الموسوعة الفقهية

المبحث الأوَّل: ما تجب فيه الزَّكاة من الزُّروع والثِّمار


المطلب الأوَّل: الحِنطةُ والشَّعيرُ من الحبوب، والتَّمرُ والزَّبيبُ من الثِّمار
تجِبُ الزَّكاة في الحِنطةِ الحِنْطَةُ (بكَسْرِ الحاء): القَمْحُ. يُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (1/ 154). والشَّعيرِ مِنَ الحبوبِ، وفي التَّمرِ والزَّبيبِ مِنَ الثِّمارِ.
الدليل مِن الإجماعِ:
نقَل الإجماعَ على وجوبِ الزَّكاةِ في الحِنطةِ والشَّعيرِ، والتَّمرِ والزَّبيبِ: ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ الصدقة واجبة في: الحنطة والشعير، والتمر والزبيب). ((الإجماع)) لابن المُنْذِر (ص: 45)، ونقله عنه ابن قدامة في ((المغني)) (3/3). ، وابنُ عَبدِ البَرِّ قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (أجمع العلماء كلُّهم من السَّلف والخلف على أنَّ الزَّكاة واجبةٌ في الحِنطة والشَّعير، والتَّمر والزَّبيب، واختلفوا فيما سوى ذلك من الحُبوبِ) ((التمهيد)) (20/148)، ونقله عنه ابن قدامة في ((المغني)) (3/3). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رُشْدٍ: (وأمَّا ما تجب فيه الزَّكاةُ مِنَ الأموال فإنَّهم اتَّفقوا منها على أشياءَ، واختلفوا في أشياء؛ أمَّا ما اتَّفقوا عليه فصِنفان من المَعدِن: الذَّهَب والفضة اللَّتين ليستَا بحُليٍّ، وثلاثةُ أصنافٍ مِنَ الحيوان: الإبِل والبَقَر والغَنَم، وصِنفان من الحبوب: الحِنْطة والشَّعير، وصنفان من الثَّمَر: التَّمْر والزَّبيب، وفي الزَّيتِ خلاف شاذٌّ). ((بداية المجتهد)) (1/250، 251). ، والشِّنقيطيُّ قال الشنقيطيُّ: (اعلم أوَّلًا أنَّه لا خلاف بين العلماء في وجوب الزَّكاة في الحِنطة والشَّعير، والتَّمر والزَّبيب). ((أضواء البيان)) (1/495).
ونقله الخطَّابيُّ قال الخطَّابي: (قلتُ: ولم يختلِفْ أحدٌ مِنَ العُلَماء في وجوبِ الصَّدقةِ في التَّمْرِ والزَّبيب). ((معالم السنن)) (2/46). والقَرافيُّ قال القرافي: (حصلَ الاتِّفاقُ على الزَّبيب والتَّمر). ((الذخيرة)) (3/74). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (أجمعَ العُلَماءُ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ ومَن بَعدَهم على وجوبِ الزَّكاةِ في التَّمر والزَّبيب). ((المجموع)) (5/451). ، في التَّمرِ والزَّبيبِ.
وحكاه ابن حزم: في القَمحِ والشَّعيرِ والتَّمرِ قال ابنُ حزم: (ولا تجِبُ الزَّكاة إلَّا في ثمانيةِ أصنافٍ مِنَ الأموال فقط، وهي: الذَّهَب والفضَّة، والقمحُ والشَّعير، والتَّمر، والإبلُ والبقرُ، والغَنَمُ ضأنُها وماعِزُها فقط. قال أبو محمَّد: لا خلاف بين أحد من أهلِ الإسلامِ في وجوبِ الزَّكاة في هذه الأنواع، وفيها جاءت السُّنة، على ما نذكر بعدُ هذا إن شاء الله تعالى، واختلفوا في أشياءَ ممَّا عداها). ((المحلى)) (4/12).
المطلب الثاني: ما كان مَكيلًا مدَّخرًا
 تجِبُ الزَّكاةُ في كلِّ مَكِيلٍ مُدَّخَرٍ، وهذا مذهَبُ الحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (4/70)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/203). ، واختاره ابنُ باز قال ابنُ باز: (أمَّا الحبوب والثِّمار التي تُكالُ وتُدَّخَرُ، ففيها نصفُ العُشرِ إذا كانت تُسقَى بمؤونةٍ كالسَّواني والمكائِنِ، أمَّا إذا كانت تُسقى بالمطر أو الأنهارِ، ونحو ذلك؛ ففيها العُشرُ إذا بلغت خمسةَ أوسُقٍ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (9/31). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (الخلاصة: أنَّ الحبوبَ والثِّمار تجِبُ فيها الزَّكاة، بشرْط أن تكون مكيلةً مدَّخرةً، فإن لم تكن كذلك، فلا زكاةَ فيها، هذا هو أقرَبُ الأقوال، وعليه المعتمَدُ إن شاء الله). ((الشرح الممتع)) (6/70). ، واللَّجنةُ الدَّائمة في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: (تجب الزَّكاةُ في الخارجِ مِنَ الأرض؛ من كلِّ مكيلٍ مدَّخَرٍ من الحَبِّ؛ كالحَبِّ والشَّعير والذرة، والدخن والأَرُز، والحِمِّص والعدَس والفول، ومن الثَّمَر؛ كالتَّمر والزَّبيب، واللَّوز والفستق والبندق) ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة – المجموعة الثانية)) (8/61).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس فيما دونَ خمسِ أواقٍ صَدَقةٌ، وليس فيما دونَ خَمسِ ذَودٍ صدقةٌ، وليس فيما دون خَمسِ أوسُقٍ صدقةٌ )) رواه البخاري (1405)، ومسلم (979).
وجه الدَّلالةِ:
أنَّ الحديثَ دلَّ على أنَّ ما لا يدخُلُه التَّوسيقُ (وهو مقدارٌ للكَيلِ) ليس مرادًا مِن عُمومِ الآيةِ والخَبَرِ، وإلَّا كان ذِكرُ الأوسُقِ لَغوًا ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/203).
ثانيًا: أنَّ غيرَ المُدَّخَرِ لا تَكمُلُ فيه النِّعمة؛ لعدم النَّفعِ به مآلًا ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/203).
المطلب الثالث: ما لا يُؤخَذُ مِن التَّمرِ
لا يُؤخذُ في الصَّدقةِ من التَّمرِ: الجُعرورُ، ولونُ الحُبَيقِ [1116] الجُعْرور: نوع من الدَّقَل، وهو أَردَأُ التَّمر، يَحْمِل رُطبًا صِغارًا، لا خيرَ فيه. ((الصحاح)) للجوهري (2/615)، ((النهاية)) لابن الأثير (1/276).      ولونُ الحُبَيْق: من أردَأِ التُّمْرانِ أيضًا. ((تاج العروس)) للزَّبِيدي (10/440). ، إذا كان معهما غيرُهما.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقل الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزمٍ [1117] قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا على أنَّه إنْ أعطَى من عين المال، فذلك جائزٌ، ما لم يكُن من التَّمر مُصرانَ الفأر، وعذقَ ابنَ حُبَيق، والجُعرور). ((مراتب الإجماع)) (ص 37). ، وابنُ عبدِ البَرِّ [1118] قال ابن عبد البَرِّ: (هذا بابٌ مُجتمَع عليه لا اختلافَ فيه، أنه لا يُؤخَذ هذان اللَّونان من التَّمر في الصَّدقة، إذا كان معهما غيرُهما، فإنْ لم يكن معهما غيرهما، أُخِذ منهما، وكذلك الرَّديءُ كلُّه، لا يُؤخَذ منه إذا كان معه غيرُه). ((التمهيد)) (6/87).

انظر أيضا: