الموسوعة الفقهية

المبحث الرابع: آخِرُ وقت زكاة الفطر


اختلف أهلُ العِلم في آخِرِ وقت زكاة الفطر على أقوال؛ أقواها قولان:
القول الأوّل: آخِرُ وقتِ زكاةِ الفِطرِ الذي يحرُمُ تأخيرُها عنه هو غروبُ شَمسِ يَومِ عِيدِ الفِطرِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (1/508)، ويُنظر: ((الشرح الصغير)) للدردير و((حاشية الصاوي)) (1/678). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/126)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/402). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/252)، ويُنظر: ((العدة شرح العمدة)) للمقدسي (ص: 152).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كنَّا نُخرِجُ في عهدِ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يومَ الفِطرِ صاعًا من طعامٍ.... )) رواه البخاري (1510) واللفظ له، ومسلم (985).
وجه الدَّلالة:
أنَّ ظاهِرَ قَولِه: (يومَ الفِطرِ) صحَّةُ الإخراجِ في اليوم كلِّه؛ لصِدقِ اليَومِ على جميعِ النَّهارِ ((فتح الباري)) لابن حجر (3/375).
2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((فرَض رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ؛ طُهرةً للصَّائِمِ مِنَ اللَّغو والرَّفَث، وطُعمةً للمساكينِ؛ مَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ فهي زكاة مقبولة، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدَقاتِ )) [2154] - رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، والدارقطني (2/138)، والحاكم (1/568) قال الدارقطني عن رواته: ليس فيهم مَجروحٌ، وحسَّن إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (6/126)، وصحَّحه ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (10/636)، وابنُ باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (15/271). و الألباني في ((صحيح الجامع)) (3570).
وجه الدَّلالة:
أنَّ تكريرَ قَولِه: (مَن أدَّاها) مرَّتين، واتِّحادَ مَرجِعِ الضَّميرِ في المرَّتين؛ يفيدُ أنَّ الصدقةَ المؤدَّاة قبل الصَّلاةِ وبعد الصَّلاة هي صدقةُ الفِطرِ، لكِنْ نَقَصَ ثوابُها فصارتْ كغَيرِها من الصَّدَقاتِ قال الكمال ابن الهمام: (ربَّما يُؤخَذُ سُقوطُها ببادئِ الرَّأي من حديثِ ابنِ عبَّاس المتقدِّم أوَّلَ البابِ حديث قال: ((مَن أدَّاها قبل الصَّلاة فهي صدقةٌ مقبولة، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدقاتِ))، لكن قد يُدفعُ باتِّحادِ مَرجِعِ ضَميرِ (أدَّاها) في المرَّتين؛ إذ يُفيدُ أنَّها هي المؤدَّاة بعد الصَّلاة، غيرَ أنَّه نقَصَ الثَّوابُ، فصارتْ كغَيرِها من الصَّدَقاتِ، على أنَّ اعتبارَ ظاهِرِه يؤدِّي إلى سُقوطِها بعد الصَّلاةِ، وإنْ كان في باقي اليومِ). ((فتح القدير)) (2/300).
ثانيًا: أنَّ المقصودَ منها الإغناءُ عن الطَّوافِ والطَّلَبِ في هذا اليوم، وهذا يتحقَّقُ بالإخراجِ في اليومِ، ولو بعد صلاةِ العِيدِ ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطَّال (3/566)، ((المغني)) لابن قدامة (3/88).
القول الثاني: أنَّ آخِرَ وَقتِ زكاةِ الفِطرِ هو صلاةُ العِيدِ، ويحرُمُ تأخيرُها إلى ما بعدَ صلاةِ العيدِ، فإنْ أخَّرها لم تقَعْ زكاةَ فِطرٍ، وإنَّما له أجْرُ تصدُّقِه، وهو مذهَبُ الظَّاهِريَّة قال النوويُّ: (قال داود: لا يجوزُ تقديمُها قبلَ فَجرِ يَومِ العِيدِ، ولا تأخيرُها إلى أن يصلِّي الإمامُ العيدَ). ((المجموع)) (6/142). وكذا قال ابنُ حزم، إلَّا أنَّه اعتبَرَ أنَّ نهايةَ الوَقتِ تكونُ بحلِّ صلاةِ عِيدِ الفطر، وهو أنْ تبيَّضَ الشَّمسُ؛ يقول في ذلك: (وقتُ زكاةِ الفِطرِ الذي لا تجِبُ قبله, إنَّما تَجِبُ بدخولِه, ثم لا تجِبُ بِخُروجِه: فهو إثرَ طُلوعِ الفَجرِ الثاني من يوم الفِطرِ, ممتدًّا إلى أن تبيَّضَ الشَّمسُ وتحلُّ الصلاةُ من ذلك اليوم نفْسِه; فمَن مات قبل طُلوعِ الفَجرِ من اليومِ المذكور، فليس عليه زكاةُ الفِطرِ, ومَن وُلِدَ حين ابيِضاضِ الشَّمسِ مِن يومِ الفِطرِ فما بعد ذلك، أو أسلَمَ كذلك: فليس عليه زكاةُ الفِطرِ, ومَن مات بين هذينِ الوَقتينِ أو وُلِدَ أو أسلَمَ أو تمادتْ حياتُه، وهو مُسلِمٌ: فعليه زكاةُ الفِطرِ). ((المحلى)) (6/142 رقم 718). ، واختارَه ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (إن أخَّرَها بعد صلاة العيدِ، فهي قضاءٌ؛ لخبَرِ ابنِ عَبَّاسٍ ((فمَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ، فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ، فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدقاتِ)) ) ((حاشية الروض المربع)) (3/282). وقال ابنُ القيِّم بعدما صوَّب هذا القَولَ: (كان شيخُنا يقوِّي ذلك وينصُرُه). ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) (2/21، 22). ، وابنُ القيِّم قال ابنُ القيِّم: (كان مِن هدْيِه صلَّى الله عليه وسلَّم إخراجُ هذه الصَّدقةِ قَبلَ صَلاةِ العيدِ، وفى السُّننِ عنه: أنَّه قال: ((من أدَّاها قبل الصَّلاة، فهي زكاةٌ مَقبولةٌ، ومن أدَّاها بعد الصَّلاةِ فهي صَدَقةٌ منَ الصَّدقاتِ))، وفي ((الصحيحين))، عن ابنِ عُمَرَ، قال: ((أمَر رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بزكاةِ الفِطرِ أن تؤدَّى قبل خُروجِ النَّاسِ إلى الصَّلاة))، ومقتضى هذينِ الحديثين: أنَّه لا يجوزُ تأخيرُها عن صلاةِ العيدِ، وأنَّها تفوتُ بالفراغِ مِنَ الصَّلاة، وهذا هو الصَّواب؛ فإنَّه لا مُعارِضَ لهذينِ الحَديثينِ ولا ناسِخَ، ولا إجماعَ يدفَعُ القَولَ بهما، وكان شيخُنا يقوِّي ذلك وينصُرُه، ونظيرُه ترتيبُ الأضحيَّةِ على صلاةِ الإمام، لا على وَقتِها، وأنَّ مَن ذبحَ قبل صلاةِ الإمامِ، لم تكن ذبيحَتُه أضحيَّةً، بل شاةَ لحمٍ. وهذا أيضًا هو الصَّوابُ في المسألةِ الأخرى، وهذا هدْيُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الموضِعَينِ). ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) (2/21، 22). ، والصنعانيُّ قال الصَّنعانيُّ: (قوله: (وأمَرَ بها أن تُؤدَّى قبل خُروجِ النَّاسِ إلى الصَّلاةِ )، يدلُّ على أنَّ المبادرةَ بها هي المأمورُ بها، فلو أخَّرَها عن الصَّلاةِ أثِمَ، وخرجت عن كَونِها صدقةَ فِطرٍ وصارتْ صدقةً مِنَ الصَّدقاتِ). ((سبل السلام)) (2/138). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (حديث ابن عباس قال: (فرَض رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرةِ؛ طُهرةً للصَّائِمِ مِنَ اللَّغو والرَّفثِ، وطُعمةً للمساكينِ؛ فمَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ فهي زكاةٌ مَقبولةٌ، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدقات)... يدلُّ على أنَّها لا تكونُ بعد الصَّلاةِ زكاةَ فطرٍ، بل صدقةٌ مِن صَدَقاتِ التطوُّعِ). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 266). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: ((والواجِبُ أيضًا إخراجُها قبل صلاةِ العِيدِ، ولا يجوزُ تأخيرُها إلى ما بعدَ صلاةِ العِيدِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/201). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: ((والصَّحيحُ: أنَّ إخراجَها في هذا الوَقتِ- أي يومَ العيدِ بعد الصَّلاة- محرَّمٌ، وأنَّها لا تُجزِئُ، والدَّليلُ على ذلك حديثُ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أمر أن تُؤدَّى قبل خروجِ النَّاسِ للصَّلاةِ)). فإذا أخَّرها حتى يخرُجَ النَّاسُ مِنَ الصَّلاة، فقد عمِل عملًا ليس عليه أمرُ اللهِ ورسولِه، فهو مردودٌ؛ لقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا، فهو رَدٌّ)). بل إنَّ حديثَ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما صريحٌ في هذا؛ حيث قال فيه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ فهي زكاةٌ مَقبولةٌ، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ، فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدقاتِ)) وهذا نصٌّ في أنَّها لا تُجزِئُ، وإذا كانت لا تُجزِئُ فإنَّ الإنسانَ يكون قد ترَك فرضًا عليه بالنَّصِّ، وهو ((فرضَ رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ)) فيكون بذلك آثمًا، ولا تُقبَلُ على أنَّها زكاةُ فِطرٍ). ((الشرح الممتع)) (6/172).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((فرضَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ؛ طُهرةً للصَّائِمِ من اللَّغو والرَّفَثِ، وطُعمةً للمساكينِ؛ مَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ، فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ، فهي صَدَقةٌ مِنَ الصَّدقاتِ)) [2164] - رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، والدارقطني (2/138)، والحاكم (1/568) قال الدارقطني عن رواته: ليس فيهم مَجروحٌ، وحسَّن إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (6/126)، وصحَّحه ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (10/636)، وابنُ باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (15/271). و الألباني في ((صحيح الجامع)) (3570).
2- عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((أمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بزكاةِ الفِطرِ أن تؤدَّى قبل خُروجِ النَّاسِ إلى الصَّلاةِ )) رواه البخاري (1503)، ومسلم (986)
3- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن عمِل عملًا ليس عليه أمرُنا، فهو رَدٌّ )) رواه مسلم (1718).
وجه الدَّلالة:
أنَّه إذا أخَّرها حتى يخرُجَ النَّاسُ مِنَ الصَّلاةِ، فقد عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُ اللهِ ورسولُه؛ فهو مردودٌ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/172).
ثانيًا: أنَّ كلَّ عبادةٍ مؤقَّتة إذا تعمَّد الإنسانُ إخراجَها عن وَقتِها لم تُقبَلْ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/174).
ثالثا: القِياسُ على مَن ذَبَحَ أضحِيَّتَه قبل صلاةِ الإمامِ؛ فإنَّها لا تكونُ ذبيحةَ أضحيَّةٍ، بل شاة لحمٍ ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/21، 22).

انظر أيضا: