الموسوعة الفقهية

المبحث الثَّالث: ما لا يُشترط في المسح على الجبائر


المطلب الأوَّل: لا يُشتَرَطُ أن توضَعَ على طَهارة
لا يُشتَرَطُ في المسحِ على الجبيرةِ أن يكونَ وَضْعُها على طهارةٍ؛ وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/54)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/13). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/362)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/320). ، وهو وجهٌ للشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/326). ، وروايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (1/204)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/174). ، واختاره ابنُ قُدامة قال ابنُ قدامة: (اختاره الخلَّال وقال: قد رَوى حرب، وإسحاق، والمروذي، في ذلك سهولةً عن أحمد، واحتجَّ بابن عمر، وكأنَّه ترَك قولَه الأوَّل، وهو أشبَهُ؛ لأنَّ هذا ممَّا لا ينضبِطُ، ويغلُظُ على النَّاس جدًّا، فلا بأسَ به. ويقوي هذا حديثُ جابر في الذي أصابته الشجَّة؛ فإنَّه قال: ((إنَّما كان يُجزئُه أن يَعصِب على جُرحِه خِرقةً، ويمسحَ عليها))، ولم يذكر الطَّهارة، وكذلك أمَر عليًّا أن يمسَحَ على الجبائر، ولم يشتَرِط طهارةً؛ ولأنَّ المسحَ عليها جاز دفعًا لمشقَّة نزعِها، ونَزعُها يشقُّ إذا لَبِسَها على غيرِ طَهارةٍ، كمشقَّته إذا لَبِسَها على طهارةٍ). ((المغني)) (1/204). ، وابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (الجبيرةُ يُمسَحُ عليها وإن شدَّها على حدَثٍ عند أكثَرِ العلماء، وهو إحدى الرِّوايتينِ عن أحمد، وهو الصَّواب). ((مجموع الفتاوى)) (21/179). ، وابن باز قال ابن باز: (لو جُرِحَ- مثلًا- في يَدِه أو في رِجلِه وهو على غيرِ وُضوءٍ، وقد وضع عليه الطَّبيبُ الجبيرةَ، فإنَّه يمسَحُ مطلقًا على الرَّاجح، ولو كان وَضعَها حين وضَعَها على غيرِ طهارةٍ، وهكذا في الغُسلِ مِن الجنابة، إذا كان في ظهْرِه لزقة؛ أو في جَنْبِه، أو جبيرة، فإنَّه يُمِرُّ عليها الماء، ويكفي عند الغُسل، ولا حاجة إلى أن يُزيلَها، بل متى ما مرَّ عليها الماءُ كفى، حتى يعافيَه الله). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر)) (5/159). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (المسحُ على الخفَّين يُشتَرَطُ فيه أن يَلبَسَهما على طهارةٍ، بخلاف الجبيرةِ، فلا تُشتَرَطُ لها الطَّهارةُ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/174).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الكَسرَ والجُرحَ يقَع بَغتةً، ويطرأُ على الإنسانِ من غير اختياره، فوضْعُها على طهارةٍ ممَّا لا ينضبط، ويغلُظُ على النَّاسِ جدًّا، وفيه حَرَجٌ، وقد يترتَّب على تأخيرِها إلى تطهُّرِه ضَرَرٌ كبيرٌ، وقد يكون مُغمًى عليه ((المغني)) لابن قدامة (1/204).
ثانيًا: أنَّ المسحَ عليها جاز دفعًا لمشقَّةِ نَزْعِها، ونزْعُها يشقُّ إذا لَبِسَها على غيرِ طَهارةٍ، كمشقَّتِه إذا لَبِسَها على طهارةٍ ((المغني)) لابن قدامة (1/204).
ثالثًا: أنَّه لا يصحُّ قياسُها على الخفَّين؛ لوجودِ الفروقِ بينهما ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/250).
المطلب الثَّاني: لا يُشتَرَط أن يكونَ المسحُ مِن الحدَث الأصغَرِ
يجوزُ المسحُ على الجَبيرةِ في الحدَث الأصغَرِ والأكبر، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/70)، ((الفتاوى الهندية)) (1/36). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/318)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/464، 465). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/476، 2/331)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/95). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/121-122)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/204).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ المسحَ على الجَبيرةِ مِن باب الضَّرورة، والضرورةُ لا فرْقَ فيها بين الحدَث الأصغَر والأكبَرِ، بخِلاف المسحِ على الخفَّين؛ فهو رُخصةٌ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/244).
ثانيًا: أنَّ هذا العضوَ الواجِبَ غَسْلُه سُتِرَ بما يَسوغ سَترُه به شرعًا؛ فجاز المسحُ عليه كالخفَّين ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/244).
المطلب الثالث: لا يُشتَرَط لها توقيت بزمن؛ بل يمسحُ حتَّى يحصُلَ البُرْء
المسحُ على الجبيرةِ غيرُ مُؤَقَّتٍ بزمنٍ، بل يمسحُ عليها حتَّى يحصُلَ البُرْءُ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة (فثبت أنَّ المسحَ على الجبيرةِ ما دام العُذرُ قائمًا، أصلٌ لا بدَلٌ. قال- رحمه اللهُ- (فلا يتوَقَّتُ) أي لا يتوقَّتُ المسحُ على الجبيرةِ؛ لأنه كالغَسلِ لِما تحتها على ما تقَدَّمَ، والغَسلُ لا يتوقَّتُ، فكذا هذا) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/52)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/328). ، والمالكيَّة  ("وإن" "صحَّ" أي بَرِئَ الجُرحُ، وما في معناه، وهو على طهارَتِه "غسَلَ" المحلَّ، إن كان حَقُّه الغَسلَ، كرأسٍ في جنابةٍ، ومَسَحَ ما حقُّه المسحُ، كصِماخِ أذُنٍ) ((الشرح الكبير)) للدردير (1/166). (وإن صحَّ غسَلَ ومَسَحَ مُتوضِّئٌ رأسَه (ش) يعني أنَّ من أُبيحَ له المسحُ إذا صحَّ جُرحُه، غَسَلَه إذا كان في الأصلِ مغسولًا رأسًا كان أو غيرَه، كما إذا كان عن جنابةٍ، أو مَسَحَه إذا كان في الأصلِ ممسوحًا رأسًا أو غيره كالأذُنين) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/203). ، والشافعيَّة (قطع الشيخ أبو حامد، والماوردي، والدارمي، وابن الصباغ، وسائر العراقيين، وصاحب التتمة، وغيره من الخراسانيين: بأنَّ المسحَ على الجبيرةِ غيرُ مُؤقَّتٍ، بل يَمسَحُ من غير نزعٍ وإن تطاولَتِ الأزمانُ، إلى أن يبرَأَ، وذكر الفوراني وإمام الحرمين والغزالي وآخرون من الخراسانيين وجهًا؛ أنَّه مؤقَّتٌ كالخُفِّ، كذا أطلقوه. قال الرافعي: فعلى هذا الوجهِ يختلِفُ بالحضَرِ والسَّفَر، فينزع المقيمُ الجبيرةَ بعد يومٍ وليلةٍ، والمسافِرُ بعد ثلاثٍ، وأنكَرَه عليه الشيخُ أبو عمرو بن الصلاح، وقال: الصوابُ أنه يختصُّ بيومٍ وليلةٍ حضرًا وسفرًا، والأظهَرُ ما ذكره الرافعي، وهو مقتضى إطلاق من حكى هذا الوجهَ، وهذا الوجهُ في أصلِه ضعيفٌ، والصَّوابُ أنَّه غيرُ مُؤقَّتٍ) ((المجموع)) للنووي (2/330)، وينظر: ((البيان)) للعمراني (1/332). ، والحنابلة (إلا الجَبيرة فإنَّه يمسَحُ عليها إلى حَلِّها، أو بُرئِها) لأنَّ مَسحَها للضَّرورة، وما كان كذلك فيتقَدَّرُ بقَدَرِها) ((المبدع)) لابن مفلح (1/118). (و) يمسحُ على (جبيرةٍ إلى حَلِّها)؛ لأنَّ مَسحَها للضَّرورةِ، فيُقَدَّرُ بقَدَرِها، والضرورةُ تدعو إلى مَسحِها إلى حلها فقدر بذلك دون غيره، وبرؤها كحَلِّها، بل أَولى) ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/115).
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّ الرُّخصةَ وردت غيرَ مُقَيَّدة، بخلافِ الخُفِّ ((المجموع)) للنووي (2/330).
ثانيًا: لأنَّ الحاجة تدعو إلى استدامةِ الجَبيرةِ ((المجموع)) للنووي (2/330).

انظر أيضا: