الموسوعة الفقهية

المبحث العاشر: الجماعةُ في صلاةِ التطوُّع


تجوزُ الجماعةُ في صلاةِ التطوُّعِ إذا لم تُتَّخذْ سُنَّةً راتبةً، وهذا مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة قيَّد المالكيَّةُ الجوازَ بأنْ لا يكون في الجمع الكثيرِ أو المكانِ المشتهر. يُنظر: ((منح الجليل)) لعليش (1/345)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/403)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/11). ، والشافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/219،220)، ((حاشية الجمل)) (1/478). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/439)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/104)، ((اقتضاء الصراط المستقيم)) لابن تيمية (2/140)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (2/227).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((بتُّ ليلةً عندَ خالتي ميمونةَ، فقام النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من اللَّيل، فأتى حاجتَه، ثم غَسَل وجهَه ويديه، ثم نام، ثم قام فأتى القِربةَ، فأطلق شناقَها، ثم توضَّأ وضوءًا بينَ الوضوءينِ، ولم يُكثِر، وقد أبلَغَ، ثم قام فصلَّى، فقمتُ فتمطيتُ؛ كراهيةَ أن يرى أني كنتُ أنتبهُ له، فتوضأتُ، فقامَ فصلَّى، فقمتُ عن يسارِه، فأخَذ بيدي فأدارني عن يمينِه، فتتامَّتْ صلاةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الليلِ ثلاثَ عَشرةَ ركعةً )) رواه البخاري (6316)، ومسلم (763).
2- عن حُذيفةَ بنِ اليمانِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((صليتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ ليلةٍ، فافتتحَ البقرةَ، فقلتُ: يركعُ عند المائةِ، ثم مضَى، فقلتُ: يُصلِّي بها في ركعةٍ، فمضى، فقلتُ: يركع بها، ثم افتتحَ النِّساءَ، فقرأها، ثم افتتحَ آل عِمران، فقرأها، يقرأ مترسلًا، إذا مرَّ بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبَّح، وإذا مرَّ بسؤالٍ سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذٍ تعوَّذ )) رواه مسلم (772).
3- عن محمودِ بنِ الرَّبيعِ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ عِتبانَ بنَ مالكٍ- وهو من أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ممَّن شهِد بدرًا من الأنصارِ- أنَّه أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ الله، قد أنكرتُ بصري، وأنا أُصلِّي لقومي، فإذا كانتِ الأمطارُ سال الوادي الذي بيني وبينهم، لم أستطعْ أنْ آتي مسجدَهم فأُصلِّي بهم، ووددتُ يا رسولَ الله، أنَّك تأتيني فتصلِّي في بيتي، فأتَّخِذه مُصلًّى، قال: فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: سأفعل إنْ شاءَ الله، قال عِتبانُ: فغدَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبو بكرٍ حين ارتفَعَ النهارَ، فاستأذن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأَذِنتُ له، فلم يجلسْ حتى دخَلَ البيتَ، ثم قال: أينَ تُحبُّ أُنْ أُصلِّيَ من بيتِك؟ قال: فأشرتُ له إلى ناحيةٍ من البيت، فقام رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فكَبَّر، فقُمنا فصَفَّنا، فصلَّى ركعتينِ ثم سَلَّم )) رواه البخاري (425)، ومسلم (33).
4- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ جَدَّتَه مُلَيكةَ دعَتْ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لطعامٍ صنعتْه فأكَل منه، ثم قال: قُوموا فَلْأُصَلِّ لَكُمْ, قال أنسٌ: فقمتُ إلى حصيرٍ لنا قد اسودَّ من طولِ ما لُبِسَ فنضحتُه بماءٍ، فقام عليه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وصففتُ أنا واليتيمُ وراءَه، والعجوزُ مِن ورائنا فصلَّى لنا ركعتينِ، ثم انصرَفَ )) [3999] رواه البخاري واللَّفْظُ له (860)، ومسلم (658).
ثانيًا: أنَّ جعْلَ ذلك سنَّةً راتبةً هو خلافُ هَدْي النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّه إنَّما تطوَّعَ بذلك في جماعةٍ قليلة أحيانًا، وإنما كان يقومُ الليلَ وحده، ولم يكُن هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا أصحابه، ولا التابعون يعتادون الاجتماعَ للرَّواتبِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/111، 112)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (2/227).
ثالثًا: أنَّ اتِّخاذَها عادةً فيه مضاهاةٌ لِمَا شرَعه اللهُ وسنَّه؛ فإنَّ العباداتِ المشروعةَ التي تتكرَّرَ بتكرُّرِ الأوقاتِ حتى تصيرَ سُننًا ومواسمَ، قد شرَعَ اللهُ منها ما فيه كفايةُ العبادِ قال ابنُ تيميَّة: (العبادات المشروعة التي تتكرَّر بتكرُّر الأوقات، حتى تصير سُننًا ومواسم، قد شرع الله منها ما فيه كفايةُ العباد، فإذا أُحدث اجتماعٌ زائد على هذه الاجتماعات معتاد، كان ذلك مضاهاةً لِمَا شرَعه الله وسَنَّه). ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/144).

انظر أيضا: