الموسوعة الفقهية

المَطلَب الثامن: المفاضلةُ بينَ الصَّلاةِ في مَسجدِ الحيِّ والمسجدِ الأكثرِ جَماعةً


اختَلف أهلُ العلمِ في المفاضلةِ بين الصَّلاةِ في مسجدِ الحيِّ والمسجدِ الأكثرِ جماعةً، على قولين:
القول الأوّل: أنَّ صلاتَه في مسجدِ حيِّه أفضلُ من صلاتِه في المسجدِ الجامعِ، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة [4201]  ((حاشية ابن عابدين)) (1/659)، وينظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (1/455). ، ووجهٌ عند الشافعيَّة [4202] ((روضة الطالبين)) (1/341). ، واختيارُ ابن عُثَيمين [4203] قال ابنُ عُثيمين: (فالحاصل: أنَّ الأفضل أن تُصلِّي في مسجد الحي الذي أنت فيه، سواء كان أكثرَ جماعةً أو أقل؛ لِمَا يترتب على ذلك من المصالح، ثم يليه الأكثر جماعة) ((الشرح الممتع)) (4/152).
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّ هذا سببٌ لعمارتِه [4204] ((الشرح الممتع)) ابن عثيمين (4/152).
ثانيًا: أنَّه يَحصُلُ به التأليفُ للإمامِ وأهلِ الحيِّ، ويَندفِعُ به ما قدْ يكونُ في قلبِ الإمامِ إذا لم تُصلِّ معه [4205] ((الشرح الممتع)) ابن عثيمين (4/152).
ثالثًا: أنَّ مسجدَ الحيِّ له حقُّ الجوارِ عليه [4206] ((روضة الطالبين)) للنووي (1/341)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/659).
القول الثاني: أنَّ المسجدَ الأكثرَ جماعةً مُقدَّمٌ على مسجدِ الجوارِ، وهو مذهبُ الشافعيَّة [4207] ((المجموع)) للنووي (4/198)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/230). واستثنوا حالينِ: (أحدهما: أن تتعطَّل جماعةُ القريب لعدولِه عنه؛ لكونه إمامًا، أو يحضر الناس بحضوره فحينئذٍ يكون القريب أفضل. الثاني: أن يكون إمام البعيد مبتدعًا كالمعتزليِّ وغيره، أو فاسقًا، أو لا يعتقد وجوبَ بعض الأركان، فالقريب أفضل) ((المجموع)) للنووي (4/198) ، والحَنابِلَة [4208] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/152)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/457)، على أنَّ الحنابلة قدَّموا المسجد الذي تُقام فيه الجماعةُ إذا حضَر، على ما كان أكثرَ جمعًا أو أبعدَ. ، وقولٌ للحنفيَّة [4209] قال ابنُ عابدين: (ومسجد حيِّه أفضلُ من الجامع)، أي: الذي جماعته أكثر من مسجد الحيِّ، وهذا أحدُ قولين حكاهما في القنية، والثاني العكس) ((حاشية ابن عابدين)) (1/659).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن أُبيِّ بن كعبٍ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلاةُ الرَّجُلِ مع الرجُلِ أَزْكى من صلاتِه وَحْدَه، وصلاتُه مع الرجُلينِ أزكى من صلاتِه مع الرجلِ، وما كثُرَ فهو أحبُّ إلى الله عزَّ وجلَّ )) رواه أبو داود (554)، والنسائي (2/104)، وأحمد (5/140) (21302). صحَّحه عليُّ بن الـمَديني كما في ((خلاصة البدر المنير)) (1/185)، وقال العقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (2/116): من حديث شُعبة صحيح. وقال النووي في ((المجموع)) (4/197): إسنادُه صحيحٌ إلَّا عبد الله بن أبي بصير الراوي عن أبي فسكتوا عنه. وقال الذهبي في ((المهذب)) (2/1033): إسناده صالح، وله طُرق عن أبي إسحاق تختلف. وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/166): في إسناده اختلاف، والأرجحُ أنه صحيح. وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (2/160): له شاهدٌ قويٌّ. وصحَّحه ابن باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (11/428)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (554).

انظر أيضا: