الموسوعة الفقهية

المَطْلَب الرابع: أن يكونَ قد فارَق بلَدَه


يُشترَطُ في قَصْر الصَّلاة في السَّفَر أنْ يكونَ قد خرَج من بيوتِ بلدِه، وفارَق عمرانَها، وترَكها وراءَ ظَهرِه يجوزُ الترخُّص برخص السَّفر في المطار، إذا كان خارج المدينة، أمَّا إذا كان المطارُ داخلَ المدينة فلا يجوز حتى تقلعَ الطائرةُ، وتغادر عامر المدينة. سئل ابن باز: عن حُكْمِ جَمْعِ وقَصْرِ الصلاةِ لركَّاب الطائرة في المطار قبل الرُّكوب، فأجاب: (إذا كنتَ في المطارِ خارج البلد لا بأسَ أن تصلِّيَ الظهر والعصر جَمْعَ تقديمٍ إذا صار الوقت قد دخل، مثل مطار الرياض ومطار جُدَّة خارجَ البلد؛ تصلِّي في المطار، تجمع بين الصَّلاتينِ ولا بأس- والحمد لله- إذا كان قد دخل وقت الظهر أو وقت المغرب) ((فتاوى نور على الدرب)) (13/77). وجاء في فتوى اللجنة الدائمة: (إذا كان المطار خارج المدينة فلكم الجمعُ بين الصلاتين والقصر؛ لأنَّها بدأت في حقكم رُخَص السَّفَر، أمَّا إذا كان المطارُ داخل المدينة فإنَّه لا يجوز الترخُّص برُخَص السَّفَر حتى تُقْلِعَ الطَّائرة وتغادر عامِرَ المدينةِ) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (6/439). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/121)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/33). ، والمالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 143)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/365)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/57). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/346، 347)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/372). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 293)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/191)، ((العدة شرح العمدة)) لبهاء الدين المقدسي (ص: 110). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ المنذر: (وأجمَعوا على أنَّ للذي يُريد السفرَ أنْ يَقصُر الصلاةَ إذا خرَج عن جميع البُيوت من القرية التي خرَج منها) ((الإجماع)) (ص 41). وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/191). وقال البغويُّ: (وأجمَعوا على أنَّه لا يجوز له القصرُ ما لم يخرجْ عن البلد) ((شرح السنة)) (6/313). وقال ابنُ قُدامةَ: (ليس لِمَن نوى السَّفر القصرُ حتى يخرجَ من بيوت قريَّته، ويجعلها وراءَ ظهره. وبهذا قال مالك، والشافعيُّ، والأوزاعيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثور، وحُكِي ذلك عن جماعةٍ من التابعين) ((المغني)) (2/191). وقال النوويُّ: (وأمَّا ابتداء القصر، فيجوز من حين يُفارق بنيانَ بلده، أو خيامَ قومه، إنْ كان من أهل الخيام، هذا جملةُ القول فيه، وتفصيله مشهورٌ في كتب الفقه، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافَّة، إلَّا رواية ضعيفة عن مالك: أنَّه لا يقصر حتى يجاوزَ ثلاثة أميال، وحُكِي عن عطاءٍ وجماعةٍ من أصحاب ابن مسعود أنَّه إذا أراد السفرَ قَصَر قبل خروجه، وعن مجاهد أنَّه لا يَقصُر في يوم خروجه حتى يدخُلَ الليل، وهذه الرِّوايات كلها منابذةٌ للسُّنَّة وإجماعِ السَّلَف والخَلَف) ((شرح النووي على مسلم)) (5/200). وقال أيضًا: (مذهبنا أنَّه إذا فارق بنيانَ البلد قَصَر، ولا يَقصُر قبل مفارقتِها وإنْ فارق منزلَه، وبهذا قال مالكٌ، وأبو حنيفة، وأحمدُ، وجماهيرُ العلماء) ((المجموع)) (4/349).
الأدلَّة:
أولًا: من الكِتاب
قال اللهُ تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا [النساء: 101]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه رتَّب القصرَ على الضَّرْبِ في الأرضِ، والكائنُ في البُيوتِ ليس بضاربٍ في الأرضِ؛ فلا يَقصُر ((الذخيرة)) للقرافي (2/366)، ((المجموع)) للنووي (4/346).
ثانيًا: من السُّنَّة
عن أَنسِ بن مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى الظُّهَر بالمدينةِ أربعًا، وصلَّى العصرَ بذِي الحُلَيفةِ رَكعتينِ رواه البخاري (1547)، ومسلم (690).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه من المعلومِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدَّم النيَّةَ لسفرِه قبلَ الزَّوالِ، ثم أتمَّ الظهرَ؛ لأنَّه صلَّاها قبل خُروجِه، ولم يَقصُرْ حتى خرجَ من المدينةِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/368).
ثالثًا: أنَّ الإقامة تتعلَّقُ بدخولِ بيوتِ البَلدِ فيتعلَّقُ السَّفرُ بالخروجِ عنها ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/33).
رابعًا: أنَّه لَمَّا وجب عليه الإتمامُ إذا دخَلَ بنيانَ بلدِه عند قدومِه من سَفرِه إجماعًا، وجَب أنْ لا يجوزَ له القَصرُ في ابتداءِ خُروجِه قبلَ مُفارقةِ بُنيانِ بلدِه ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/368).
خامسًا: أنَّ المقيمَ في بلدِه وإنْ خرَج عن منزلِه لا يُسمَّى مسافرًا؛ لأنَّ المقيم قد يَخرُج من منزلِه للتصرُّفِ في أشغالِه، فلمْ يجُزْ له القصرُ؛ لعدمِ الشَّرْطِ المبيحِ له ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/369).

انظر أيضا: