الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الأوَّلُ: الإيداعُ في البُنوكِ الرِّبَويَّةِ معَ وُجودِ مصارِفَ إسلاميَّةٍ


لا يجوزُ إيداعُ الأموالِ في البُنوكِ الرِّبَويَّةِ معَ وُجودِ مصارِفَ إسلاميَّةٍ، نصَّ على ذلك قرارُ المَجمَعِ الفِقهيِّ الإسلاميِّ التَّابِعِ لرابِطةِ العالَمِ الإسلاميِّ [258] جاء في قرارِ المجمَعِ الفِقهيِّ الإسلاميِّ التالي: (... ومِن هنا يُقَرِّرُ المجلِسُ ما يلي: أوَّلًا: يجِبُ على المُسلِمين كافَّةً أن ينتَهوا عمَّا نهى اللهُ تعالى عنه من التَّعامُلِ بالرِّبا، أخذًا وعَطاءً، والمعاونةِ عليه بأيةِ صورةٍ من الصُّوَرِ، حتى لا يحِلَّ بهم عذابُ اللهِ، وحتَّى لا يُؤذَنوا بحربٍ من اللهِ ورسولِه. ثانيًا: يَنظُرُ المجلِسُ بعينِ الارتياحِ والرِّضا إلى قيامِ المصارِفِ الإسلاميَّةِ التي هي البديلُ الشَّرعيُّ للمصارفِ الرِّبويَّةِ، ويُعنى بالمصارِفِ الإسلاميَّةِ كُلُّ مَصرِفٍ ينصُّ نظامُه الأساسيُّ على وجوبِ الالتزامِ بأحكامِ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ الغرَّاءِ في جميعِ معاملاتِه، ويُلزِمُ إدارتَه بوجوبِ وجودِ رَقابةٍ شَرعيَّةٍ مُلزِمةٍ. ويدعو المجلِسُ المُسلِمين في كُلِّ مكانٍ إلى مساندةِ هذه المصارِفِ وشَدِّ أزْرِها، وعَدَمِ الاستماعِ إلى الإشاعاتِ المُغرِضةِ التي تحاوِلُ أن تُشَوِّشَ عليها، وتُشَوِّهَ صورتَها بغيرِ حَقٍّ. ويرى المجلِسُ ضرورةَ التَّوسُّعِ في إنشاءِ هذه المصارِفِ في كُلِّ أقطارِ الإسلامِ، وحيثما وُجِد للمُسلِمين تجمُّعٌ خارجَ أقطارِه؛ حتَّى تتكوَّنَ من هذه المصارفِ شَبكةٌ قويَّةٌ تُهَيِّئُ لاقتصادٍ إسلاميٍّ مُتكامِلٍ. ثالثًا: يحرُمُ على كُلِّ مُسلمٍ يتيسَّرُ له التعامُلُ مع مَصرِفٍ إسلاميٍّ أن يتعامَلَ مع المصارفِ الرِّبَويَّةِ في الدَّاخِلِ أو الخارِجِ؛ إذ لا عُذرَ له في التَّعامُلِ معها بعدَ وُجودِ البديلِ الإسلاميِّ، ويجِبُ عليه أن يستعيضَ عن الخبيثِ بالطَّيِّبِ، ويستغنيَ بالحلالِ عن الحرامِ) ((قرارات المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمنًى في الفترة يوم السبت 12 رجب 1406ه، إلى يوم السبت 19 رجب 1406هـ)). ، واللَّجنةُ الدَّائِمةُ للإفتاءِ بالسُّعوديَّةِ [259] جاء في فتاوى اللَّجنةِ الدَّائِمةِ: (يحرُمُ إيداعُ الأموالِ في البنوكِ الرِّبَويَّةِ، ولو كان بعضُ مُعامَلاتِها رِبَويَّةً وبعضُها غيرَ رِبَويَّةٍ، إلَّا إذا خِفْتَ على ما لديك من النُّقودِ الضَّياعَ، ولم تجِدْ طريقًا لحِفظِها إلَّا البُنوكَ الرِّبَويَّةَ، فلك أن تضَعَها فيها بلا فوائِدَ) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (12/ 80). وجاء فيها أيضًا: (إذا كان الواقِعُ كما ذُكِرَ من أنَّ ذلك البنكَ الإسلاميَّ ليس برِبَويٍّ، وإنَّما يَستثمِرُ الأموالَ وَفقَ الأسُسِ الشَّرعيَّةِ، جاز لك إيداعُ المالِ به لاستِثمارِه) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (13/ 365، 366). ، ودارُ الإفتاءِ بالأردُنِّ [260] جاء في فتوى دارِ الإفتاءِ الأردنيَّةِ: (الموضوعُ: يحرُمُ إيداعُ المالِ واستِثمارُه في البُنوكِ الرِّبَويَّةِ ... يحرُمُ استثمارُ الأموالِ في البُنوكِ الرِّبَويَّةِ، وما ينتُجُ عن هذه الأموالِ يُعَدُّ من الرِّبا المحَرَّمِ، وسبيلُه إخراجُ تلك الزِّيادةِ الرِّبَويَّةِ من المالِ، والتَّصَدُّقُ بها على الفُقَراءِ والمساكينِ؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 278] ) ((موقع دار الإفتاء الأردنية - رقم الفتوى- 741)). ، وابنُ بازٍ [261] قال ابنُ بازٍ: (لا يجوزُ الإيداعُ في البُنوكِ الرِّبَويَّةِ ولو لم تأخُذْ فائدةً؛ لِما في ذلك من إعانتِها على الإثمِ والعُدوانِ، واللهُ سُبحانَه قد نهى عن ذلك، لكِنْ إذا اضطُرِرتَ إلى ذلك ولم تأخُذْ فائدةً ولم تجِدْ ما تحفَظُ مالَك فيه سوى البُنوكِ الرِّبَويَّةِ، فلا حرَجَ إن شاء اللهُ للضَّرورةِ، واللهُ سُبحانَه وتعالى يقولُ: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ومتى وجَدْتَ بنكًا إسلاميًّا أو محَلًّا أمينًا ليس فيه تعاوُنٌ على الإثمِ والعُدوانِ تودِعُ مالَك فيه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (19/419). وقال: (الإيداعُ إذا تيسَّر في بنوكٍ إسلاميَّةٍ أو متاجِرَ إسلاميَّةٍ، لم يجُزِ الإيداعُ في البُنوكِ الرِّبَويَّةِ؛ لزوالِ الضَّرورةِ، ولا يجوزُ للمُسلِمِ أن يعامِلَ الكُفَّارَ ولا غَيرَهم معامَلةً رِبَويَّةً، ولو أراد عَدَمَ تملُّكِ الفائدةِ الرِّبَويَّةِ، بل أراد صَرْفَها في مشاريعَ خَيريَّةٍ؛ لأنَّ التَّعامُلَ بالرِّبا محرَّمٌ بالنَّصِّ والإجماعِ، فلا يجوزُ فِعلُه ولو قَصَد عدَمَ الانتفاعِ بالفائدةِ لنَفسِه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (19/195). ، وابنُ عُثَيمينَ [262] قال ابنُ عُثَيمين: (أمَّا وَضعُ الدَّراهِمِ في البُنوكِ فلا أرى أن توضَعَ إلَّا للحاجةِ، مِثلُ أن يخافَ الإنسانُ على الدَّراهِمِ في بيتِه، فيضَعَها في هذه البُنوكِ للحاجةِ إلى ذلك، وأقولُ: إنَّه يجوزُ وَضعُها في البنوكِ للحاجةِ؛ لأنَّ البُنوكَ ليست رِبًا (100%)؛ إذ إنَّ لها معاملاتٍ كثيرةً طيِّبةً ليست حرامًا، وإلَّا لو كانت معامَلتُها رِبًا (100%) لقُلْنا: لو تحتَرِقُ فُلوسَك لا تضَعْها عندَهم؛ لأنَّك تكونُ مُشارِكًا لهم في الرِّبا، وعلى هذا نقولُ: إن دعت الحاجةُ إلى وَضعِ دراهِمِك في البُنوكِ، فإن كانت البُنوكُ لا تتعامَلُ إلَّا بالرِّبا فلا تضَعْها فيها أبدًا، لو تحتَرِقُ الفُلوسُ، أو تَحفِرُ لها حُفرةً تجعَلُها فيها فلا تضَعْها في البُنوكِ) ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 14). ، والألبانيُّ [263] قال الألبانيُّ: (تُسَمِّي البُنوكُ الرِّبَويَّةُ هذا الفِعلَ مِن وَضعِ المالِ في الحِسابِ دونَ رِبًا: «وديعةً»، وحقيقتُها الشَّرعيَّةُ ليست كذلك؛ إذ تستعمِلُه في الرِّبا، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعَن آكِلَ الرِّبا ومُوكِلَه. وإيداعُ المالِ في البنكِ على الصُّورةِ المذكورةِ إطعامٌ له للرِّبا، وهذا فيه لعنٌ. والعَجَبُ من كثيرٍ من النَّاسِ يتحَرَّجون من أكلِ الرِّبا، ولا يتحَرَّجون من إطعامِه للبُنوكِ، مع أنَّ اللَّعنَ في الحديثِ الثَّابتِ واردٌ في الصُّورتينِ معًا. والأصلُ حُرمةُ التَّعامُلِ مع البنوكِ الرِّبَويَّةِ، ويجوزُ عندَ أشدِّ صُوَرِ الاضطرارِ: التَّعامُلُ معها بحَذَرٍ، والضَّرورةُ تُقَدَّرُ بقَدْرِها) ((موقع جمعية مركز الإمام الألباني - رقم الفتوى: 146)). ، وذلك لتعامُلِ تلك البُنوكِ بالرِّبا، وهو مُحرَّمٌ [264] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/ 129)، ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (9/ 200). .

انظر أيضا: