الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: الصَّلاةُ في الثَّوْبِ المُحَرَّمِ


الفَرْعُ الأوَّلُ: صلاةُ الرجُلِ في ثوبِ حريرٍ
لا يحلُّ للرَّجُلِ لُبسِ ثوبِ الحريرِ، لا في الصَّلاةِ ولا خارجَها، إلَّا إذا لم يَجِدْ غيرَه.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن أبي عُثمانَ النهديِّ، قال: أتانا كتابُ عُمرَ، ونحن مع عُتبةَ بنِ فَرقدٍ بأذربيجان: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهَى عن الحريرِ إلَّا هكذا، وأشار بإصبعيه اللَّتينِ تَليانِ الإبهامَ، قال: فيما عَلِمْنا أنَّه يعني: الأعلامَ [1634] وهو ما يكون في الثِّيابِ من تطريفٍ وتطريزٍ ونحوهما. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/268) ) [1635] رواه البخاري (5828)، ومسلم (2069).
2- عن عُمرَ بن الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما يَلبَسُ الحريرَ في الدُّنيا مَن لا خَلاقَ له في الآخِرةِ )) [1636] رواه البخاري (5835)، ومسلم (2068).
3- عن أبي موسى الأشعريِّ، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أُحِلَّ الذهبُ والحريرُ لإناثِ أمَّتي، وحُرِّمَ على ذُكورِها )) رواه الترمذي (1720)، والنسائي (8/161)، وأحمد (4/392) (19521). قال الطحاويُّ في ((شرح مشكل الآثار)) (12/310): هذا مِن أحسَنِ ما رُوي في هذا الباب. وصحَّحه ابنُ حزم في ((المحلى)) (2/224)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/189): إسنادُه على شرط البخاري ومسلم. وقال محمد الأمين الشِّنقيطيُّ في ((أضواء البيان)) (3/292): مرسَلٌ معتضِد بأحاديثَ كثيرةٍ. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (8/161).
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ [1638] قال النوويُّ: (أجمَع العلماءُ على أنَّه يَحرُم على الرجلِ أن يُصلِّي في ثوبِ حريرٍ؛ هذا التحريمُ إذا وجَد سترةً غيرَ الحرير) ((المجموع)) (3/180).
الفَرْعُ الثاني: الصَّلاةُ في الثوبِ المَغصوبِ
تَحرُمُ الصَّلاةُ في الثوبِ المغصوبِ ونحوِه، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعةِ: الحنفيَّة [1639] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 141). ، والمالكيَّة [1640] ((الذخيرة)) للقرافي (2/110). ، والشافعيَّة [1641] ((روضة الطالبين)) للنووي (1/288)، ((الشرح الكبير)) للرافعي (4/103). ، والحنابلة [1642] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/57). ، واختارَه ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزمٍ: (ولا تجوز الصلاةُ في أرض مغصوبة ولا متملَكة بغير حقٍّ من بَيع فاسد، أو هبة فاسدة، أو نحو ذلك من سائرِ الوجوه... وكذلك الصلاةُ على وطاء مغصوبٍ، أو مأخوذٍ بغير حق. أو على دابَّة مأخوذةٍ بغير حقٍّ، أو في ثوبٍ مأخوذ بغير حقٍّ، أو في بناء مأخوذ بغير حق، وكذلك إن كان مساميرُ السفينة مغصوبةً، أو خيوط الثوب الذي خِيط بها مغصوبة) ((المحلى)) (2/351). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك قال الشوكانيُّ: (وأمَّا المنع مِن لُبس الثوب المغصوب؛ فلكونه ملكَ الغيرِ، وهو حرامٌ بالإجماع) ((الدراري المضية)) (1/80).
الدليل من السُّنَّة:
عن أبي بَكرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: خطبَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ النَّحر، قال: ((... فإنَّ دِماءَكم وأموالَكم عليكم حرامٌ، كحُرمةِ يومِكم هذا، في شَهرِكم هذا، في بلدِكم هذا، إلى يومِ تَلقَوْنَ ربَّكم.. )) رواه البخاري (67)، ومسلم (1679).
الفَرْعُ الثَّالِثُ: صِحَّةُ الصَّلاةِ في الثَّوْبِ المَغْصوبِ
الصَّلاة في الثَّوبِ المغصوبِ صحيحةٌ مع كونِها حرامًا، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (1/404)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/116). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/504)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/253). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/180). ، وروايةٌ عن أحمد [1649] ((المغني)) لابن قدامة (1/420)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/322). ، وهو قولُ جمهورِ العلماءِ [1650] قال النوويُّ: (مذهبنا صحَّة الصلاة في ثوب حرير، وثوب مغصوب وعليهما، وبه قال جمهورُ العلماء، وقال أحمدُ في أصحِّ الروايتين: لا يصحُّ) ((المجموع)) (3/180). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [1651] قال النوويُّ: (الصلاة في الأرض المغصوبة حرامٌ بالإجماع، وصحيحةٌ عندنا، وعند الجمهورِ من الفقهاء وأصحابِ الأصول، وقال أحمد بن حنبل، والجُبائيُّ وغيرُه من المعتزلة: باطلة، واستَدلَّ عليهم الأصوليُّون بإجماعِ مَن قبلهم) ((المجموع)) (3/164). وقال النوويُّ أيضًا- عند مسألة الصلاة في الثوب المغصوب -: (ودليلُنا ما سبَق في مسألة الصلاة في الدار المغصوبة، والله أعلم) ((المجموع)) (3/180).
وذلك لأنَّ النهيَ ليس لمعنًى في الصَّلاةِ؛ فلا يَمنَعُ صِحَّةَ الصَّلاةِ [1652] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/116).

انظر أيضا: