الموسوعة الفقهية

الفَرعُ السَّابعُ: مَن أَوْترَ أوَّلَ الليلِ، ثمَّ قامَ آخِرَه وأرادَ التطوُّعَ


مَن صلَّى الوترَ، ثم أرادَ بعد ذلك أنْ يَتنفَّلَ من الليلِ، فله أنْ يُصلِّي شفعًا ما يشاءُ، ولا يَنقض وترَه قال ابن قدامة في شرح نَقض الوتر: (معناه: أنه إذا قام للتهجُّد يُصلِّي ركعةً تَشفع الوترَ الأول، ثم يُصلي مَثْنَى مثنى، ثم يوتِر في آخر التهجُّد). ((المغني)) (2/120). وقال ابنُ الأثير: («نقْض الوتر»: أي: إبطالُه، وتشفيعه بركعة لِمَن يريد أن يتنفَّلَ بعد أن أوتر). ((النهاية)) (5/107). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (1/369)، وينظر: ((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (1/343)، ((عمدة القاري)) للعيني (17/224). ، والمالِكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/294)، وينظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/118)، ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (3/91)، ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (1/290). ، والشافعيَّة على المشهورِ قال النوويُّ: (إذا أوتر قبل أن يَنام ثم قام وتهجَّد لم ينقضِ الوترَ على الصَّحيح المشهور، وبه قطع الجمهور، بل يتهجَّد بما تيسَّر له شفعًا، وفيه وجهٌ حكاه إمامُ الحرمين وغيره من الخراسانيِّين أنَّه يُصلِّي من أول قيامه ركعةً يشفعه، ثم يتهجد ما شاء ثم يوتر ثانيًا، ويُسمَّى هذا نقض الوتر، والمذهب الأول). ((المجموع)) (4/15، 24، 25)، وينظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/222). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/147)، وينظر: ((مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني)) (ص: 94)، ((المغني)) لابن قدامة (2/120).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن عُروةَ، أنَّ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أخبرته: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصلِّي إحدى عَشرةَ ركعة، كانتْ تلك صلاتَه- تَعني باللَّيل- فيَسجُدُ السجدةَ من ذلك قدْرَ ما يقرأ أحدُكم خمسين آيةً قبلَ أن يرفَع رأسه، ويركعُ ركعتينِ قبل صلاةِ الفجرِ، ثم يضطجعُ على شِقِّه الأيمنِ حتى يأتيَه المؤذِّنُ للصَّلاةِ )) رواه البخاري (994)، ومسلم (736).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى ركعتينِ بعد الوِتْرِ دون أن يَنْقُضَ وِتْرَه قال الترمذيُّ: (رُوي من غير وجهٍ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد صلَّى بعد الوتر) ((سنن الترمذي)) (2/333).
2- عن قَيسِ بن طلقٍ، قال: ((زارنا طلقُ بنُ عليٍّ في يومٍ من رمضان، فأمْسى عندنا وأفطر، ثم قام بنا تلك الليلةَ، ثم انحدَر إلى المسجدِ فصلَّى بأصحابه، حتى إذا بقِيَ الوترُ قدَّم رجلًا، فقال: أَوِترْ بأصحابِك؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: لا وترانِ في ليلةٍ )) رواه أبو داود (1439) واللفظ له، والترمذي (470)، والنسائي (3/229). قال الترمذيُّ: حسنٌ غريب، واحتجَّ به ابنُ حزم في ((المحلى)) (3/50)، وحسَّنه ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/458)، وابن القَطَّان في ((الوهم والإيهام)) (4/145)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (4/317)، وابنُ حجر في ((فتح الباري)) (2/558)، وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (1439).
ثانيًا: مِن الآثار قال الطحاويُّ: (فهذا ابن عباس رضي الله عنهما, وعائذ بن عمرو، وعمار، وأبو هريرة رضي الله عنهما، وعائشة رضي الله عنها، لا يَرون التطوُّعَ بعد الوتر ينقُض الوتر. فهذا أَوْلى عندنا ممَّا رُوي عمَّن خالفهم؛ إذ كان ذلك موافقًا لِمَا رُوي عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن فِعله وقوله). ((شرح معاني الآثار)) (1/343).
عن أبي جَمرةَ، قال: سألتُ عائذًا- وكان من أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، من أصحابِ الشجرة-: هل يُنقَضُ الوتر؟ قال: (إذا أوترتَ مِن أوَّلِه، فلا تُوتِرْ من آخِرِه) رواه البخاري (4176).
ثالثًا: أنَّ الوترَ الأوَّلَ مضى على صحَّتِه؛ فلا يتوجَّه إبطالُه بعدَ فراغِه ((المجموع)) للنووي (4/24، 25).
رابعًا: أنَّ تقدُّمَ الوترِ لا يَمنعُ من استئنافِ صلاةٍ بعدَه ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/294).
خامسًا: أنَّه لا يصحُّ التطوعُ بركعةٍ واحدةٍ في غيرِ الوترِ قال ابن حجر: (إنَّما يصحُّ نقضُ الوتر عند مَن يقول بمشروعيَّة التنفُّل بركعةٍ واحدة غير الوتر، وقد تقدَّم ما فيه). ((فتح الباري)) (2/481).
سادسًا: أنَّه مُحالٌ أن يشفعَ ركعةً قد سلَّم منها ونام مُصلِّيها وتراخَى الأمرُ فيها، وقد كتَبها المَلَكُ الحافظُ وترًا؛ فكيف تعود شفعًا؟! هذا ما لا يصحُّ في قياسٍ ولا نظرٍ ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/118). قال الطحاويُّ: (الذي رُوي عن الآخرين أيضًا، فليس له أصلٌ في النظر؛ لأنَّهم كانوا إذا أرادوا أن يتطوعوا، صلوا ركعة، فيشفعون بها وترًا متقدمًا، قد قطعوا فيما بينه وبين ما شفعوا به، بكلام، وعمل، ونوم، وهذا لا أصلَ له أيضًا في الإجماع، فيعطف عليه هذا الاختلاف؛ فلمَّا كان ذلك كذلك، وخالفه مِن أصحاب رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم, مَن ذَكَرْنا، ورُوي عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيضًا خلافه- انتفَى ذلك، ولم يَجُزِ العمل به). ((شرح معاني الآثار)) (1/343).
سابعًا: الأصلُ في الصلاةِ إذا لم تكُنْ مطلوبةً عدمُ الانعقادِ، فلو أوتر ثانيًا لم يصحَّ وترُه ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/222).

انظر أيضا: