الموسوعة الفقهية

المبحث الثالث: زكاة الفِطر عن أهل بيته


المطلب الأوَّل: حُكمُ دَفعِ الأبِ لزكاةِ الفِطرِ عن أولادِه الصِّغار
تجِبُ زكاةُ الفِطرِ على الأبِ عن أولادِه الصِّغارِ الذين لا أموالَ لهم، إذا أمكنه ذلك.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله تعالى عنهما قال: ((فرَض رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفطرِ صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شَعيرٍ، على العبدِ والحرِّ، والذَّكَرِ والأنثى، والصَّغيرِ والكَبيرِ مِنَ المسلمينَ، وأمَر بها أن تؤدَّى قبل خُروجِ النَّاسِ إلى الصَّلاة)) وفي لفظٍ آخَرَ: ((فرَض رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم صدقةَ الفِطرِ صاعًا من شَعيرٍ، أو صاعًا من تَمرٍ، على الصَّغيرِ والكبيرِ، والحرِّ والمَملوكِ )) رواه البخاري (1503)، ومسلم (984، 986) واللفظ الآخر: رواه البخاري (1512)، ومسلم (984)
ثانيًا: من الآثار
عن نافعٍ قال: (كان ابنُ عُمَرَ يُعطي عن الصَّغيرِ والكَبيرِ، حتى إنْ كان يُعطي عن بَنِيَّ) رواه البخاري (1511)
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِرِ: (أجمعوا على أنَّ صَدَقةَ الفِطرِ تَجِبُ على المرءِ، إذا أمكنه أداؤها عن نفْسِه، وأولادِه الأطفالِ الذين لا أموالَ لهم). ((الإجماع)) لابن المُنْذِر (ص: 47). ، وابنُ عَبدِ البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (قد أجمعوا أنَّ عليه أن يؤدِّيَ عن ابنِه الصَّغيرِ إذا لَزِمَتْه نفقَتُه). ((الاستذكار)) (3/263). ، وابنُ رُشْدٍ قال ابنُ رُشْدٍ: (اتَّفقوا على أنَّها تَجِبُ على المرءِ في نفْسه، وأنَّها زكاةُ بدَنٍ لا زكاةُ مالٍ، وأنَّها تجِبُ في وَلَدِه الصِّغارِ عليه إذا لم يكن لهم مالٌ، وكذلك في عَبيدِه إذا لم يكُنْ لهم مال). ((بداية المجتهد)) (1/279). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (زكاةُ الفِطرِ تَجِبُ على كلِّ مُسلمٍ، مع الصَّغيرِ والكبيرِ، والذُّكوريَّة والأنوثيَّة، في قولِ أهلِ العِلم عامَّةً، وتجِبُ على اليتيمِ، ويُخرِجُ عنه وليُّه مِن مالِه، لا نعلَمُ أحدًا خالف في هذا، إلَّا محمَّدَ بنَ الحسن؛ قال: ليس في مالِ الصَّغيرِ مِن المسلمينَ صدقةٌ) ((المغني)) (3/79). خالف ابنُ حزمٍ هذا الإجماعَ، وذهب إلى أنَّ الأبَ إنما يجِبُ عليه إخراجُ زكاةِ الفِطرِ عن وَلَدِه إذا كان للولَدِ مالٌ، وفي ذلك يقول: (أمَّا الصِّغارُ فعليهم أن يُخرِجَها الأبُ, والوليُّ عنهم من مالٍ إنْ كان لهم, وإن لم يكُنْ لهم مالٌ فلا زكاةَ فِطرٍ عليهم حينئذٍ, ولا بعد ذلك... والحقُّ في هذا أنَّ الله تعالى فَرَضَها على لسانِ نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم على: الكَبيرِ والصغيرِ, فمَن فرَّقَ بين حُكمَيهِما فقد قال الباطِلَ, وادَّعى على رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما لم يَقُلْه, ولا دلَّ عليه، ثم وجَدْنا اللهَ تعالى يقول: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، وقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا أمرتُكم بأمرٍ فأْتُوا منه ما استطَعْتُم))، فوجدْنا مَن لا مالَ له مِن كبيرٍ أو صغيرٍ، ليس في وُسعِه أداءُ زكاةِ الفِطرِ; فقد صحَّ أنَّه لم يُكلَّفْها قطُّ, ولَمَّا كان لا يستطيعُها لم يكن مأمورًا بها, بنصِّ كلامِه عليه الصَّلاة والسَّلام). ((المحلى)) (6/139 رقم 712)
المطلب الثاني: حُكمُ دَفعِ السيِّدِ لِصَدقةِ الفِطرِ عن رقيقِه
يجِبُ على السيِّدِ أداءُ صَدَقةِ الفِطرِ عَن رقيقِه مِنَ العَبيدِ والإماءِ، إذا أمكَنَه ذلك.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهما، قال: ((فرَض رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ صاعًا من تَمرٍ، أو صاعًا مِن شَعيرٍ، على العبدِ والحرِّ، والذَّكَرِ والأنثى، والصَّغير والكَبيرِ مِنَ المُسلمينَ، وأمَر بها أن تؤدَّى قبل خُروجِ النَّاسِ إلى الصَّلاة)) وفي لفظ آخَرَ: ((فرَض رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم صدقةَ الفِطرِ صاعًا مِن شَعيرٍ، أو صاعًا مِن تَمرٍ، على الصَّغيرِ والكبيرِ، والحرِّ والمَملوكِ )) رواه البخاري (1503)، ومسلم (984، 986) واللفظ الآخر: رواه البخاري (1512)، ومسلم (984)
وجه الدَّلالة:
أنَّه أوجبَ صَدَقةَ الفِطرِ على العبدِ، والعبدُ لا مال له، فتعيَّنَ أن تجِبَ على سيِّدِه.
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِرِ: (أجمَعوا على أنَّ المَرءَ عليه أداءُ زكاةِ الفِطرِ عن مملوكِه الحاضِرِ) ((الإجماع)) (ص: 47). ، وابنُ رُشْدٍ قال ابنُ رُشْدٍ: (اتَّفقوا على أنَّها تَجِبُ على المرءِ في نفسِه، وأنَّها زكاةُ بَدَنٍ لا زكاةُ مالٍ، وأنَّها تجِبُ في ولَدِه الصِّغارِ عليه إذا لم يكُن لهم مال، وكذلك في عَبيدِه إذا لم يكن لهم مال). ((بداية المجتهد)) (1/279). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (العبيدُ؛ فإن كانوا لغيرِ التِّجارة، فعلى سيِّدِهم فِطرَتُهم. لا نعلمُ فيه خلافًا). ((المغني)) لابن قدامة (3/91). ، وحكاه النوويُّ عن جميعِ العُلَماءِ إلَّا داودَ قال النوويُّ: (فِطرةُ العَبدِ علي سيِّده، وبه قال جميعُ العلماء إلَّا داودَ فأوجَبَها على العبد). ((المجموع)) للنووي (6/140).
ثالثًا: أنَّ زكاةَ الفِطرِ عن البَدَنِ، فيدفَعَها عنه سيِّدُه؛ لِكَونِه صاحبَ ولايةٍ عليه، كما يدفَعُها عن وَلَدِه الصَّغيرِ ((مجلة البحوث الإسلامية)) (62/323).
رابعًا: أنَّ الرَّقيقَ تِجبُ نفقَتُه على سيِّدِه، فتجِبُ فِطرتُه، لأنَّها تجري مَجرى النَّفقةِ ((المغني)) لابن قدامة (3/91).
المطلب الثالث: إخراجُ صدقة الفطر عن الزوجة
اختلف أهل العِلم في لزوم إخراجِ صَدَقةِ الفِطرِ عن الزوجة؛ وذلك على قولينِ:
القول الأوّل: يلزَمُ الرَّجُلَ إخراجُ صدقةِ الفِطرِ عَن زَوجَتِه [2079] ولا يُخرِجُها عن زَوجَتِه الكافرةِ. قال ابنُ حَجر: (اتَّفقوا على أنَّ المسلِمَ لا يُخرِج عن زوجتِه الكافرة، مع أنَّ نفقتَها تلزمُه). ((فتح الباري)) (3/369). ، إذا قدَر على ذلك، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ من المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/264)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/785). قال ابنُ عبد البَرِّ: (وأمَّا اختلافُهم في الزَّوجة؛ فقال مالكٌ والشافعي والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور: على زوجِها أن يُخرِجَ عنها زكاةَ الفِطرِ، وهي واجبةٌ عليه عنها وعن كلِّ مَن يَمونُ ممَّن تلزَمُه نفقَتُه، وهو قولُ ابنِ عُليَّة؛ أنَّها واجبةٌ على الرَّجُلِ في كلِّ مَن يمونُ ممَّن تلزمه نفقته). ((الاستذكار)) (3/263). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/113، 116)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/403). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (4/216)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/90). ؛ وذلك لأنَّ النِّكاحَ سبَبٌ تجِبُ به النَّفقةُ، فوجبَت به الفِطرةُ قال ابنُ حجر: (وقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق: تجِبُ على زَوجِها إلحاقًا بالنَّفَقةِ، وفيه نظَرٌ؛ لأنهم قالوا: إن أعْسَرَ وكانت الزوجةُ أمَةً وجبَتْ فِطرَتُها على السيِّدِ، بخلاف النَّفقة، فافترَقَا) ((فتح الباري)) (3/369). ، كمِلْكِ اليَمينِ والقرابةِ، بخلافِ زكاةِ المالِ؛ فإنَّها لا تُتحمَّلُ بالمِلك والقَرابةِ ((المجموع)) للنووي (6/114)، ((المغني)) لابن قدامة (3/90، 91)، ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (9/367)..
القول الثاني: لا يلزَمُ الرجلَ إخراجُ صَدَقةِ الفِطرِ عَن امرأتِه، وعلى المرأةِ فِطرةُ نفْسِها، وهذا مذهَبُ الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/272)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 475). ، والظَّاهِريَّة قال ابنُ حَزْم: (ليس على الإنسانِ أن يُخرِجَها عن أبيه, ولا عن أمِّه, ولا عن زَوجَتِه, ولا عن وَلَدِه, ولا أحدٍ مِمَّن تلزَمُه نفقَتُه, ولا تلزَمُه إلَّا عن نَفسِه, ورقيقِه فقط. ويدخُلُ في الرَّقيقِ أمهَّاتُ الأولاد, والمُدَبِّرونَ, غائبُهم وحاضِرُهم. وهو قَولُ أبي حنيفة, وأبي سليمان, وسفيان الثوري, وغيرهم). ((المحلى)) (6/137 رقم 709). وقال أيضًا: (إيجابُ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ على الصَّغيرِ والكَبيرِ, والحُرِّ والعبد, والذَّكر والأنثى: هو إيجابٌ لها عليهم, فلا تجِبُ على غيرِهم فيه إلَّا مَن أوجَبَه النصُّ, وهو الرَّقيقُ فقط) ((المحلى)) (6/138). ، وبه قال سفيانُ الثوريُّ ((المغني)) لابن قدامة (3/90). ، واختاره ابنُ المُنْذِر ((المغني)) لابن قدامة (3/90). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (الصَّحيحُ أنَّ زكاةَ الفِطرِ واجبةٌ على الإنسانِ بنَفسِه، فتجِبُ على الزَّوجة بنَفسِها، وعلى الأبِ بنفْسِه، وعلى الابنةِ بنَفسِها، وهكذا، ولا تجِبُ على الشَّخص عمَّن يمونه من زوجة وأقارب) ((الشرح الممتع)) (6/154، 155).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب:
قال اللهُ تعالى: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164]
وجه الدَّلالة:
أنَّه لو وجَبَت زكاةُ الفِطرِ على الشَّخصِ نَفسِه وعمَّن يَمونُه، فإنَّه سوف تَزِرُ وازرةٌ وِزر أخرى ((المحلى)) (6/136رقم 709)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/155).
ثانيًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله تعالى عنهما قال: ((فرَض رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ صاعًا مِن تَمرٍ، أو صاعًا مِن شَعيرٍ، على العبدِ والحرِّ، والذَّكَرِ والأنثى، والصَّغيرِ والكبيرِ مِنَ المُسلمين )) رواه البخاري (1503)، ومسلم (984، 986)
وجه الدَّلالة:
 أنَّه قال: (فرض)، والأصلُ في الفَرضِ أنَّه يجِبُ على كلِّ واحدٍ بِعَينِه دونَ غَيرِه ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/155).
ثالثًا: أنَّ صَدَقةَ الفِطرِ زكاةٌ، فوجبت عليها، كزكاةِ مالها ((المغني)) لابن قدامة (3/90).
رابعًا: لقُصورِ الوِلاية والنَّفَقة؛ أمَّا قصورُ الوِلايةِ، فإنَّ الرَّجلَ لا يلي على امرأتِه إلَّا في حقوقِ النِّكاحِ، فلا تخرُجُ إلَّا بإذنه، وليس له التصرُّفُ في مالِها بدون إذنِها، وأمَّا قُصورُ النَّفَقةِ؛ فلأنَّه لا يُنفِقُ عليها إلَّا في الرَّواتِبِ، كالمأكَلِ والمَسكَنِ والمَلبَسِ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/272)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص 475)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/339).

انظر أيضا: