الموسوعة الفقهية

المطلب السابع: صَلاةُ شِدَّةِ الخوفِ


هي الصِّفة التي جاءتْ في القرآن عندَ اشتدادِ الخوفِ، فيُصلِّي كلُّ شخصٍ كيفما أمْكَنه ذلك، مستقبلًا القِبلةَ، أو غير مستقبلها، يُومِئ بالركوع والسجود كيفما أمكن، ويجعل السجودَ أخفضَ من الركوعِ، ويَسقُطُ عنه مِن الأركانِ ما عجَزَ عنه، وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة الأربعة من الحَنَفيَّة لكن لا يجوزُ عند الحنفيَّة المقاتلة حالَ فِعل الصَّلاة، فإنْ فعَلوا بطَلَتْ صلاتُهم. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/233)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/102). ، والمالِكيَّة ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/178)، ((الذخيرة)) للقرافي (2/441). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/60)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/304). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/18)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/309). ، وهو قول أكثر أهل العلم قال ابن رشد: (أكثرُ العلماء على ما جاء في هذا الحديثِ، من أنَّه إذا اشتدَّ الخوف جاز أن يصلُّوا مستقبلي القِبلة وغيرَ مستقبليها، وإيماءً من غير ركوع ولا سجود. وخالَف في ذلك أبو حنيفة، فقال: لا يُصلِّي الخائف إلَّا إلى القِبلة ولا يُصلي أحدٌ في حال المسايفة) ((بداية المجتهد)) (1/178). وقال ابنُ قُدامة: (أمَّا إذا اشتدَّ الخوف، والْتَحم القتال، فلهم أن يُصلوا كيفما أمكنَهم؛ رجالًا وركبانًا، إلى القِبلة إن أمكنهم، وإلى غيرها إن لم يمكنهم، يُومِئون بالركوع والسجود على قدْر الطاقة، ويجعلون السجودَ أخفضَ من الركوع، ويتقدَّمون ويتأخَّرون، ويَضرِبون ويطعنون، ويَكرُّون ويفرُّون، ولا يُؤخِّرون الصَّلاة عن وقتها، وهذا قولُ أكثرِ أهل العلم) ((المغني)) (2/309). وقال النوويُّ: (يجِب أن يُصلَّى صلاة شِدَّة الخوف، سواء الْتَحم القتال أم لا، ولا يجوز تأخيرُها عن الوقت؛ هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: إن اشتدَّ ولم يلتحمِ القتال، فإنِ الْتَحم قال: يجوز التأخير، دليلنا عمومُ قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا **البقرة: 239**، ويجوز عندنا صلاةُ شِدَّة الخوف رجالًا وركبانًا جماعةً، كما يجوز فُرادى، وبه قال أحمدُ وداود، وقال مالكٌ وأبو حنيفة: لا تجوز). ((المجموع)) (4/433).
الأدلَّة:
أولًا: من الكِتاب
1- قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة: 239]
2- قوله تعالى وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء: 102]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الأمْرَ بأخْذِ السِّلاح في الصلاة لا يكونُ إلَّا للقتالِ به ((العناية)) للبابرتي (2/101).
ثانيًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما كان إذا سُئِل عن صلاةِ الخوف، قال: ((يَتقدَّمُ الإمامُ وطائفةٌ من الناس، فيُصلِّي بهم الإمامُ ركعةً، وتكون طائفةٌ منهم بينهم وبين العدوِّ، لم يُصلُّوا، فإذا صلَّى الذين معه ركعةً استأخروا مكانَ الذين لم يُصلُّوا، ولا يُسلِّمون، ويَتقدَّم الذين لم يُصلُّوا فيُصلُّون معه ركعةً، ثم ينصرف الإمامُ وقد صلَّى رَكعتينِ، فيقوم كلُّ واحد من الطائفتينِ فيُصلُّون لأنفسهم ركعةً بعدَ أن ينصرفَ الإمامُ، فيكون كلُّ واحدٍ من الطائفتينِ قد صلَّى ركعتينِ))، قال ابنُ عمر: (فإنْ كان خوفٌ أشدُّ من ذلك صلَّوْا رِجالًا قيامًا على أقدامهم، أو رُكبانًا، مُستقبِلي القبلة وغيرَ مستقبليها)، قال نافع: (لا أَرَى ابنَ عُمرَ ذكَره إلَّا عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) رواه البخاري (4535) واللفظ له، ومسلم (839).
ثالثًا: قياسًا على مَن لازمتْه النجاسةُ أو المرضُ ((الذخيرة)) للقرافي (2/442).

انظر أيضا: