الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: مشروعيَّة الختان


أصلُ الخِتانِ مشروعٌ في الإسلامِ، وهو مِن سُنَنِ الفِطرةِ قال ابن القيِّم: (الفِطرة فِطرتان: فِطرة تتعلَّق بالقلب، وهي: معرفة الله ومحبَّته وإيثاره على ما سواه، وفِطرة عَمليَّة، وهي: هذه الخِصال؛ فالأُولى تُزكِّي الرُّوح وتُطهِّر القلب، والثانية تُطهِّر البدن، وكلٌّ منهما تمدُّ الأخرى وتقوِّيها، وكان رأس فِطرة البدن الخِتان). ((تحفة المودود)) (ص: 161).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قال الله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [البقرة: 124]
وعَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال في تفسيرِ هذه الآيةِ: ((ابتلاه بالطَّهارةِ: خَمسٌ في الرأسِ، وخمسٌ في الجَسَدِ؛ خمسٌ في الرأس: قصُّ الشَّارِبِ، والمضمضةُ، والاستنشاقُ، والسِّواكُ، وفَرْقُ الرأسِ، وفي الجَسَدِ: تقليمُ الأظفارِ، وحَلْقُ العانة، والختانُ، ونتفُ الإبْط، وغسلُ أثَر الغائِطِ والبَولِ بالماءِ)) رواه الطبري في ((تفسيره)) (1910)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (1165)، والحاكم (2/293)، البيهقي (1/149) (705)، صحَّح إسناده ابن حجر في ((تحفة النبلاء)) (230).
وجه الدَّلالة من الآية والأثَر:
أنَّ الختانَ كان من الخِصالِ التي ابتَلَى اللهُ سبحانه بها إبراهيمَ خَليلَه، فأتمَّهنَّ وأكمَلَهنَّ، فجَعَله إمامًا للنَّاسِ ((تحفة المودود)) (ص: 158، 161).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((الفِطرةُ خَمسٌ: الخِتانُ، والاستحدادُ، وقصُّ الشَّارِبِ، وتقليمُ الأظفارِ، ونتْفُ الآباط )) رواه البخاري (5891) واللفظ له، ومسلم (257).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عَشْرٌ من الفِطرة: قصُّ الشَّارب، وإعفاءُ اللِّحيةِ، والسِّواكُ، واستنشاقُ الماءِ، وقصُّ الأظفارِ، وغَسلُ البَراجمِ، ونتْفُ الإبْطِ، وحَلقُ العانةِ، وانتقاصُ الماءِ )) قال زكريا: قال مصعبٌ: ونسيتُ العاشرةَ، إلَّا أن تكونَ المضمضةَ رواه مسلم (261).
ثالثًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على مشروعيَّة الختانِ: ابنُ حَزمٍ قال ابن حزم: (اتَّفَقُوا أنَّ مَن ختَنَ ابنَه، فقد أصاب، واتَّفقوا على إباحةِ الخِتانِ للنِّساء). ((مراتب الإجماع)) (ص: 157). ، وابنُ عبدِ البَرِّ قال ابن عبدِ البَرِّ: (لا خِلاف بين العُلَماءِ في قصِّ الأظفارِ، ونتْفِ الإبْط وحلْقِه لِمَن صعُب عليه النَّتْف، ولا في الاختِتانِ؛ أنَّ كلَّ ذلك عندهم سُنَّةٌ مسنونةٌ مجتمَع عليها، مندوبٌ إليها، إلَّا الِختانَ، فإنَّ بعضهم جعله فرْضًا). ((الاستذكار)) (8/336). ، وابنُ العربيِّ قال ابنُ العربيِّ وهو يتكلَّم عن سُنَنِ الفطرة: (قدِ اتَّفقت الأمَّة على أنَّها من الملَّةِ، واختلفوا في مراتِبِها). ((أحكام القرآن)) (1/56). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (إذا لم يُخَفْ عليه ضَررُ الخِتان، فعليه أن يختَتِنَ؛ فإنَّ ذلك مشروعٌ مؤكَّدٌ للمسلمين باتِّفاق الأئمَّة، وهو واجبٌ عند الشافعيِّ، وأحمد في المشهور عنه، وقد اختَتن إبراهيمُ الخليلُ عليه السَّلام بعد ثمانينَ مِن عُمُره، ويُرجَع في الضَّررِ إلى الأطبَّاء الثِّقات، وإذا كان يضرُّه في الصَّيف، أخَّره إلى زمانِ الخَريف). ((الفتاوى الكبرى)) (1/274). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (ثبوتُ مشروعيَّةِ الخِتانِ في هذه الملَّة الإسلاميَّة أوضحُ من شمسِ النَّهار؛ فما سمِع السامعونَ منذ كان الإسلامُ وإلى هذه الغاية أنَّ مسلمًا من المسلمين ترَكه، أو ترَخَّصَ في ترْكه، أو تعلَّل بما يحصُل من مزيدِ الألم، لا سيَّما للصِّبيانِ الذين لم يجرِ عليهم قَلَم التَّكليفِ، ولا كانوا في عِداد مَن يُخاطَبُ بالأمور الشرعيَّة، وقد صار مثل هذا الشِّعار علامةً للمسلم تُميِّزه عن الكفَّارِ إذا اختلط بهم). ((السيل الجرار)) (ص: 723).

انظر أيضا: