الموسوعة الفقهية

الفصل السَّادس: نتْف الإِبْط


المبحث الأوَّل: حُكم نتْف الإبْط
يُسَنُّ نتْفُ الإبْطِ الإبْط (بإسكان الباء): وفيه لُغتان: التَّذكيرُ والتأنيث، حكاهما أبو القاسم الزَّجَّاجيُّ وآخرون، قال ابن السِّكِّيت: الإبْطُ مذكَّر وقد يؤنَّث، فيقال: إبْطٌ حسَن وحسَنَة. ((تهذيب الأسماء واللغات)) للنووي (ص: 970). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (4/334)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/193). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/ 535)، وينظر:  ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (8/336)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/635). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/288)، وينظر: ((البيان)) للعمراني (1/94). ، والحنابلة ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/87)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/65). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ قال ابن عبدِ البَرِّ: (لا خِلافَ بين العُلَماءِ في قصِّ الأظفارِ، ونتْفِ الإبْطِ، وحَلقِه لِمَن صعُب عليه النَّتْفُ، ولا في الاختتانِ- أنَّ كلَّ ذلك عندهم سُنَّةٌ مسنونةٌ مُجتمَع عليها، مندوبٌ إليها، إلَّا الختان؛ فإنَّ بعضَهم جعله فرضًا). ((الاستذكار)) (8/336)، ويُنظر: ((التمهيد)) (21/68). وقال النوويُّ: (أمَّا نتْفُ الإبْطِ، فسُنَّة بالاتِّفاق). ((شرح صحيح مسلم)) (3/149). لكن قال ابن حجر: (ذهب ابنُ العربيِّ إلى القول بوجوبِ جَميعِ خصال الفِطرةِ، وفي ذلك يقول: (والذي عندي أنَّ الخِصالَ الخَمسَ المذكورةَ في هذا الحديث، كلُّها واجبةٌ؛ فإنَّ المرءَ لو تركها لم تبقَ صُورَتُه على صورةِ الآدميِّين؛ فكيف من جملةِ المسلمين؟!) كذا قال في شرح الموطأ، وتعقَّبه أبو شامة بأنَّ الأشياءَ التي مقصودها مطلوبٌ لتحسينِ الخَلق- وهي النَّظافة- لا تحتاج إلى ورودِ أمرِ إيجابٍ للشَّارعِ فيها؛ اكتفاءً بدواعي الأنفُسِ، فمجرَّد النَّدبِ إليها كافٍ، ونقل ابنُ دقيق العيد عن بعضِ العُلَماءِ أنَّه قال: دلَّ الخَبَرُ على أنَّ الفطرةَ بمعنى الدِّين، والأصلُ فيما أُضيفَ إلى الشَّيءِ أنَّه منه، أن يكونَ مِن أركانِه لا من زوائِدِه، حتى يقومَ دليلٌ على خلافِه، وقد ورد الأمرُ باتِّباعِ إبراهيمَ عليه السَّلام، وثبَت أنَّ هذه الخِصالَ أُمِرَ بها إبراهيمُ عليه السَّلام، وكلُّ شيءٍ أمَر الله باتِّباعه فهو على الوُجوبِ لِمَن أُمِرَ به، وتعقِّب بأنَّ وجوبَ الاتِّباعِ لا يقتضي وجوبَ كلِّ متبوعٍ فيه، بل يتمُّ الاتباعُ بالامتثالِ؛ فإن كان واجبًا على المتبوعِ كان واجبًا على التابع، أو ندبًا فنَدْبٌ، فيتوقَّفُ ثُبوتُ وجوبِ هذه الخِصالِ على الأمَّة على ثُبوتِ كَونِها كانت واجبةً على الخَليلِ عليه السلامُ). ((فتح الباري)) (10/340).
الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((الفِطرةُ خَمسٌ: الخِتانُ، والاستحدادُ، وقصُّ الشَّارب، وتقليمُ الأظفارِ، ونتفُ الآباطِ )) رواه البخاري (5891)، ومسلم (257).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عشرٌ من الفِطرة: قصُّ الشَّارب، وإعفاءُ اللِّحيةِ، والسِّواكُ، واستنشاقُ الماءِ، وقصُّ الأظفارِ، وغَسلُ البَراجِمِ، ونتفُ الإبْط، وحَلْقُ العانةِ، وانتقاصُ الماءِ )) قال زكريا: قال مصعب: ونسيتُ العاشرةَ، إلَّا أن تكون المضمضةَ رواه مسلم (261).
المبحث الثاني: كيفيَّةُ إزالةِ شَعرِ الإبْطِ  
يُسنُّ إزالةُ شَعرِ الإبْطِ بالنَّتْف، فإنْ أزالَه بالحَلقِ أو التنوُّرِ أي: إزالةُ الشَّعرِ بالنُّورةِ، وهي حَجرُ الكِلس، ثم غَلَبت على أخلاطٍ تُضافُ إلى الكِلسِ مِن زِرنيخٍ وغيره. ((المصباح المنير)) للفيومي (2/629). جاز، وكان مؤدِّيًا لأصل السُّنةِ، إلَّا أنَّ النَّتفَ أولى، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (6/406)، ((حاشية على مراقي الفلاح)) للطحطاوي (ص: 342)، ((الفتاوى الهندية)) (5/358). ، والمالكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (2/ 1137)، وينظر: ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (4/449)، ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (2/579). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/288)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/234). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/76)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/65).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((عشرٌ من الفِطرة: قصُّ الشَّارب، وإعفاءُ اللِّحيةِ، والسِّواكُ، واستنشاقُ الماءِ، وقصُّ الأظفارِ، وغَسلُ البَراجِم، ونَتفُ الإبْطِ، وحلقُ العانةِ، وانتقاصُ الماءِ) ) قال زكريَّا: قال مُصعبٌ: ونسيتُ العاشرةَ إلَّا أن تكونَ المضمضةَ رواه مسلم (261).
وجه الدَّلالة:
أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرَّقَ بين إزالةِ شَعرِ العانةِ وإزالةِ شَعرِ الإبْط، فذَكَرَ في الأوَّلِ الحَلقَ، وفي الثَّاني النَّتفَ؛ وذلك ممَّا يدلُّ على رعايةِ هاتينِ الهَيئتينِ في محلِّهما ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 62، 63).
ثانيًا: النَّظَرُ إلى المقصودِ مِن إزالةِ نتفِ الإبْطِ، وهو النَّظافةُ، يُفيدُ جوازَه بكلِّ مُزيلٍ ((المجموع)) للنووي (1/288)، ((فتح الباري)) لابن حجر (10/344).

انظر أيضا: