، وهي أحاديثُ كثيرةٌ عن عليٍّ، وابن عبَّاس، والربيع، وعثمان، كلُّهم متَّفقون على أنَّه مسحَهما مع الرَّأس مرَّةً واحدة؛ أي: بماءٍ واحد، كما هو ظاهر لفظ: ((مرَّة))؛ إذ لو كان يُؤخَذُ للأذنين ماء جديد ما صَدق أنَّه مسح رأسَه وأذنيه مرَّةً واحدة، وإن احتمل أنَّ المرادَ أنَّه لم يكرِّرْ مَسحَهما، وأنَّه أخذ لهما ماءً جديدًا فهو احتمالٌ بعيد، وتأويلُ حديث: إنَّه أخذ لهما ماءً خلافُ الذي مسَحَ به رأسَه، أقربُ ما يقالُ فيه: إنهَّ لم يبقَ في يده بلَّةٌ تكفي لمسح الأُذنين، فأخذ لهما ماءً جديدًا). ((سبل السلام)) (1/49). ، وابن باز قال ابن باز: (الصَّواب: أن يمسَحَ رأسه وأُذنيه بماءٍ جديدٍ، ولا يأخذ لأذنيه ماءً جديدًا). ((اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية)) (1/146). ، والألبانيُّ قال الألبانيُّ: (الأحاديثُ التي ورد فيها مسْح الرَّأس والأُذنين لم يذكرْ أحدٌ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخذ ماءً جديدًا، ولو أنَّه فعل ذلك لنُقِلَ، ويقوِّيه ظاهِرُ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الأُذنانِ مِن الرَّأس )).). ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (2/424). ، وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (الصَّواب: أنَّه لا يُسنُّ أن يأخذ ماءً جديدًا للأُذنينِ). ((الشرح الممتع)) (1/178). وقال أيضًا: (لا يلزم أخْذُ ماءٍ جديدٍ للأُذنين، بل ولا يُستحبُّ على القول الصَّحيح؛ لأنَّ جميعَ الواصفينَ لوضوء النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لم يَذكروا أنَّه كان يأخذ ماءً جديدًا لأذنيه، فالأفضَلُ أن يمسَح أُذنيه ببقيَّة البَللِ الذي بقي بعد مسْح رأسه). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/141).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((رأيتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم توضَّأَ، وفيه: وغَرَف غَرفةً فمسَحَ رأسَه وباطِنَ أذُنَيه وظاهِرَهما، وأدخَلَ أُصبُعَيه فيهما )) رواه الترمذي (36)، والنسائي (102)، وابن ماجه (439)، وابن خزيمة (148) واللفظ له. قال الترمذي: حسن صحيح. وصحَّحه ابن منده كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (1/132)، وقال الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (439): حسن صحيح، وحسَّنه الوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (640).
وجه الدَّلالة:
أنَّ جميعَ مَن وصَفَ وُضوءَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يذكرُوا أنَّه أخَذ ماءً جديدًا للأُذُنَينِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/178).
ثانيًا: من الآثار
عن عبدِ الله بن عمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (الأُذنانِ مِن الرَّأس ) رواه عبد الرزَّاق في ((المصنف)) (24)، والدارقطني (1/98). قال الدارقطني: والصواب عن ابن عُمرَ من قوله. وصحَّحَ عبد الحق الإشبيليُّ في ((الأحكام الشرعية الكبرى)) (1/468) بعضَ طُرُقه موقوفًا على ابنِ عُمر.
وجه الدَّلالة:
الأُذنان ليسَا عُضوينِ مستقلَّينِ؛ لذا فإنَّهما يُمسحانِ مع الرَّأس مرَّةً واحدةً ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/179).

انظر أيضا: