الموسوعة الفقهية

المطلب الخامس: الجَمْعُ لِلمَطَرِ


الفرع الأول: حُكْمُ الجَمْعِ للمَطَر
يَجوزُ الجمعُ بين الصَّلاتينِ لِمَطرٍ، وهذا مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة ضابط هذا المطر: أن يكون مطرًا غزيرًا، ولو متوقعًا، وهو الذي يحمل الناسَ على تغطية الرأس، أو الطين الذي يمنع المشيَ بالمداس مع ظُلمة الشَّهر. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/ 514)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/70)، ((حاشية الصاوي)) (1/490). ، والشافعيَّة سواءٌ قوِيُّ المطرِ وضعيفُه إذا بلَّ الثوب، ويُشترط وجودُ المطر في أوَّل الصَّلاتين، ويكون الجمع في وقتِ الأولى، ولا يجوزُ في وقتِ الثانيةِ على أصحِّ القولين. يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/397)، ((المجموع)) للنووي (4/378، 382،381). ، والحَنابِلَة المطرُ المبيح للجمْع هو ما يبلُّ الثياب، وتلحق المشقَّةُ بالخروج فيه. وأمَّا الطَّلُّ، والمطر الخفيف الذي لا يبلُّ الثياب، فلا يبيح. يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/202)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/184). ، وبه قال الفقهاءُ السَّبعةُ قال ابنُ قُدامة: (يجوزُ الجمع لأجْل المطر بين المغرب والعشاء. ويُروى ذلك عن ابن عمر، وفَعَله أبانُ بن عثمان في أهل المدينة. وهو قولُ الفقهاء السَّبْعة، ومالكٍ، والأوزاعيِّ، والشافعيِّ، وإسحاقُ، ورُوي عن مَرْوان، وعمر بن عبد العزيز) ((المغني)) (2/202). والمراد بالفقهاء السَّبعة: (سعيد بن المسيَّب، وعروة بن الزُّبير، والقاسم بن محمَّد بن أبي بكر، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعُبَيد الله بن عبدِ اللهِ بن مسعود، وسُليمان بن يسار، وأبو بكر بن عبد الرَّحمن). ينظر ((الذخيرة)) للقرافي (13/343). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك قال ابن قدامة: (ولنا: أنَّ أبا سلمة بن عبد الرحمن. قال: (إنَّ من السُّنَّة إذا كان يومٌ مطير: أن يجمع بين المغرب والعشاء)، رواه الأثرم. وهذا ينصرف إلى سُنَّة رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وقال نافع: (إنَّ عبدَ الله بن عمر كان يجمع إذا جمَع الأمراءُ بين المغرب والعشاء). وقال هشامُ بنُ عُروة: (رأيت أبانَ بن عثمان يَجمَع بين الصلاتين في الليلة المطيرة؛ المغرب والعشاء، فيُصلِّيهما معه عروةُ بن الزبير، وأبو سَلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن، لا يُنكرونه)، ولا يُعرَف لهم في عصرِهم مخالفٌ، فكان إجماعًا) ((المغني)) (2/202).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جمَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين الظُّهرِ والعَصرِ والمغربِ والعِشاءِ بالمدينةِ من غيرِ خوفٍ ولا مَطرٍ. فقيل لابن عَبَّاسٍ: ما أرادَ إلى ذلك؟ قال: أرادَ أنْ لا يُحرِجَ أُمَّتَه )) رواه مسلم (705).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ تَعبيرَ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (مِن غيرِ خَوفٍ ولا مَطرٍ)، يُشعِرُ أنَّ الجَمْعَ للمَطرِ كان معروفًا في عَهدِه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم, ولو لم يَكُنْ كذلك لَمَا كان ثَمَّة فائدةٌ مِن نَفْي المطرِ كسببٍ مسوِّغٍ للجمعِ ((إرواء الغليل)) للألباني (3/40).
2- عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى بالمدينةِ سَبعًا وثمانيًا، الظُّهرَ والعَصرَ، والمغربَ والعِشاءَ. فقال أيُّوبُ: لعلَّه في ليلةٍ مطيرةٍ؟ قال: عسى [5206] رواه البخاري (543)، ومسلم (705).
ثانيًا: من الآثارِ
عن نافعٍ: (أنَّ ابنَ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه كان إذا جَمَعَ الأُمراءُ بين المغربِ والعِشاءِ جمَعَ معهم في المطرِ) رواه مالك في ((الموطأ)) (2/199) (481)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (2/556)، والبيهقي (3/168) (5766). صحَّحه الألباني في ((إرواء الغليل)) (583).
ثالثًا: أنَّ هذا معنًى يَلحَقُ به المشقَّةُ غالبًا؛ فكانَ له تَأثيرٌ في أداءِ الصَّلاةِ في وقتِ الضَّرورةِ كالسَّفرِ والمرضِ ((المنتقى))‏ للباجي (1/257).
الفرع الثاني: الصَّلواتُ التي تُجمَعُ بعُذرِ المَطرِ
تُجمَعُ الظهرُ مع العَصرِ، والمغربُ مع العِشاءِ بعُذرِ المطرِ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/381)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/398). ، ووجْهٌ للحنابلة ((المغني)) لابن قدامة (2/203). ، وبه قال بعضُ السَّلفِ قال ابن عبد البر: (قال الشافعي: يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المطرِ الوابلِ إذا كان المطر دائمًا، ولا يجمع في غيرِ المطر، وبه قال أبو ثور، والطبريُّ؛ لحديث ابن عبَّاس هذا من رِواية مالك وغيرِه، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عبَّاس: أنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جمَعَ بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، في غيرِ خوفٍ ولا سَفرٍ) ((الاستذكار)) (2/212). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال المَرْداوي: (والوجه الآخَر: يجوزُ الجمع كالعشاءين، اختاره القاضي، وأبو الخطاب في الهداية، والشيخُ تقيُّ الدين، وغيرُهم، ولم يذكر ابنُ هُبَيرة عن أحمدَ غيرَه، وجزم به في نهاية ابن رزين ونظمها، والتسهيل، وصحَّحه في المذهب، وقدَّمه في الخُلاصة، وإدراك الغاية، وأطلقهما في مسبوك الذهب، والمستوعب، والتلخيص، والبلغة، وخصال ابن البنا، والطوفي في شرح الخِرَقي، والحاويين) ((الإنصاف)) (2/236). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (لا حرَجَ في الجمْع بين المغرب والعشاء، ولا بين الظهر والعصر، في أصحِّ قوليِ العلماء للمطرِ الذي يشقُّ معه الخروجُ إلى المساجد، وهكذا الدَّحْض والسيول الجارية في الأسواق؛ لِمَا في ذلك من المشقَّة. والأصل في ذلك ما ثبَت في الصَّحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جمَعَ في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء») ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/291). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (الراجح أنه جائزٌ- لهذه الأسباب وغيرِها- بين الظهرين والعشاءين، عند وجود المشقَّةِ بترْك الجمع، كما يُفيده حديثُ ابن عبَّاس رضي الله عنه) ((الشرح الممتع)) (4/392).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الظُّهرَ والعَصرَ جميعًا بالمدينةِ. في غيرِ خوفٍ ولا سفرٍ)) قال أبو الزُّبيرِ: فسألتُ سعيدًا: لِمَ فَعَلَ ذلِك؟ فقال: سألتُ ابنَ عبَّاسٍ كما سألتَني. فقال: أرادَ أنْ لا يُحْرِجَ أحدًا من أُمَّتِه رواه مسلم (705).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الحديثَ دلَّ على مشروعيَّةِ الجَمْعِ بين الظُّهرينِ والعِشاءينِ؛ للحاجةِ ودَفْعِ الحرَجِ، ومن ذلك المطر ((الأوسط)) لابن المنذر (3/136).
2- عن ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى بالمدينةِ سَبعًا وثمانيًا، الظُّهرَ والعصرَ، والمغربَ والعِشاءَ. فقال أيُّوبُ: لعلَّه في ليلةٍ مطيرةٍ؟ قال: عسى [5217] رواه البخاري (543)، ومسلم (705).
ثانيًا: أنَّ الظهر والعصر صلاتانِ يَجوزُ الجمعُ بينهما في السَّفرِ؛ فجاز الجمعُ بينهما في الحضَرِ كالمغربِ والعِشاءِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/398).
ثالثًا: أنَّ المطرَ معنًى أباح الجَمعَ، فأباحَه بين الظُّهرِ والعَصرِ، كالسَّفرِ ((المغني)) لابن قدامة (2/203).

انظر أيضا: