الموسوعة الفقهية

المبحث الثَّاني: حُكم إزالة النَّجاسة


تجِبُ إزالةُ النَّجاسةِ وتتعيَّن عند إرادة الصَّلاة، ونحو ذلك ممَّا تُشترط له الطَّهارةُ من الخَبَث. ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/69)، وينظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازة البخاري (1/195)، ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/599)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/17). ، والحنابلة ((المغني)) لابن قدامة (2/48). ، وقولٌ للمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/188)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/64). وقال ابن عبدِ البَرِّ: (واختلفوا: هل غَسلُ النَّجاسات على ما وصَفْنا فرضٌ أو سنَّةٌ؟...) ((الاستذكار)) (1/331). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابن حزم: (غَسلُ النَّجاسة واجتنابُ المحرَّمات؛ فرضٌ بلا خلافٍ). ((المحلى)) (3/70). وقال ابن عبدِ البَرِّ: (أجمعوا أنَّ مِن شَرْطِ الصلاة طهارةَ الثِّياب والماءِ والبدنِ). ((التمهيد)) (22/242). وقال أيضًا: (احتجُّوا بإجماعِ الجُمهورِ الذين هم الحُجَّة على مَن شذَّ عنهم ولا يُعدُّ خلافُهم خلافًا عليهم: أنَّ من صلَّى عامدًا بالنَّجاسةِ يعلَمُها في بَدَنِه أو ثوبِه أو على الأرضِ التي صلَّى عليها، وهو قادرٌ على إزاحَتِها واجتنابِها وغسْلها ولم يفعلْ، وكانت كثيرةً- أنَّ صلاته باطلةٌ... فدلَّ هذا على ما وصَفْنا مِن أمرِ رَسولِ الله بغَسْلِ النَّجاسات، وغسْلِها له مِن ثَوبه، على أنَّ غَسلَ النَّجاسة فرضٌ واجبٌ). ((الاستذكار)) (1/332). وقال أيضًا: (قال بعض مَن يرى غَسلَ النَّجاسة فرضًا: لَمَّا أجمعوا على أنَّ الكثيرَ مِن النَّجاسة واجبٌ غسْلُه من الثَّوبِ والبدن، وجَبَ أن يكون القليلُ منها في حُكمِ الكَثيرِ كالحَدَث قياسًا، ونظرًا لإجماعِهم على أنَّ قليل الحدَث مِثلُ كثيرِه في نقْض الطَّهارةِ وإيجابِ الوضوءِ فيما عدا النَّومَ، وكذلك دمُ البرغوث... وهذا كلُّه أصلٌ وإجماعٌ.. قالوا: ولَمَّا أجمعوا- إلَّا مَن شذَّ ممَّن لا يُعدُّ خلافًا على الجميع لخروجه عنهم- على أنَّ مَن تعمَّد الصَّلاة بالثَّوب النَّجِس تفْسُدُ صلاتُه ويصلِّيها أبدًا متى ما ذكَرها؛ كان مَن سهَا عن غَسلِ النَّجاسة ونَسِيَها في حُكمِ مَن تعمَّدَها). ((التمهيد)) (22/233). وقال ابن رشد: (أمَّا المَحالُّ التي تُزالُ عنها النَّجاسات فثلاثة، ولا خلاف في ذلك: أحدها: الأبدانُ، ثم الثِّيابُ، ثم المساجدُ ومواضِعُ الصَّلاة، وإنَّما اتَّفق العُلَماءُ على هذه الثَّلاثة; لأنَّها منطوقٌ بها في الكتابِ والسُّنة). ((بداية المجتهد)) (1/89).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
عمومُ قَولِه تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ قال الطبريُّ: (عن محمَّد بن سِيرين: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، قال: اغسلْها بالماءِ... قال ابن زيد في قوله: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ قال: كان المشركونَ لا يتطهَّرون، فأمَرَه أن يتطهَّر، ويطهِّر ثيابَه. وهذا القولُ الذي قاله ابن سيرين وابن زيد في ذلك أظهرُ معانيه). ((جامع البيان)) (23/12). وقال القرطبيُّ: (والمعنى الثاني: غسْلها من النَّجاسة، وهو ظاهرٌ منها، صحيح فيها... قال ابن سِيرين وابن زيد: لا تُصلِّ إلَّا في ثوبٍ طاهر، واحتجَّ بها الشافعيُّ على وجوب طهارة الثَّوب). ((تفسير القرطبي)) (19/66). وقال الشَّوكانيُّ: (المراد بها: الثِّياب الملبوسة على ما هو المعنى اللُّغوي؛ أمَرَه الله سبحانه بتطهير ثيابه، وحِفظها عن النَّجاسات، وإزالة ما وقَع فيها منها). ((فتح القدير)) (5/324). وقال السَّعديُّ: (يدخُلُ في ذلك تطهيرُ الثِّيابِ مِن النَّجاسة؛ فإنَّ ذلك من تمامِ التَّطهيرِ للأعمال، خصوصًا في الصَّلاة، التي قال كثيرٌ من العلماء: إنَّ إزالةَ النَّجاسة عنها شرطٌ مِن شُروط الصَّلاة. ويحتمل أنَّ المرادَ بِثيابِه، الثِّياب المعروفة، وأنَّه مأمورٌ بتطهيرِها عن جميع النَّجاساتِ، في جميع الأوقاتِ، خصوصًا في الدُّخول في الصَّلواتِ، وإذا كان مأمورًا بتطهير الظَّاهر، فإنَّ طهارة الظَّاهِرِ من تمام طهارةِ الباطِنِ). ((تفسير السعدي)) (1/895)، وانظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/223). [المدثر: 4]
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن عبد الله بنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((مرَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على قَبرينِ، فقال: أمَا إنَّهما ليُعذَّبان، وما يُعذَّبان في كبيرٍ، أمَّا أحدُهما فكان يمشي بالنَّميمةِ، وأمَّا الآخَرُ فكان لا يَستَتِرُ من بولِه، قال: فدَعا بعَسيبٍ رَطْبٍ فشَقَّه باثنينِ، ثمَّ غرَس على هذا واحدًا، وعلى هذا واحدًا، ثمَّ قال: لعلَّه أنْ يُخفَّفَ عنهما ما لم يَيبسَا أخرجه البخاري (6052)، ومسلم (292) واللفظ له. وفي روايةٍ بهذا الإسنادِ، غير أنَّه قال: وكان الآخَرَ لا يستنزِهُ عنِ البَولِ، أو مِنَ البولِ )) رواه مسلم (292).
وجه الدَّلالة:
أنَّ الإنسانَ لا يُعذَّبُ إلَّا على ترْك واجبٍ، فدلَّ على وجوبِ التطهُّر من النَّجاسةِ ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (1/326)، ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (1/368).
2- عن أسماءَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: جاءتِ امرأةٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: ((أرأيتَ إحدانا تحيضُ في الثَّوبِ؛ كيف تصنَعُ؟ قال: تَحُتُّه، ثم تَقْرُصُه بالماءِ، وتَنضَحُه، وتُصلِّي فيه )) رواه البخاري (227) واللفظ له، ومسلم (291).
وجه الدَّلالة:
أنَّ الموجِبَ للأمرِ بتطهير الثَّوبِ مِن دمِ الحَيضِ كونُه نجِسًا، ولا خصوصيَّةَ له بذلك، فيُلحَقُ به كلُّ ما كان نجسًا؛ فإنَّه يجِبُ تطهيرُه ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (1/192).

انظر أيضا: