الموسوعة الفقهية

المطلب الخامس: الحثو على الرَّأس ثلاثًا


يُستحبُّ أن يحثُوَ على رأسِه ثلاثًا في الغُسلِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/14)، ((العناية شرح الهداية)) (1/58). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (1/137)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/406). ، والشَّافعيَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/220)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/227). ، والحنابلة ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/213)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/152). ، واختاره ابنُ حَزمٍ قال ابن حزم: (يُفيضُ الماءَ على رأسِه ثلاثًا بِيَده). ((المحلى)) (1/275).
الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:
1- عن ميمونةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((أدنيتُ لرسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غُسلَه من الجَنابة، فغسَلَ كفَّيه مرَّتين أو ثلاثًا، ثمَّ أدخَلَ يدَه في الإناءِ، ثمَّ أفرغ على فرْجِه وغَسَله بشِمالِه، ثمَّ ضرب بشِمالِه الأرض فدلَكها دلكًا شديدًا، ثمَّ توضَّأ وضوءَه للصَّلاة، ثم َّأفرغ على رأسِه ثلاثَ حَفَنات مِلءَ كفِّه، ثمَّ غَسلَ سائِرَ جَسدِه )) رواه البخاري (259)، ومسلم (317) واللفظ له.
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها في صِفة غُسل النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ثمَّ يأخُذُ الماء فيُدخِلُ أصابعَه في أصول الشَّعرِ حتَّى إذا رأى أنْ قدِ استبرَأَ حفَن على رأسِه ثَلاثَ حَفَناتٍ )) رواه البخاري (272)، ومسلم (316) واللفظ له.
3- عن جُبير بن مُطعِم رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أمَّا أنا فأُفِيضُ على رأسي ثلاثًا، وأشارَ بيديه كِلتَيهما )) رواه البخاري (254) واللفظ له، ومسلم (327).
4- عن جابرِ بنِ عبد الله رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُفرِغُ على رأسِه ثلاثًا)) رواه البخاري (255) واللفظ له، ومسلم (329).
فرعٌ: تثليث إفاضةِ الماءِ على سائِرِ الجَسَدِ
لا يُستحبُّ التَّثليثُ في إفاضةِ الماءِ على سائرِ الجَسد عدَا الرَّأس وممَّا ينبغي للمُغتسل مراعاتُه: الاقتصادُ في ماء الغُسلِ. وقد نقَل بعضُ أهلِ العِلم الإجماعَ على النَّهي عن الإسرافِ في الماء؛ قال النووي: (أجمَعَ العُلَماءُ على النَّهيِ عن الإسرافِ في الماء، ولو كان على شاطئِ البَحر). ((شرح النووي على مسلم)) (4/2). ؛ وهو المشهورُ مِن مذهب المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/330)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/306-307). ، وروايةٌ عن أحمد ((الإنصاف)) للماوردي (1/185)، وينظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (1/267). ، واختاره الخِرقيُّ ((فتح الباري)) لابن رجب (1/267). ، وابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (إنَّ مَن نقل غُسلَ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، كعائشةَ وميمونةَ، لم ينقُل أنَّه غسَل بدَنَه كلَّه ثلاثًا، بل ذكَر أنَّه بعد الوُضوءِ وتخليلِ أصولِ الشَّعرِ حثَا حَثيةً على شِقِّ رأسِه، وأنَّه أفاضَ الماءَ بعد ذلك على سائِرِ بدنه). ((مجموع فتاوى ابن تيميَّة)) (20/369-370). ، والزَّركشيُّ قال الزَّركشيُّ: (هو ظاهر الأحاديث). ((الإنصاف)) للمرداوي (1/185). ، وابنُ رجب قال ابن رجب: (ظاهر هذه الأحاديث يدلُّ على أنَّ النَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اكتفى بإفاضةِ الماء على جسَدِه من غير ذلك). ((فتح الباري)) (1/268). ، والسَّعديُّ قال السعديُّ: (لهذا شُرع في هذا النَّوع: العددُ، والتَّثليثُ في الوضوء وفي الغُسلِِ كلِّه؛ على المذهب، وعلى الصَّحيح: لا يُشرَعُ إلَّا تثليثُ إفاضةِ الماء على الرَّأس). ((إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأيسر الطرق والأسباب)) (ص: 17). وابنُ باز قال ابن باز: (لا يعمُّ بدَنَه غَسلًا، ثلاثًا؛ لا دليلَ عليه، وخلافُ ظاهِرِ النُّصوص). ((اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية وآراؤه في قضايا معاصرة- منقول من شرح الروض المربع)) لخالد آل حامد (1/248).
الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:
1- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتوضَّأ بالمُدِّ، ويَغتسِلُ بالصَّاعِ إلى خمسةِ أمدادٍ )) رواه البخاري (201)، ومسلم (325) واللفظ له.
وجه الدَّلالة:
 أنَّه لو كانت السُّنة في الغُسلِ غَسْلَ البدنِ ثلاثَ مرَّات؛ لمَا كفَى في ذلك الصَّاعُ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (20/370).
2- عن ميمونةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((وضعتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ماءً للغُسلِ، فغَسَل يديه مرَّتين- أو ثلاثًا- ثمَّ أفرغَ على شِماله فغسَلَ مذاكيرَه، ثم مسَحَ يدَه بالأرضِ، ثمَّ مضمَضَ واستنشَقَ وغسَلَ وجهَه ويديه، ثمَّ أفاض على جسدِه، ثمَّ تحوَّل مِن مكانِه، فغسَلَ قَدَميه )) رواه البخاري (257) واللفظ له، ومسلم (317).
وجه الدَّلالة:
 أنَّ ميمونةَ رَضِيَ اللهُ عنها روت صِفةَ غُسل النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم تذكُرْ في غَسلِ شيءٍ من أعضائِه عددًا؛ إلَّا في غَسلِ يديه في ابتداءِ الغُسلِ- مع شكِّ الرَّاوي: هل كانَ غَسَلَهما مرَّتين أو ثلاثًا؟- وأطلَقَت الغَسلَ في الباقي ((فنح الباري)) لابن رجب (1/264).
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا اغتسل من الجَنابة بدأ فغَسلَ يديه، ثمَّ يتوضَّأ كما يتوضَّأ للصَّلاةِ، ثمَّ يُدخِلُ أصابعَه في الماء، فيُخلِّل بها أصولَ شَعْره، ثمَّ يصبُّ على رأسِه ثلاثَ غُرَفٍ بيدَيه، ثمَّ يُفيض الماءَ على جِلدِه كلِّه )) رواه البخاري (248) واللفظ له، ومسلم (316).
وجه الدَّلالة:
 أنَّ عائشة رَضِيَ اللهُ عنها ذكرَت أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كان يصبُّ على رأسِه ثلاثَ حَثَياتٍ، ولم تذكُر في غَسل شيءٍ من أعضائِه الأخرى عَددًا.

انظر أيضا: