الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثاني: صلاةُ النَّفلِ إذا أُقيمتِ الصَّلاةُ


الفَرْعُ الأول: افتتاحُ صَلاةِ نافلةٍ إذا أُقيمتِ الصَّلاةُ
إذا أُقيمتِ الصَّلاةُ فلا يَفتَتِح غيرَها من النوافِلِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/154)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/267). وكَرِه ذلك الحنفيَّةُ، واستثنوا ركعتي الفجر، إن لم يَخَفْ فوتَ الجماعة. ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/406)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/88)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/20). والظَّاهِرُ أنَّ المذهَبَ عندهم التحريمُ. ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/212)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/252). الشافعية أيضًا يقولون بالكراهة. ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/459)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/329). عندَ الحنابلة إذا أُقيمت الصلاة، فلا يشتغل عنها بنافلةٍ، وإنِ انشغَلَ بها لم تنعقدْ. ، وهو قولُ بعضِ السَّلفِ قال النوويُّ: (قال الشافعيُّ والأصحابُ: إذا أُقيمت الصلاة كره لكلِّ مَن أراد الفريضة افتتاحُ نافلةٍ، سواء كانت سُنَّةً راتبة لتلك الصلاة، أو تحيَّة مسجد، أو غيرها؛ لعموم هذا الحديث، وسواء فرَغَ المؤذِّن من إقامة الصلاة أم كان في أثنائها، وسواء علم أنه يَفرغُ من النافلة ويُدرك إحرام الإمام أم لا؛ لعموم الحديث، هذا مذهبنا، وبه قال عمرُ بن الخطاب وابنُه، وأبو هريرة، وسعيد بن جُبَير، وابن سِيرين، وعروة بن الزُّبير، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور). ((المجموع)) (4/212). وقال ابن قُدامة: (وإذا أُقيمتِ الصَّلاةُ، لم يشتغلْ عنها بنافلةٍ، سواء خشِيَ فوات الركعةِ الأولى أم لم يخْشَ. وبهذا قال أبو هريرة، وابنُ عُمرَ، وعروةُ، وابن سيرين، وسعيد بن جُبَير، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثور). ((المغني)) (1/329).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فلا صلاةَ قال الشوكانيُّ: (قال العراقيُّ: إنَّ قوله: «فلا صلاةَ» يحتمل أن يُراد فلا يَشرَع حينئذٍ في صلاةٍ عند إقامةِ الصلاة، ويحتمل أن يُراد: فلا يشتغل بصلاةٍ وإنْ كان قد شرَع فيها قبل الإقامة، بل يقطعها المصلِّي؛ لإدراك فضيلة التحرُّم، أو أنها تبطُل بنفسها وإن لم يقطعْها المصلِّي، يحتمل كلَا من الأمرين). ((نيل الأوطار)) (3/103). إلَّا المكتوبةَ )) رواه مسلم (710).
ثانيًا: لأنَّ ما يفوتُه معَ الإمامِ أفضلُ ممَّا يأتي به، فلمْ يَشتغِلْ به، كما لو خاف فواتَ الرَّكعةِ ((العدة شرح العمدة)) لبهاء الدين المقدسي (ص: 75).
الفَرْعُ الثاني: إذا أُقيمتِ الصَّلاةُ وهو في صلاة النافلة
ذهب الشَّافعيَّةُ ((المجموع)) للنووي (4/208)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/252). ، والحنابلةُ ((الفروع)) لابن مفلح (2/24)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/156). ، وبعضُ السَّلف قال ابن رجب: (فإن كَانَ قَدْ ابتدأ بالتطوع قَبْلَ الإقامة، ثُمَّ أقيمت الصلاة، ففيه قولان: أحدهما: أَنَّهُ يتم، وَهُوَ قَوْلِ الأكثرين، منهم: النخعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق). ((فتح الباري)) (6/62) إلى أنَّه إذا أُقيمت الصلاةُ وهو في صلاةِ النافلة قال ابن تيميَّة: (إنْ عَلِمَ أنَّ الصَّلاةَ تقام قريبًا، فهل ينبغي أن يَشْرَع في نافلةٍ؟ ينبغي أن يقال إنَّه لا يُستَحَبُّ أن يَشْرَع في نافلةٍ يغلِب على ظَنِّه أنَّ حَدَّ الصلاة يفوته بِسَبَبِها، بل يكون تركُها لإدراك أوَّلِ الصلاة مع الإمامِ وإجابة المؤذِّن هو المشروعَ بما تقدَّم من أنَّ رعايةَ جانب المكتوبة بحدودِها أَوْلَى من سنَّةٍ يمكن قضاؤُها أو لا يُمكِنُ). ((شرح العمدة - كتاب الصلاة)) (4/609). ، فإنَّه يتمُّ صلاتَه يُتِمُّها خفيفةً ويُسْرِعُ فيها. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (6/62)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/392)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/165). ومِنْ أهْلِ العِلْمِ من فَرَّقَ بين كونه صلَّى ركعةً كاملة فيُتِمُّ صلاتَه أو أقلَّ من ركعةٍ فيَقْطَعُها. قال ابن عثيمين: (والصَّحيحُ أن نقول: إذا أقيمتِ الصَّلاةُ وأنت في نافلةٍ؛ فإن كنتَ في الرَّكعة الأولى فاقْطَعْها، وإن كنت في الرَّكعةِ الثانية فأَتِمَّها خفيفةً، وهذا هو الصحيح الذي يمكِنُ أن تجتمِعَ فيه الأدلَّةُ) ((شرح رياض الصالحين)) (6/513)، ويُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/398 - 390). ، إلَّا إذا خاف أن تفوتَه صلاةُ الجماعةِ [784] عند المالكيَّة يقطع إذا خاف فَوْتَ الركعة. جاء في المدونة الكبرى: (وقال مالكٌ في الرجل يفتَتِحُ الصلاة النافلة فتقام عليه الصلاةُ المكتوبةُ قبل أن يركع هو شيئًا، قال: إن كان ممن يخِفُّ عليه الركعتان، مثل الرَّجل الخفيف يَقْدِرُ أن يقرأ فيهما بأمِّ القرآن وحدها في كلِّ ركعةٍ ويدرك الإمامَ، رأيتُ أن يفعَلَ، وإن كان رجلًا ثقيلًا لا يستطيعُ أن يخَفِّفَ رأيتُ أن يقطع بسلامٍ ويدخُلَ في الصلاة) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/188). وفي ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/21): (وإن لم يخْشَ بإتمام ما هو فيه فواتُ ركعةٍ من المقامة فإن كانت التي هو فيها نافلةً أو فريضةً غير المقامة أتمَّها سواء عقد ركعةً أم لا). ومن العلماء من يرى قَطْعَها إذا خشي فواتَ تكبيرةِ الإحرام: قال العراقي: (قال الشيخ أبو حامد من الشافعية: إنَّ الأفضل خروجُه من النافِلَة إذا أداه إتمامُها إلى فوات فضيلة التحريم). انظر: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/104). وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (إذا أقيمَتِ الصَّلاةُ المفروضة فاقطع النافلة التي أنت فيها لتُدْرِكَ تكبيرةَ الإحرام مع الإمامِ؛ لِمَا ثبت من قولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إذا أقيمَتِ الصَّلاةُ فلا صلاةَ إلَّا المكتوبةَ ). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (7/314). ، فإنَّه يقطعُ النَّافلةَ.
لأنَّ في ذلك جمعًا بين النُّصوص؛ فيُتمُّ المصلِّي صلاتَه:
أوَّلًا: لأنَّ الله تعالى قال: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ فنهانا الله عن إبطالِ العملِ، والصَّلاةُ عملٌ.
ثانيًا: لأنَّ النَّهيَ في قولِه: ((فلا صلاةَ إلا المكتوبةُ)) رواه مسلم (710). محمولٌ عَلَى الابتداءِ دونَ الاستدامةِ ((فتح الباري)) لابن رجب (6/62).

انظر أيضا: