الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّل: فُقدان الماء


الفرع الأوَّل: فقدانُ الماء حقيقةً
مِن شُروطِ التيمُّمِ فُقدانُ الماءِ حقيقةً.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قَولُ الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة: 6]
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها زَوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالت: ((خرجْنا مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بعض أسفاره، حتى إذا كنَّا بالبيداءِ أو بذاتِ الجَيشِ، انقطع عِقدٌ لي، فأقام رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على التِماسِه، وأقام النَّاسُ معه وليسوا على ماء، فأَتى النَّاسُ إلى أبي بكرٍ الصِّدِّيق، فقالوا: ألَا ترى ما صنعتْ عائشةُ؟! أقامت برسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والنَّاسِ وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماءٌ، فجاء أبو بكرٍ، ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واضعٌ رأسَه على فخِذي قد نام، فقال: حبسْتِ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والناسَ، وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماءٌ! فقالت عائشةُ: فعاتبني أبو بكرٍ، وقال ما شاءَ اللهُ أن يقولَ، وجعل يطعُنُني بيَدِه في خاصِرَتي، فلا يمنَعُني من التحرُّكِ إلَّا مكانُ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على فخِذي، فقام رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين أصبَحَ على غيرِ ماءٍ، فأنزل اللهُ آيةَ التيمُّمِ فتيمَّموا، فقال أُسَيدُ بنُ الحُضَيرِ: ما هي بأوَّلِ بركَتِكم يا آلَ أبي بكرٍ! قالت: فبعَثْنا البعيرَ الذي كنتُ عليه، فأصبْنا العِقدَ تحتَه )) رواه البخاري (334) واللفظ له، ومسلم (367).
ثالثًا: من الإجماع
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البَرِّ قال ابن عبدِ البَرِّ: (التيمُّم للمريضِ والمسافِرِ إذا لم يجِد الماء؛ بالكتابِ والسُّنة والإجماعِ، إلَّا ما ذكرْتُ لك في تيمُّم الجنُبِ). ((الاستذكار)) (1/316). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (إذا عدِمَ الماءَ بعد طَلَبِه المعتبَر، جاز له التيمُّمُ؛ للآية والأحاديث الصَّحيحة، والإجماعِ). ((المجموع)) (2/261). ، والشنقيطيُّ قال الشنقيطيُّ: (لإجماع المسلمين على صحَّة الصَّلاةِ بالتيمُّم عند فقْدِ الماءِ). ((أضواء البيان)) (1/364).
الفرع الثَّاني: إذا وَجَد ماءً لا يكفي لطهارته
اختلف أهلُ العلمِ فيمَن وجد ماءً لا يكفيه لطهارَتِه، على قولين:
القول الأوّل: يَستعمِلُ الماءَ أولًا؛ ثمَّ يتيمَّمُ لِمَا بقِي من أعضائِه، وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/96)، ((المجموع)) للنووي (2/268). ، والحنابلة ((مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى)) (1/199)، وينظر: ((العدة شرح العمدة)) (ص: 49). ، وبه قالت طائفة من السَّلَف قال النوويُّ: (حكاه ابنُ الصبَّاغ عن عطاءٍ، والحسنِ بنِ صالحٍ، ومَعمَر بنِ راشدٍ). ((المجموع)) (2/268). ، واختاره ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أمرتُكم بأمرٍ فأْتُوا منه ما استطَعْتم))، وهذا مُستطيعٌ لِأنْ يأتيَ ببعض وضوئِه، أو ببعض غُسلِه، غيرُ مستطيعٍ على باقيه، ففرْضٌ عليه أن يأتيَ من الغُسل بما يستطيعُ في الأوَّلِ فالأوَّلِ مِن أعضاء الوضوء وأعضاءِ الغُسل حيث بلغ، فإذا نفِد لَزِمَه التيمُّم لباقي أعضائه ولا بدَّ؛ لأنَّه غيرُ واجدٍ للماء في تطهيرها، فالواجِبُ عليه تعويضُ التُّراب كما أمَرَه الله تعالى، فلو كان بعضُ أعضائِه ذاهبًا، أو لا يقدِر على مسِّه الماءَ لجُرحٍ أو كَسر، سقط حُكمُه، قلَّ أو كثُر، وأجزأه غَسلُ ما بقي؛ لأنَّه واجدٌ للماء عاجزٌ عن تطهيرِ الأعضاءِ، وليس من أهل التيمُّمِ لوجودِه الماء، وسقط عنه ما عجز عنه؛ لقول الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا **البقرة: 286** وبالله التوفيق) ((المحلى)) (1/362). ، وابن باز قال ابن باز: (يقول الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، ويقول النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أمرتُكم بأمرٍ، فأْتُوا منه ما استطعتُم))، فإذا كان الإنسانُ في مكان ليس فيه ماءٌ، إلَّا قليلٌ لا يكفي للغُسلِ، فإنَّه يَغسِلُ ما أمكَنَ به من جسِده، ثم يتيمَّمُ عن الباقي؛ لأنَّه معذورٌ كالذي في البرِّية، أو في سَجنٍ لا يُعطى ماءً إلَّا لشُربِه، وليس عنده ماءٌ يكفيه للغُسلِ، ولا يُعطى ماءً للغُسلِ، فإنَّه يغتسِلُ بالذي عنده، فيَغسِلُ بعضَ بَدَنِه؛ رأسَه وصَدرَه، ونحو ذلك، ويَستنجي منه، ويتيمَّمُ للباقي؛ يعني: يضرِبُ التُّراب بيديه بنيَّة الطَّهارةِ، فيمسَحُ بهما وجهَه وكفَّيه عن بقيَّةِ بَدَنِه، ناويًا بذلك الطَّهارةَ مِن الجنابة، وإنْ نوى الطَّهارةَ مِن الجنابة وجميعِ الأحداث، صحَّ ذلك، وصارت طهارتُه كاملةً عن الحدَث الأصغرِ والأكبر جميعًا؛ عملًا بقولِه سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ((فتاوى نور على الدرب)) (5/313). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين أيضًا: (عليه أن يستعمِلَ الماء أولًا، ثمَّ يتيمَّم للباقي؛ لأنَّه لو تيمَّم مع وجودِ الماء لم يصدُقْ عليه أنَّه عادِمٌ للماء، ودليلُ ذلك قَولُ الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا، وقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وقول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أمرتُكم بأمرٍ، فأْتُوا منه ما استطعتُم))، فإذا غسَلَ ما استطاع وانتهى الماءُ، فإنَّه بهذا الفِعلِ اتَّقى الله، وما بقِي فالماءُ متعذِّرٌ، فيرجِعُ إلى بدَلِه وهو التيمُّم). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/235).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
1- قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء: 43]
وجه الدَّلالة:
 أنَّ هذا واجدٌ للماءِ، فيجبُ ألَّا يتيمَّم أولًا وهو واجِدٌ له ((المجموع)) للنووي (2/268).
2- قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]
وجه الدَّلالة:
أنَّنا مأمورونَ بغَسلِ الأعضاءِ، فغَسَلْنا الوجهَ واليدينِ، وانتهى الماء، فاتَّقينا اللهَ بهذا الفِعل، وتيمَّمنا لمسحِ الرَّأسِ، وغَسلِ الرِّجلين؛ لتعذُّرِ الماء، فاتَّقينا اللهَ بهذا الفِعل أيضًا، فلا تضادَّ بين الغَسلِ والتيمُّم؛ إذ الكلُّ من تقوى اللهِ ((الشرح الممتع)) (1/382).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((فإذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجتَنِبوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأْتُوا منه ما استطعتُم )) رواه البخاري (7288) واللفظ له، ومسلم (1337).
ثالثًا: أنَّ سبَبَ تقديمِ استعمالِ الماء؛ لِيصدُقَ عليه إذا تيمَّم أنَّه عادِمٌ للماء ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/382).
القول الثاني: إذا وجد ماءً لا يكفي لطهارَتِه، فإنَّه يتيمَّمُ، ولا حاجةَ إلى استعمالِ الماء، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ((تبيين الحقائق للزيلعي وحاشية الشلبي)) (1/41)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/232). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/331)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/487). ، وهو قولُ الشافعيِّ في القديم ((المجموع)) للنووي (2/268). ، وبه قالت طائفةٌ من السَّلف قال النوويُّ: (القول الآخَر هو مذهَبُ مالك، وأبي حنيفة، وسفيان الثوريِّ، والأوزاعيِّ، والمُزَني، وابن المُنذِر). ((المجموع)) (2/268). ، واختارَه ابن المُنذِر ((الأوسط)) (1/264). ، وحُكي عن أكثَرِ العُلَماءِ قال النوويُّ: (قال البغويُّ: وهو قول أكثر العلماء). ((المجموع)) (2/268).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا [النساء: 43]
وجه الدَّلالة:
أنَّ اللهَ تعالى جعَل فرْضَه أحدَ شيئين؛ إمَّا الماءَ، وإمَّا التُّرابَ، فإن لم يكن الماءُ مُغنيًا عن التيمُّم، كان غيرَ موجودٍ شرعًا ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/487).
ثانيًا: أنَّ عدَمَ بَعضِ الأصلِ بمنزلةِ عَدَمِ الجميعِ، في جواز الاقتصارِ على البَدل ((المجموع)) للنووي (2/268).
ثالثًا: أنَّ مُستعمِلَ ما لا يكفي لطهارَتِه لا يُسمَّى مُتوضِّئًا، ولا يصدُقُ عليه أنَّه قد فعل ما أمَرَه الله من الوضوءِ قال الشَّوكانيُّ: (أقول: قد جعَل الله عزَّ وجلَّ رخصةَ التيمُّم ثابتةً لمن لم يجِد ماءً يتوضَّأ به، فمن وجد ماءً يتوضَّأُ به الوضوءَ الذي ورد به الشَّرع، ويستوفي غَسلَ أعضاء الوضوء، فلا يحِلُّ له العدولُ إلى رُخصة التيمُّم، وإذا وجد مِن الماء ما يكفي بعضَ أعضاءِ الوضوءِ دونَ البعضِ، فهو في حُكمِ العادم لِمَا يكفي للوضوءِ، ولا حُكمَ لوجودِ ما يكفي لبعضِ الوضوء؛ فإنَّ فاعِلَ ذلك لا يُسمَّى متوضِّئًا، ولا يصدُقُ عليه أنه قد فعل ما أمَرَه الله من الوضوءِ، فالواجِبُ عليه ترْكُ غَسلِ ذلك البعضِ الذي لم يجِد من الماء إلَّا ما يكفيه، ويعدِلُ إلى التيمُّم، ولم يرِدْ ما يدلُّ على خلافِ هذا، وهكذا مَن وجَد ما يكفيه لغَسلِ بعضِ بدنه، عدَل إلى التيمُّمِ، وتيمَّم مرَّة واحدةً، وصلَّى ما شاء حتَّى يجِدَ الماء، أو يُحدِث، ولا يَغسِل بعضَ بدنه، ويترُك بعضًا). ((السيل الجرار)) (ص: 86).
الفرع الثَّالث: إذا وجد المُحدِثُ ماءً يكفي لإزالة النَّجاسةِ على بَدَنِه فقط
إذا كان الماءُ لا يكفي إلَّا لإزالةِ النَّجاسةِ على بدنه فقط، فإنَّه يغسِلُ بها النَّجاسة، ويتيمَّمُ عن حدَثِه، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/146)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/57). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/97)، ((المجموع)) للنووي (2/270). ، والحنابلة ((الإقناع)) (1/53)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/201)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/252). وقال ابن قدامة: (إنِ اجتمع عليه نجاسةٌ وحدَث، ومعه ما لا يكفي إلَّا أحدَهما، غسَل النَّجاسةَ وتيمَّم للحدَث؛ نصَّ على هذا أحمد، وقال الخلَّال: اتَّفق أبو عبد الله وسفيانُ على هذا، ولا نعلَمُ فيه خلافًا). ((المغني)) (1/201)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/252). ، وهو قولٌ للمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/223). ، وقولُ داودَ الظاهريِّ ((المجموع)) للنووي (2/270).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ التيمُّمَ للحَدَثِ ثابتٌ بالإجماع، والتيمُّمَ للنَّجاسةِ مختلَف فيه ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/252).
ثانيًا: أنَّه يتعيَّنُ عليه غَسلُ النَّجاسة؛ لأنَّه لا بدَلَ لها، بخِلاف الحدَث ((المجموع)) للنووي (2/270).
الفرع الرَّابع: إذا وجد ماءً يحتاجُه للشُّرب
من كان معه ماءٌ يسيرٌ يكفيه لشُربه فقط، ففرْضُه التيمُّمُ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
عمومُ قَولِ الله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء: 29] ، وقوله تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: 195]
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِر قال ابن المُنذِر: (أجمع كلُّ مَن أحفظ عنه من أهلِ العِلمِ على أنَّ المسافِرَ إذا خشِي على نفسِه العطشَ ومعه مقدارُ ما يتطهَّرُ به من الماء، أنَّه يُبقي ماءَه للشُّربِ ويتيمَّم). ((الأوسط)) (2/28). وقال ابن رجب: (سبَق قول عليٍّ وابن عبَّاس في ذلك، وحكايةُ أحمد له عن عدَّة من الصَّحابة، وقد ذكر ابنُ المُنذِر أنَّه إجماعُ مَن يَحفظ عنه من أهلِ العِلمِ، وسمَّى منهم جماعةً كثيرة). ((فتح الباري)) (2/81). ، والكاسانيُّ قال الكاسانيُّ: (... لأنَّ الأمَّة أجمَعَت على أنَّ من كان في السَّفَرِ ومعه ماءٌ يكفيه لوضوئِه، وهو بحالٍ يخافُ على نفسِه العَطَشَ، يُباحُ له التيمُّم). (بدائع الصنائع)) (1/68). ، وابنُ حَجر قال ابن حجر: (قوله: (باب إذا خاف الجُنُب على نفسِه المرَض... إلخ) مراده: إلحاقُ خَوفِ المرض- وفيه اختلافٌ بين الفقهاء- بخوفِ العَطَش- ولا اختلافَ فيه). ((فتح الباري)) (1/454).
الفرع الخامس: إذا تيمَّم ناسيًا وجودَ الماء
مَن تيمَّم ناسيًا وجودَ الماء، فإنَّه تلزَمُه إعادةُ الصَّلاةِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة قيَّده المالكيَّة بالإعادةِ في الوقت، أمَّا بعدَه فلا. ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (1/160)، ((حاشية العدوي)) (1/285). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/264)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/91). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/202)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/178). ، وبه قال أبو يوسف من الحنفيَّة ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/27)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/140).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا [النساء: 43]
وجه الدَّلالة:
أنَّ وجودَ الماء لا يُنافيه النِّسيان، وإنَّما يُنافيه العَدَمُ، والتيمُّم مشروطٌ بعدمِ الوجودِ للآية، ولم يتحقَّقِ الشَّرطُ ((الذخيرة)) للقرافي (1/362)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/169).
ثانيًا: أنَّ التطهُّرَ بالماء شرْطٌ مع الذِّكر، فلم يسقُط بالنِّسيان كالحدَثِ ((المجموع)) للنووي (2/264)، ((المغني)) لابن قدامة (1/178)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/169)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/387).
ثالثًا: قياسًا على نِسيان الرَّقَبة في مِلكه في الكفَّارةِ، فإنَّه لا يُجزِئُه الصَّومُ، وقياسًا على الجَبيرةِ إذا صحَّت ونَسِيَ أن ينزِعَها ويغسِلَ ما تحتها، وقياسًا على الخُفِّ إذا نسي غَسْل ما تحته، والعلَّةُ في الجميع نِسيانُ الشَّرطِ ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/141)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/362).
رابعًا: أنَّه واجدٌ للماءِ، ولكنَّه لم يقِفْ عليه، فيُعيد الصَّلاة، كما لو نَسِيَ ستر العورةِ في الصَّلاةِ، فإنَّه يُعيدُها ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/91)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/387).
الفرع السَّادس: طلَبُ الماء
المسألة الأولى: حكمُ طَلَبِ الماء
يجبُ طلَبُ الماءِ قبل التيمُّم، إلَّا إن تيقَّنَ عَدَمَه قدَّر بعضهم المسافة التي يجب أن يُطلَب فيها الماء بأن تكون أقلَّ من ميلٍ، وبعضهم حدَّدها بأن تكونَ أقلَّ من ميلين، وبعضُهم قال البُعدُ والقرب مرجِعُه إلى العُرف. قال ابن عثيمين: (إذا كان أناسٌ في البرِّيَّة وليس عندهم ماء، فإنَّهم يُعذَرونَ بالتيمُّم إذا كان يَشُقُّ عليهم طلَبُ الماء، والعِبرةُ في ذلك العُرْف، أعني: ما جرَت العادةُ، أو ما قال النَّاس: إنَّه بعيدٌ، فإنَّه بعيد، وما قال النَّاس: إنَّه قريبٌ، فهو قريب، أي: ليس فيه حدٌّ شرعيٌّ). ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 2). ؛ فإنْ تيمَّمَ قبل الطَّلَب لم يُجزئه ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/263)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/67)، ((المغني)) لابن قدامة (1/174)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/94). ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/183)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/59). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/248)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/87). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/465)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/174).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاء [النساء: 43]
وجه الدَّلالة:
أنَّه لا يصدُقُ عليه أنَّه لم يجِدِ الماء، إلَّا إذا طلب الماءَ ولم يَجِدْه ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/263)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/386).
ثانيًا: أنَّ الوضوءَ مِن شرائط الصَّلاة، فلم تَجُز مُفارقتُه إلَّا بعد طَلَبه بحَسَب العادةِ في مِثله، كالبَحثِ عن جهةِ القِبلة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/264)، ((المغني)) لابن قدامة (1/174).
المسألة الثَّانية: وقتُ طَلَبِ الماء
يجِبُ طلَبُ الماء بعد دخولِ وَقتِ الصَّلاة؛ نصَّ على هذا الجُمهورُ: المالكيَّة ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/183)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/189). ، والشَّافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/88)، وينظر: ((البيان)) لابن أبي الخير العمراني (1/289). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/168)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/53).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ... فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا [المائدة: 6]
وجه الدَّلالة:
أنَّ قوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ عبارةٌ عن دخولِ الوَقتِ، فوجب أن يكونَ قَولُه سبحانه: فَلَمْ تَجِدُوا عبارةً عن عدم الوِجدانِ بعد دخولِ الوَقتِ، وعدَمُ الوِجدان بعد دخولِ الوَقتِ مشروطٌ بحصولِ الطَّلَبِ بعد دخولِ الوَقتِ، فعلمنا أنَّه لا بدَّ من الطَّلَب بعد دخولِ الوَقتِ ((تفسير الرازي)) (11/315)، ويُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 180).
ثانيا: مِن السُّنَّةِ:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((سقَطَتْ قِلادَةٌ لي بالبَيداءِ، ونحن داخِلونَ المدينةَ، فأناخ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونزَل، فثَنى رأسَه في حَجري راقدًا، أقبَل أبو بكرٍ فلكَزني لَكزَةً شديدةً، وقال: حبَسْتِ الناسَ في قِلادَةٍ، فَبِي المَوتُ لمكانِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد أوجَعَني، ثمَّ إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استَيقَظ، وحضَرَتِ الصُّبحُ، فالتُمِس الماءُ فلم يوجَدُ، فنزَلَتْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ الآية، فقال أُسَيدُ بن حُضَيرٍ: لقد بارَك اللهُ للنَّاسِ فيكم يا آلَ أبي بكرٍ؛ ما أنتم إلَّا بركةٌ لهم )) رواه البخاري (4608) واللفظ له، ومسلم (367).
وجه الدَّلالة:
أنَّ التِماسَ الماءَ بعد حضورِ صلاةِ الصُّبح، يدلُّ على أنَّ طلَبَ الماء لا يجب إلَّا بعد دُخولِ وقت الصَّلاة قال ابن حجر: (وأمَّا رواية عمرو بن الحارث، فلفظها: ((ثمَّ إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استيقَظَ وحضَرَتِ الصُّبحُ))، فإن أعرِبَتِ الواوُ حاليَّةً كان دليلًا على أنَّ الاستيقاظَ وقَع حالَ وجودِ الصَّباح، وهو الظاهِرُ، واستُدلَّ به على الرُّخصةِ في ترْك التهجُّدِ في السَّفر إن ثبت أنَّ التهجُّدَ كان واجبًا عليه، وعلى أنَّ طلَبَ الماء لا يجِبُ إلَّا بعد دخولِ الوَقتِ؛ لقوله في روايةِ عمرو بن الحارث- بعد قوله: ((وحَضَرتِ الصبحُ))-: ((فالتمَس الماءَ فلم يوجَدْ)).) ((فتح الباري)) (1/433)، ويُنظر: ((شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك)) (1/221).
المسألة الثَّالثة: مَن تيقَّن أو غلب على ظنِّه وجودُ الماء آخِرَ الوقتِ
من تيقَّن أو غلَب على ظنِّه وجودُ الماء آخِرَ الوقت، فإنَّ تأخيرَ التيمُّم له أفضل، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: فرَّق الشافعية بين حالةِ التيقُّن، فالأفضلُ تأخيرُ التيمُّم، وبين غلبةِ الظَّنِّ فالأفضَلُ تقديمُ التيمُّمِ على الأظهَرِ عندهم. ((المجموع)) للنووي (2/260- 261)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/89). الحنفيَّة ((تبيين الحقائق للزيلعي وحاشية الشلبي)) (1/41، 42)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (1/135). ، والمالكيَّة المتردِّدُ عندهم في وجود الماء، يتيمَّم وسَطَ الوقتِ؛ لأنه يؤخر الصلاة رجاء إدراك فضيلة الماء ما لم يخف فضيلة أول الوقت فإذا خاف فواتها تيمم وصلى لئلا تفوته الفضيلتان. ((التاج والإكليل)) للمواق (1/355)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/521). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/217)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/178).
وذلك للآتي:
ثانيًا: أنَّ الطَّهارةَ بالماء فريضةٌ، والصَّلاةُ في أوَّلِ الوقتِ فضيلةٌ، وانتظارُ الفريضةِ أوْلى ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/178).
ثالثًا: أنَّه إذا كان يُستحبُّ التأخيرُ للصَّلاةِ إلى بعد العَشاءِ وقضاءِ الحاجة؛ كي لا يذهَبَ خشوعُها وحضورُ القَلبِ فيها، ويُستحبُّ تأخيرُها لإدراكِ الجَماعة؛ فتأخيرُها لإدراك الطَّهارةِ المُشترَطة أوْلى ((المغني)) لابن قدامة (1/179).

انظر أيضا: