الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: صفةُ رفعِ اليدينِ


يُسَنُّ رفعُ اليدينِ إلى المَنْكِبَيْنِ، أو إلى الأُذُنَيْنِ، وهو مذهبُ الشافعيَّةِ قال النَّوويُّ: (وأمَّا محل الرَّفْع فقال الشافعيُّ في الأم، ومختصر المزني، والأصحابُ: يرفع حَذْوَ منكبيه، والمراد أنْ تحاذيَ راحتاه منكبيه، قال الرافعي: والمذهب أنه يرفعهما بحيث يحاذي أطرافُ أصابعه أعلى أذنيه، وإبهاماه شَحمتي أُذنيه، وراحتاه مَنْكِبيه، وهذا معنى قول الشافعي والأصحابِ رحمهم الله: يرفعهما حذو منكبيه، وهكذا قاله المتولي والبغوي والغزالي، وقد جمع الشافعي بين الرِّوايات بما ذكرناه، وكذا نقل القاضي أبو الطيِّب في تعليقه، وآخرون عن الشافعي: أنه جمَع بين الروايات الثلاث) ((المجموع)) (3/305) ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/99). والحنابلةِ ((الفروع وتصحيح الفروع)) (2/ 167)، وينظر: ((متن الخرقي)) (ص: 22)، ((المغني)) لابن قدامة (1/339). ، وبه قال بعضُ أهلِ الحديثِ قال ابنُ المنذِر: (وقال بعضُ أصحاب الحديث: المصلِّي بالخيار، إنْ شاء رفع يديه إلى المنكبين، وإنْ شاء إلى الأذنين، وهذا مذهب حسَنٌ، قال أبو بكر: وأنا إلى حديث ابن عمر أميلُ) ((الإشراف)) (2/6). وينظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (4/313). ، وابنُ عبدِ البرِّ قال ابن عبد البرِّ: (اختلفَتِ الآثارُ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في كيفيَّةِ رفع اليدين في الصَّلاةِ؛ فرُوِيَ عنه أنَّه كان يرفع يديه ما فوق أُذُنيه مع رأسه، ورُوِيَ عنه أنَّه كان يرفع يديه حَذوَ أذنيه، ورُوي عنه أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه، ورُوي عنه أنَّه كان يرفعهما إلى صَدْرِه، وكلها آثارٌ معروفة مشهورةٌ، وأثبتُ ما في ذلك حديثُ ابن عمر هذا، وفيه: «حَذْوَ مَنْكِبَيه»، وعليه جمهور التابعينَ وفقهاءُ الأمصار وأهل الحديث، وقد رَوى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه في الإحرامِ حَذْو منكبيه، وفي غير الإحرامِ دون ذلك قليلًا، وكلُّ ذلك واسعٌ حسَنٌ، وابن عمرَ روى الحديث وهو أعلم بمخرَجِه وتأويله، وكل ذلك معمولٌ به عند العلماء، انتهى). ((الاستذكار)) (1/ 412). ، واختارَه ابنُ بازٍ قال ابن باز: (سُنن الصَّلاة ومنها... رفع اليدين مضمومتي الأصابع ممدودة حذوَ المنكبينِ أو الأذنينِ، عند التكبيرِ الأوَّل، وعند الرُّكوع والرفع منه، وعند القيام من التشهُّدِ الأوَّل إلى الثالثة). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/292). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عُثَيمين: (الرفعُ المشروعُ إمَّا إلى المنكبين، وإمَّا إلى فروع الأذنين). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثَيمين)) (13/72). وقال أيضًا: (اختلفوا في العباداتِ الواردة على وجوه متنوِّعةٍ؛ هل الأفضل الاقتصارُ على واحدةٍ منها، أو الأفضل فِعْل جميعها في أوقات شتى، أو الأفضل أن يجمع بين ما يمكن جَمعُه؟ والصحيحُ: القول الثاني الوَسَط، وهو أن العبادات الواردة على وجوه متنوِّعَة تُفعَل مرَّةً على وجهٍ، ومرَّةً على الوجه الآخر، فهنا الرفعُ ورد إلى حَذْو منكبيه، ووَرَدَ إلى فروع أذنيه، وكلٌّ سنَّةٌ، والأفضلُ أن تَفعل هذا مرة، وهذا مرة؛ ليتحقَّق فِعْلُ السنَّة على الوجهين، ولبقاء السنَّة حيَّةً؛ لأنك لو أخذت بوجْهٍ وتركتَ الآخرَ، مات الوجهُ الآخر، فلا يمكن أن تبقى السنَّة حيةً إلَّا إذا كنا نعمل بهذا مرَّةً، وبهذا مرة، ولأنَّ الإنسان إذا عَمِلَ بهذا مرة، وبهذا مرة، صار قلبه حاضرًا عند أداء السنَّة، بخلاف ما إذا اعتاد الشيءَ دائمًا، فإنه يكون فاعلًا له كفِعْلِ الآلة عادةً، وهذا شيءٌ مشاهَد؛ ولهذا مَن لزم الاستفتاحَ بِقَوْلِه: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك» دائمًا تجِدُه من أوَّلِ ما يكبِّر يَشْرَع بـ: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك» من غير شعورٍ؛ لأنَّه اعتاد ذلك، لكنْ لو كان يقول هذا مرَّة، والثاني مرة، صار منتبهًا، ففي فِعْل العبادات الواردة على وجوه متنوِّعة فوائد: 1 - اتِّباع السنَّة. 2 - إحياءُ السنَّة) ((الشرح الممتع)) (3/29، 31).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن مالكِ بنِ الحُويرثِ: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا كبَّرَ رفَعَ يديه حتى يحاذِيَ بهما أذُنَيه، وإذا ركعَ رفَعَ يَدَيه حتى يحاذِيَ بهما أُذُنَيه، وإذا رفَعَ رأسَه مِنَ الرُّكوعِ فقال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، فعَلَ مثلَ ذلك ))  [1830] رواه البخاري (737)، ومسلم (391) واللفظ له.
2- عن أبي حُمَيدٍ السَّاعديِّ رضيَ اللهُ عنه: ((أنَّه قال وهو في عشَرةٍ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحدُهم أبو قَتادةَ: أنا أعلَمُكم بصلاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالوا: ما كنتَ أقدَمَ له صُحبةً، ولا أكثَرَنا له إتيانًا؟! قال: بلى، قالوا: فاعرِضْ! فقال: كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا قام إلى الصَّلاةِ اعتَدَل قائمًا ورفَعَ يديه حتَّى يحاذيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، ثم يكبِّرُ، فإذا أراد أن يركَعَ رفَعَ يدَيْهِ حتَّى يحاذيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، ثم قال: اللهُ أكبَرُ، وركَع... )) رواه أبو داود (730)، والترمذي (304)، وابن ماجه (709) واللفظ له. قال الترمذيُّ: حسن صحيح، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (4/91)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/339)، وصححه النَّووي في ((المجموع)) (3/406)، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (2/416)، وقال: متلقًّى بالقَبول لا علة له، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (304).
3- عن ابنِ عُمرَ رضيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يرفَعُ يديه حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذا افتَتَح الصَّلاةَ... )) [1832] رواه البخاري (735)، ومسلم (390).
ثانيًا: أنَّ كِلَا الأمرينِ مرويٌّ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والأصلُ أنْ يُعمَلَ بكلِّ حديثٍ ((المغني)) لابن قدامة (1/339)، ((حجة الله البالغة)) للدهلوي (1/238).

انظر أيضا: