الموسوعة الفقهية

المبحث السابع: النيــَّــةُ في الصـَّــومِ 


المطلب الأول: حُكمُ النيَّةِ في الصَّومِ
لا يصحُّ الصَّومُ بدون نيَّةٍ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/118)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/304)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/152-153). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/336). ، والشَّافعيَّة ((المجموع )) للنووي (6/300). ، والحَنابِلة ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (2/17)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/109)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/22). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ قدامة: (وجملَتُه أنَّه لا يصِحُّ صَومٌ إلا بنيَّةٍ؛ إجماعًا- فرضًا كان أو تطوُّعًا) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 109).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: منَ السُّنَّة
عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرئٍ ما نوى )) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).
ثانيًا: لأنَّ الصَّومَ عبادةٌ مَحضةٌ، فافتقر إلى النيَّةِ، كالصَّلاةِ وغيرها ((المغني)) لابن قدامة (3/ 115).
ثالثًا: ولأنَّ الصَّومَ هو الإمساكُ لغةً وشَرعًا، ولا يتميَّزُ الشَّرعيُّ عن اللُّغَويِّ إلَّا بالنيَّةِ، فوجَبَت للتَّمييزِ ((المجموع)) للنووي (6/301).
 
المطلب الثاني: وقتُ النيَّةِ في الصَّومِ
الفرع الأول: وقتُ النيَّةِ في صَومِ الفَرضِ
المسألة الأولى: حكمُ تَبييتِ النيَّةِ
يجِبُ تبييتُ النيَّةِ مِنَ الليلِ قبل طُلوعِ الفَجرِ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة قال ابنُ عبد البر: (ولا يجوز صومُ شهر رمضان إلا بأن يُبَيَّت له الصَّومُ ما بين غروب الشَّمس إلى طلوعِ الفَجرِ بنيَّةٍ) ((الكافي)) (1/335). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/299). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/208). ، وهو قولُ طائفةٍ مِن السَّلَف قال الشوكاني: (والحديثُ فيه دليلٌ على وجوبِ تَبييتِ النيَّةِ وإيقاعها في جزءٍ مِن أجزاءِ الليلِ، وقد ذهب إلى ذلك ابنُ عمر وجابر بن يزيد من الصحابة... ومالك والليث وابن أبي ذئب) ((نيل الأوطار)) (4/232).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
قولُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ, وإنَّما لكُلِّ امرئٍ ما نوى )) رواه البخاري (1)، واللفظ له، ومسلم (1907).
وجه الدلالة:
أنَّ الصَّومَ عَملٌ، والأعمالُ بالنيَّاتِ، وأجزاءُ النَّهارِ غيرُ مُنفصلةٍ مِن اللَّيلِ بفاصِلٍ يتحَقَّقُ، فلا يتحقَّقُ إلَّا إذا كانت النيَّةُ واقعةً في جزءٍ مِن الليَّل(ِ ((سبل السلام)) للصنعاني (1/561).
ثانيًا: من الآثار
عن حفصَةَ رَضِيَ الله عنها زَوْجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالت: (لا صِيامَ لِمَن لم يُجمِعْ قبلَ الفجرِ ) أخرجه النسائي (2336)، وابن أبي شيبة في المصنف (9112)، والبخاري في ((التاريخ الأوسط)) (572)، والدارقطني في ((السنن)) (2217) صححه ابن حزم في ((الإعراب عن الحيرة والالتباس)) (3/952)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (2335).
المسألة الثانية: حُكمُ تجديدِ النِّيَّةِ في كلِّ يومٍ مِنْ رَمَضانَ
اختلف أهلُ العِلمِ في اشتراطِ تَجديدِ النِّيَّةِ في كلِّ يومٍ مِن رَمَضانَ على قولينِ:
القول الأول: يُشتَرَط تجديدُ النِّيَّةِ لكلِّ يومٍ من رَمَضانَ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (2/403)، ((المبسوط)) للسرخسي (3/66). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/302). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/209)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/109). قال النووي: (وبه قال أبو حنيفة وإسحاق بن راهويه وداود وابن المنذر والجمهور) ((المجموع)) (6/302).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عمومُ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ, وإنَّما لكُلِّ امرئٍ ما نوى )) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).
وجه الدلالة:
أنَّ النيَّةَ يجِبُ تجديدُها لكُلِّ يومٍ؛ لأنَّه عبادةٌ مُستقلَّةٌ مُسقِطةٌ لِفَرضِ وقْتِها ((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/233).
ثانيًا: من الآثار
عن حفصةَ رَضِيَ اللهُ عنها زَوْجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالت: (لا صِيامَ لِمَن لم يُجمِعْ قبلَ الفجرِ ) أخرجه النسائي (2336)، وابن أبي شيبة في المصنف (9112)، والبخاري في ((التاريخ الأوسط)) (572)، والدارقطني في ((السنن)) (2217) صححه ابن حزم في ((الإعراب عن الحيرة والالتباس)) (3/952)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (2335)، و قال ابن عبد الهادي في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (2/279): صحيح وقفه وروي موقوفًا على ابن عمر: أخرجه مالك (1008 - الأعظمي)، والنسائي (2343 )، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (7910) صححه الألباني في  ((صحيح النسائي)) (2342)
 ثالثًا: القياسُ على أنَّ شَهرَ رَمضانَ كصَلواتِ اليومِ واللَّيلةِ يَحولُ بين كلِّ صَلاتينِ ما ليس صلاةً، فلا بُدَّ لكلِّ صلاةٍ مِن نيَّةٍ؛ فكذلك لا بدَّ لكُلِّ يَومٍ في صَومِه مِن نِيَّةٍ ((المحلى)) لابن حزم (4/ 290).
القول الثاني: أَنَّ ما يُشتَرَط فيه التتابُعُ تكفي النِّيَّةُ في أوَّلِه، فإذا انقطَعَ التَّتابُعُ لعُذرٍ يُبيحُه، ثم عاد إلى الصَّومِ؛ فإنَّ عليه أن يجَدِّدَ النِّيَّة، وهو مذهَبُ المالكِيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/521). ، وقولُ زُفَرَ مِن الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/56). ، واختاره ابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) (6/356).
وذلك لأنَّ الصَّومَ المُتتابِعَ كالعبادةِ الواحدةِ، من حيثُ ارتباطُ بَعضِها ببعضٍ، وعَدَمُ جَوازِ التفريقِ بينها (( الشرح الكبير))) للدردير (1/521). ؛ ولذا تكفي النيَّةُ الواحدةُ، كما أنَّ النيَّةَ إذا لم تقَعْ في كلِّ ليلةٍ حقيقةً، فهي واقعةٌ حكمًا؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ قَطعِ النِّيَّةِ (( الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/356).
الفرع الثاني: وقتُ النيَّةِ في صومِ النَّفلِ
المسألة الأولى: حُكمُ تبييتِ النِّيَّةِ مِنَ اللَّيلِ في صيامِ التطَوُّعِ
لا يُشتَرَطُ في صيامِ التطَوُّعِ تَبييتُ النِّيَّةِ مِنَ اللَّيلِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/313). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/302). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/211)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/113).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عمومُ حديث عائشةَ أمِّ المؤمنينَ رَضِيَ الله عنها، حيث قالت: ((دخل عليَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يومٍ فقال: هل عِندكم شيءٌ؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذًا صائِمٌ )) رواه مسلم (1154).
ثانيًا: من الآثار
ما جاءَ عَنِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهم- ومنهم أبو الدَّرداء- فعن أمِّ الدرداء قالت: ((كان أبو الدَّرداءِ يقول: عندكم طعامٌ؟ فإن قُلْنا: لا، قال: فإنِّي صائمٌ يومي هذا)) رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (1924)، ووصله البيهقي (4/204) (8173). وانظر: ((تغليق التعليق)) لابن حجر (3/144- 145). وفعله أبو طلحةَ، وأبو هُريرةَ، وابنُ عبَّاسٍ، وحذيفةُ، رَضِي الله تعالى عنهم رواها عنهم البخاري بصيغة التعليق قبل حديث (1924)، ووصلها البيهقي (4/204) (8171) (8172) (8173) (8174)، وعبدالرزاق (4/273) (7778)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/56). وانظر: ((تغليق التعليق لابن حجر)) (3/145- 147).
المسألة الثانية: وقتُ النِّيَّة مِنَ النَّهارِ في صيامِ التطَوُّعِ
يجوزُ لِمَن أراد الصِّيامَ أن ينوِيَ صيامَ التطَوُّعِ أثناءَ النَّهارِ، سواءٌ قبل الزَّوالِ أو بَعدَه، إذا لم يتناوَلْ شيئًا من المُفَطِّراتِ بعد الفَجرِ، وهذا مذهَبُ الحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/211)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/114). ، وقولٌ عند الشَّافِعيَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/406)، ((المجموع)) للنووي (6/292). ، وقولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (وهو قَولُ الثوريِّ وإبراهيمَ والحسَنِ بنِ صالحٍ) ((الاستذكار)) (10/35). واختاره ابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيمية: (والأظهرُ صِحَّتُه- أي الصَّوم بنيَّةِ التطوُّعِ بعد الزَّوالِ- كما نقل عن الصحابة) ((مجموع الفتاوى)) (25/120). ، وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/358 - 359)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/185 - 186).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: منَ السُّنَّة
عمومُ ما جاء عن أمِّ المؤمنينَ عائشةَ رَضِيَ الله عنها، حيث قالت: ((دخَل عليَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يَومٍ، فقال: هل عندكم شيءٌ؟ فقلنا: لا، قال: فإنِّي إذًا صائِمٌ )) رواه مسلم (1154).
ثانيًا: لأنَّه لَمَّا كان الليلُ محلًّا للنيَّةِ في صَومِ الفريضةِ، واستوى حُكمُ جَميعِه، ثم كان النَّهارُ محلًّا للنيَّة في صَومِ التطوُّعِ؛ وجب أن يستوِيَ حُكمُ جَميعِه ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/874).
ثالثًا: أنَّ النيَّةَ وُجِدَت في جزءٍ مِنَ النَّهارِ، فأشبه ما لو وُجِدَتْ قبل الزَّوالِ بلحظةٍ ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (29/20).
المسألة الثالثة: ثوابُ مَن أنشأَ نِيَّةَ الصَّومِ أثناءَ النَّهارِ
مَن أنشأَ نِيَّةَ الصَّومِ أثناءَ النَّهارِ؛ فإنَّه يُكتَبُ له ثوابُ ما صامَه، من حينِ نوى الصِّيامَ فحَسْبُ، وهذا مذهَبُ الحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/211). ، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّةَ ((كتاب الصيام من شرح العمدة)) لابن تيمية (1/193 - 194). ، وابنِ باز قال ابنُ باز: (... يجوز له أن يصومَ مِن أثناءِ النَّهارِ، إذا كان لم يتعاطَ شيئًا مِن المفَطِّراتِ بعد طلوعِ الفَجرِ، ويُكتَبُ له أجرُ الصَّائِم مِن حينِ نِيَّتِه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/288). ، وابن عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/360)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/185 - 186).
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عمومُ حَديثِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرئٍ ما نوى )) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).
وجه الدلالة:
أنَّ الإمساكَ كان في أوَّلِ النَّهارِ بِغَيرِ نِيَّةٍ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فكيف يُثابُ على إمساكٍ لم يقصِدْه ولم يَنْوِه؟ وإنَّما يُثابُ فيما ابتغى به وَجهَ اللهِ تعالى (( الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/360).
المطلب الثالث: الجَزمُ في نيَّةِ الصَّومِ
الفرع الأول: حُكمُ صَومِ المُتَرَدِّدِ في نيَّةِ الصَّومِ الواجِبِ
مَن تردَّدَ في نيَّةِ الصَّومِ الواجِبِ، هل يصومُ غدًا أو لا يصومُ، واستمَرَّ هذا التردُّدُ إلى الغَدِ، ثم صامه؛ فصَومُه غيرُ صحيحٍ، وعليه قضاءُ هذا اليومِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/520). ، والشَّافِعيَّة قال النووي: (لو عَقَّبَ النيَّةَ بقوله: إن شاء اللهُ، بقلْبِه أو بلسانِه، فإن قصَدَ التبرُّكَ أو وقوعَ الصَّومِ وبقاءَ الحياةِ إلى تمامِه بمشيئةِ الله تعالى لم يَضُرَّه، وإن قصَدَ تعليقَه والشَّكَّ لم يصِحَّ صَومُه، هذا هو المذهَبُ، وبه قطَعَ المُحَقِّقونَ) ((المجموع)) (6/298)، ويُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/425). ، والحَنابِلة قال الحجَّاوي: (ومن قال أنا صائم غدًا إن شاء الله: فإن قصَدَ بالمشيئةِ الشَّكَّ والتردُّدَ في العَزمِ والقصد، فسَدَتْ نيَّتُه وإلَّا لم تفسُدْ؛ إذ قَصْدُه أنَّ فِعلَه للصَّومِ بمشيئةِ اللهِ وتَوفيقِه وتيسيرِه) ((الإقناع)) للحجاوي (1/309). ، وهو قولُ بَعضِ الحَنَفيَّة قال الزيلعي: (وفي جوامِعِ الفِقهِ إذا قال: نويتُ أن أصومَ غدًا إن شاء الله تعالى؛ صَحَّت نيتُه؛ لأنَّ النيَّةَ عَمَلُ القلب دون اللِّسانِ، فلا يَعمَل فيه الاستثناءُ، وفي الذخيرة ذكَرَ شمس الأئمة الحلواني أنَّه لا رواية لهذه المسألة، وفيها قياسٌ واستحسانٌ؛ القياس: أن لا يصيرَ صائمًا، كالطَّلاق والعِتاقِ والبيع، وفي الاستحسان: يصيرُ صائمًا؛ لأنَّه لا يرادُ الإبطالُ بل هو للاستعانةِ، وطلبًا للتَّوفيقِ) ((تبيين الحقائق)) (1/316).
وذلك لأنَّ هذا مخالِفٌ لشَرطٍ مِن شُروطِ صِحَّةِ الصَّومِ وهو النيَّةُ، التي هي عَقدُ القَلبِ على فِعلِ الشَّيءِ، والتردُّدُ ينافي ذلك، ومتى اختَلَّ هذا الشَّرطُ فسد الصَّومُ، ووجب القَضاءُ (( الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/358).
الفرع الثاني: حُكمُ من عَلَّقَ الصَّومَ، فقال مثلًا: إن كان غدًا رَمَضانُ فهو فَرْضِي، أو سأصومُ الفَرضَ
إذا عقَد الإنسانُ النيَّةَ على أنَّه إن كان غدًا رَمَضانُ فهو فَرْضِي، أو سأصومُ الفَرْضَ، فتَبَيَّنَ أنَّه رَمَضانُ؛ فصَومُه صَحيحٌ، وهو روايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (3/113). ، وإليه ذهب ابنُ تيميَّة قال المرداوي: (واختار هذه الرِّواية- أي: يُجزيه إن نوى: إن كان غدًا مِن رمضان فهو فرضي، وإلا فهو نَفلٌ- الشيخ تقي الدين) ((الإنصاف)) (3/209). ، وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/361 - 363)، وانظر ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/186).
وذلك لأنَّ هذا التردُّدَ مَبنيٌّ على التردُّدِ في ثبوتِ الشَّهرِ، لا على التردُّدِ في النيَّةِ، وهل يصومُ أو لا يصومُ؛ فهو هاهنا قد عَلَّقَ الصَّومَ على ثُبوتِ الشَّهرِ، فلو لم يَثبُتِ الشَّهرُ لم يصُمْ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/362).
المطلب الرابع: استمرارُ النيَّةِ
الفرع الأول: حُكمُ صَومِ مَن نوى في يومٍ مِن رَمَضانَ قطْعَ صَومِه
مَن نوى في يومٍ مِن رَمَضانَ قطْعَ صومِه؛ فإنَّ صَومَه ينقَطِعُ، ولا يصِحُّ منه، وعليه القَضاءُ وإمساكُ بقِيَّةِ اليومِ، إن كان ممَّنْ لا يباحُ لهم الفِطرٌ، فإن كان ممَّن يُباحُ لهم الفِطرُ، كالمريضِ والمسافِرِ؛ فعليه القضاءُ فقط، وهو مذهَبُ المالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/434). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/210)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/316)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/133). ، ووجه عند الشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/297). ، واختاره ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (ومن نوى وهو صائمٌ إبطالَ صَومِه، بطَلَ إذا تعمَّدَ ذلك ذاكرًا؛ لأنَّه في صومٍ وإن لم يأكُلْ ولا شَرِبَ، ولا وَطِئَ) ((المحلى)) (6/175). ، وابن عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (ومن نوى الإفطارَ أفطَرَ، والدليلُ قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ)) فما دام ناويًا الصَّومَ فهو صائم، وإذا نوى الإفطارَ أفطَرَ، ولأنَّ الصَّومَ نيَّةٌ، وليس شيئًا يُفعَلُ، كما لو نوى قطْعَ الصَّلاةِ، فإنَّها تنقطِعُ الصَّلاةُ)((الشرح الممتع)) (6/363).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ)) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).
وجه الدلالة:
أنَّه ما دام ناويًا للصِّيامِ، فهو صائِمٌ، وإذا نوى الإفطارَ أفطَرَ، فالصَّومُ عِبارةٌ عن نيَّةٍ، فإذا نوى قَطْعَها انقطَعَت، كالصَّلاةِ إذا نوى قَطْعَها، فإنَّها تنقطِعُ ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)) لابن عُثيمين (6/363).
ثانيًا: لأنَّ الأصلَ اعتبارُ النيَّةِ في جميعِ أجزاءِ العبادةِ حقيقةً وحُكمًا، ولكِنْ لَمَّا شقَّ اعتبارُ النيَّةِ حقيقةً وحُكمًا، اعتُبِرَ بقاءُ حُكمِها، وهو ألَّا ينوِيَ قَطْعَها، فإذا نواه زالتْ النيَّةُ حقيقةً وحُكمًا ((المغني)) لابن قدامة (3/ 133). ؛ لأنَّ نيَّةَ الإفطارِ ضِدُّ نيَّةِ الصَّومِ.
الفرع الثاني: حُكمُ صومِ مَن تردَّدَ في قَطعِ نِيَّةِ الصَّومِ
من تردَّدَ في قطْعِ نِيَّةِ الصَّومِ؛ فإنَّ صَومَه لا يبطُلُ ما دام لم يَجزِمْ بقَطعِها، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/282). الحنفيَّةُ يَرَونَ أنَّ الصَّائِمَ لو نوى الفِطرَ ولم يُحدِثْ شيئًا آخَرَ سوى النيَّةِ، فصَومُه تامٌّ. ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/297). ، وقول للحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/211). ، وهو اختيار ابن عثيمين قال ابن عثيمين: (وأمَّا إذا لم يعزِمْ ولكن تردَّدَ، فموضِعُ خلافٍ بين العُلماءِ: منهم من قال: إنَّ صَومَه يَبطُلُ؛ لأنَّ التردُّدَ ينافي العَزمَ. ومنهم من قال: إنَّه لا يَبطُلُ؛ لأنَّ الأصلَ بقاءُ النيَّةِ حتى يعزِمَ على قَطْعِها وإزالَتِها، وهذا هو الرَّاجِحُ عندي؛ لِقُوَّتِه) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/188).
وذلك لأنَّ الأصلَ بقاءُ النيَّةِ حتى يعزِمَ على قَطعِها وإزالَتِها (( مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/188).

انظر أيضا: