الموسوعة الفقهية

المطلب الحادي عشرَ: حُكمُ نَقْلِ الأعضاءِ مِنَ المَيِّتِ، وتشريحِ جُثَّتِه


الفرع الأوَّل: حُكمُ نقلِ الأعضاءِ من المَيِّت
يجوزُ نَقْلُ عضوٍ أو جُزْئِه من إنسانٍ مَيِّتٍ إلى مسلمٍ؛ إذا اضطُرَّ إلى ذلك [7432] ويُشترطُ إذنُه أو إذنُ ورثتِه؛ لأنَّ رعايةَ كرامتِه حقٌّ مقررٌ له في الشَّرعِ، لا يُنتهَكُ إلَّا بإذنِه؛ فهو حقٌّ موروثٌ، كالحالِ في المطالبةِ مِن الوارثِ في حدِّ قاذفِه. يُنظر: ((فقه النوازل)) لبكر أبو زيد (2/45)، ((قرارات المجمع الفقهي)) (ص: 158). ، وبه صدَرَ قرارُ هيئةِ كبارِ العلماءِ في المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ [7433] ((مجلة البحوث الإسلامية)) (84/53). صَدرَ القرارُ بأغلبيةِ أعضاءِ الهيئةِ وتوقَّفَ ابنُ بازٍ. وقرارُ مجمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ [7434] وذلك في الدورة الثامنة المنعقدة بمكَّة المكرمة في الفترة من 28 ربيع الآخر إلى 7 جمادى الأولى عام 1405هـ الموافق 19- 28 يناير1985م واشترطوا للجواز شروطًا: منها أن يتعيَّنَ النقلُ لعلاجِ المَرَضِ، وأن يَغْلِبَ الظَّنُّ أو يتحقَّق بنجاحِ الجراحةِ. ((قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة)) (ص: 158). ، وبه أفتت لجنةُ الفتوَى بمصرَ [7435] ((مجلة الأزهر)) (20/742) لسنة (1368هـ)، لجنة الفتوَى بالأزهر، فتوى رقم (491)، دار الإفتاء المصرية، مسجل (88) مسلسل (212) (ص: 93). ، ولجنةُ الفتوَى بالكويتِ [7436] فتوَى صادرةٌ عن مكتبِ الإفتاءِ بوزارةِ الأوقافِ والشُّؤون الإسلاميَّة بدولةِ الكويت، وذلك برقم (97) ع/84 في (22) ربيع الآخر عام (1405هـ).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتابِ
قوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 173]
قوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام: 119]
وَجهُ الدَّلالةِ من الآيتينِ:
أنَّه تُستثنَى حالةُ الضَّرورةِ مِنَ التَّحريمِ، ومَنِ احتاجَ إلى نقْلِ العُضوِ إليه فسيكونُ في حُكْمِ المُضطَرِّ [7437] ((موسوعة الفقه الطبي)) (2/952).
ثانيًا: أنَّ مَصْلحةَ الحيِّ برعايةِ إنقاذِ حياتِه أعظمُ مِن مصلحةِ الميِّت بانتهاكِ حُرمةِ بدنِه، وقد فارقَتْه الرُّوحُ، والقاعدةُ: أنَّ الضَّررَ يُزالُ، وأنَّ الضَّروراتِ تُبيحُ المحظوراتِ [7438] ((فقه النوازل)) لبكر أبو زيد (2/45).
ثالثًا: أنَّ إحياءَ النَّفْسِ وإنقاذَها واجِبٌ شرعيٌّ؛ كما قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [7439] ((موسوعة الفقه الطبي)) (2/952). [المائدة: 32]
الفرع الثاني: حُكمُ تشريحِ المَيِّت
المسألة الأولى: التشريحُ لأجل التَّعليم
اختلف العلماءُ في حُكمِ التَّشريحِ لأجل التَّعليمِ على أقوال؛ أهمُّها قولان:
القول الأول: يجوزُ تشريحُ جُثَثِ الموتى بغَرَضِ تعليم الطِّبِّ وتعلُّمِه [7440] لكن ينبغي مراعاةُ القيودِ الآتية: - إذا كانت الجثَّة لشخْصٍ معلومٍ يُشترطُ أن يكون قد أَذِنَ هو قبل مَوْتِه بتشريحِ جُثَّتِه، أو يأذن وَرَثَتُه بذلك بعد موته، ولا ينبغي تشريحُ جثَّة معصومِ الدَّمِ إلَّا عند الضرورة. - يجب أن يُقتَصَرَ في التشريحِ على قَدْرِ الضرورة؛ كيلا يُعْبَثَ بجُثَث الموتى. - جثث النِّساءِ لا يتولَّى تشريحَها غيرُ الطَّبيباتِ إلَّا إذا لم يُوجَدْنَ. - تُدفَنُ في جميعِ الأحوالِ جميعُ أجزاءِ الجُثَثِ المُشَرَّحة. يُنظَر: ((قرارات المجمع الفقهي)) (ص 212). ، وبه صدر قرارُ مَجْمَع الفِقهِ الإسلامي بمكَّةَ [7441] ((قرارات المجمع الفقهي)) (ص 211) الدورة العاشرة - صفر 1408 هـ. ، وبه أفتت لجنةُ الفتوَى بالأزهرِ [7442] فتوى رقم (490) بتاريخ 29/2/1971 من لجنة الفتوى بالأزهر، ونُشِرَت بمجلة الأزهر عدد نوفمبر 1962م. ؛ وذلك لأنَّ الضَّرورةَ دعتْ إلى التَّشريحِ لدراسةِ الطِّبِّ وتعلُّمِه لِمُداواةِ النَّاسِ، والتي يصيرُ بها التَّشريحُ مصلحةً تربو على مَفسَدةِ انتهاكِ كرامةِ الإنسانِ الميِّت، فقواعدُ الدِّين الإسلاميِّ مبنيَّةٌ على رعايةِ المصالحِ الرَّاجحةِ، وتحمُّلِ الضَّررِ الأخفِّ لجلبِ مصلحةٍ تفويتُها أشدُّ مِن هذا الضَّررِ [7443] يُنظر: ((قرارات المجمع الفقهي)) (ص:211)، ((الفتاوى الإسلامية)) من دار الإفتاء المصرية (ص 1333).
القول الثاني: إذا كان الميتُ معصومًا في حياتِه، سواءٌ كان مسلمًا أو كافرًا؛ فإنَّه لا يجوز تشريحُه؛ أمَّا إذا كان غيرَ معصومٍ؛ كالمرتَدِّ والحربيِّ، فلا حَرَجَ في تشريحِه، وهو قولُ ابنِ بازٍ [7444] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/366). ، وقرارُ هيئةِ كبارِ العُلَماءِ [7445] قرار رقم (48) بتاريخ 20/8/1396 ((أبحاث هيئة كبار العلماء)) (2/83). ؛ وذلك لِمَا في تشريحِ الميِّتِ المعصومِ في حياتِه مِنَ الإساءَةِ إليه؛ وانتهاكِ حُرْمَتِه، أمَّا غيرُ المعصومِ؛ كالمرتَدِّ والحربيِّ، فيجوزُ تشريحُه للمَصلحةِ الطبِّيَّة [7446] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/366).
المسألة الثانية: التَّشريحُ لأجل التَّحقيقِ الجنائيِّ
يجوز [7447] لكنْ هذا الجوازُ له شروطٌ؛ منها: وجودُ متَّهمٍ بالقتلِ والاعتداءِ على هذا الشَّخْص، ومنها: ضَعْفُ الأدلَّة الجنائيَّة، ووجودُ ضرورةٍ للتَّشريحِ، ومنها: إذنُ القاضي، ومنها: ألَّا يُسْقِطَ الوَرَثَةُ حَقَّهُم في المطالبة بِدَمِ الجاني. ينظر: ((فقه النوازل)) لبكر أبو زيد (2/47). التَّشريحُ لأجلِ التَّحقيقِ الجنائيِّ، وهو قولُ ابنِ بازٍ [7448] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/367). ، وابنِ عُثيمينَ [7449] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/47). ، وبه صَدَرَ قرارُ مجمَعِ الفقهِ الإسلاميِّ [7450] ((قرارات المجمع الفقهي)) (ص 211) الدورة العاشرة - صفر 1408 هـ القرار الأوَّل بشأن موضوعِ تشريح جُثَث الموتى. ، وهيئةِ كبِار ِالعلماء [7451] قرار رقم (47) بتاريخ 20/8/1396 ((أبحاث هيئة كبار العلماء)) (2/84). ، وأفتت به اللَّجنةُ الدائمة [7452] ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (5/294). ؛ وذلك لِمَا يترتَّبُ عليه من مصالِحَ عظيمةٍ في مجالِ الأمنِ والعَدْلِ [7453] من المصالح المترتِّبة على ذلك صيانةُ حكم القاضي من الخَطَأِ، وصيانةُ حقِّ المتَّهم، وتحقيقُ الأمن في المجتمع. تُقَدَّمُ على مصلحةِ عَدَمِ التَّشريحِ.
المسألة الثالثة: التَّشريحُ لمعرفةِ سَبَبِ الوفاةِ (التَّشريحُ المَرَضِيُّ)
يجوز التشريحُ لِمَعرفةِ سَبَبِ الوفاةِ، والتحقُّقِ مِنَ الأمراض الوبائيَّةِ التي تستدعي التَّشريحَ، وبه صدر قرارُ المجمَعِ الفقهيِّ [7454] ((قرارات المجمع الفقهي)) (ص: 211) في الدورة المنعقدة في مكة من 24 صفر 1408هـ إلى 28 صفر 1408هـ القرار الأول بشأن موضوع تشريح جثث الموتى. ، وقرارُ هيئةِ كبارِ العلماءِ [7455] قرار رقم (47) بتاريخ 20/8/1396هـ ((أبحاث هيئة كبار العلماء)) (2/84). ؛ وذلك لِمَا يترتَّبُ عليه مِن مصالحَ كثيرةٍ؛ كوقاية المجتمَعِ من الأمراضِ الوبائيَّة، وأمَّا مفسدةُ انتهاكِ كرامَةِ الجثَّةِ المُشَرَّحة فمغمورةٌ في جَنْبِ المصالِحِ الكثيرةِ والعامَّةِ المتحَقِّقةِ بسببِ ذلك [7456] ((أبحاث هيئة كبار العلماء)) (2/84).
المسألة الرابعة: من ماتت وفي بَطْنِها جنينٌ يتحرَّكُ
من ماتَتْ وفي بَطْنِها جنينٌ يتحرَّك يُشَقُّ بَطْنُها، إن رُجِيَ حياةُ الجنينِ [7457] قال الماوردي: (إذا ماتت امرأةٌ وفي جَوفِها ولدٌ حَيٌّ؛ فليس للشافعيِّ فيه نصٌّ، لكن قال أبو العباس بن سريج، وهو قول أبي حنيفة وأكثَرِ الفُقَهاء، يُخرَج جوفُها ويُخرَجُ وَلَدُها؛ لأنَّ حرمةَ الحيِّ أوكدُ من حرمةِ المَيِّت). ((الحاوي الكبير)) (3/62). ، وهو مذهبُ الحَنفيَّة [7458] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/203)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 222). ويُنظر: ((تحفة الملوك)) للرازي (ص: 239). ، والشَّافعيَّة [7459] ((المجموع)) للنووي (5/302)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/367). ، وقولٌ للمالكيَّةِ [7460] ((الذخيرة)) للقرافي (2/479)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/145). ، وقولٌ للحنابِلَةِ [7461] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/390). ((جامع المسائل)) لابن تيمية (4/173). ، وهو قولُ ابنِ حَزمٍ [7462] ((المحلى)) لابن حزم (3/395). ، وابنِ عُثيمين [7463] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/333).
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّه استِبقاءُ حيٍّ بإتلافِ جزءٍ مِنَ المَيِّتِ، فأشبَهَ إذا اضطُرَّ إلى أكلِ جُزءٍ مِنَ المَيِّتِ [7464] ((المجموع)) للنووي (5/301).
ثانيًا: لأنَّ حُرمةَ الحَيِّ أعظمُ مِن حُرمة المَيِّت [7465] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/334).
ثالثًا: لأنَّ الحَمْل إنسانٌ معصومٌ؛ فوجب إنقاذُه [7466] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/334).

انظر أيضا: