الموسوعة الفقهية

المبحث الحادي عشر: أحكامُ لُبس الخُفِّ على الخفِّ


المطلب الأوَّل: مَن توضَّأ ولبِس الخفَّ الأوَّل ثمَّ الثَّاني، ثمَّ أحْدَث
مَن توضَّأ ولبس الخفَّ الأوَّل ثمَّ الثَّاني، ثمَّ أحدثَ؛ فله أن يمسحَ على الأعلى وأمَّا إذا مسحَ الخفَّ الأعلى ثم خلَعه، فإنَّه يجوزُ المسحُ على الخفِّ الأسفَلِ، إذا كانا قد لُبِسا على طهارةٍ. قال ابنُ عثيمين: (فالذين يقولونَ بجوازِ المَسحِ على الخفِّ الأسفَلِ بعد خلْع الخفِّ الأعلى بعد الحدَث، قالوا: إنَّما هو بمنزلةِ الظِّهارة والبِطانةِ، فهو بمنزلة الخفِّ الواحدِ. وهذا القَولُ أيسرُ للنَّاس؛ لأنَّ كثيرًا من النَّاس يلبَسُ الخفَّينِ على الجورَبِ ويمسَحُ عليهما، فإذا أراد النَّومَ خَلعَهما، فعلى المذهَبِ: لا يمسَحُ على الجورَبِ بعد خلْع الخفَّين؛ لأنَّ زمَنَ المسحِ ينتهي بخلْعِ الممسوحِ. وعلى القول الثاني: يجوز له أن يمسَحَ على الجورَبِ، فإذا مسح ولَبِسَ خفَّيه، جاز له أن يمسَحَ عليه مرةً ثانية؛ لأنَّه لبِسَهما على طهارةٍ، ولا شكَّ أنَّ هذا أيسَرُ للنَّاس؛ والفتوى به حسنةٌ). ((الشرح الممتع)) (1/258- 259). وقال أيضًا: (إذا لبس خفًّا على خفٍّ أو جوربٍ، ومسَحَ الأعلى ثم خلَعه؛ فهل يمسَحُ بقيَّةَ المدَّةِ على الأسفل؟ لم أرَ من صرَّحَ به، لكنْ ذكر النوويُّ عن أبي العبَّاس بن سريج فيهما إذا لبِس الجُرموقَ على الخفِّ ثلاثةَ معانٍ؛ منها: أنَّهما يكونان كخفٍّ واحد، الأعلى ظِهارة، والأسفل بِطانة. قلت: وبناءً عليه يجوزُ أن يمسحَ على الأسفَلِ حتى تنتهي المدَّة من مَسحِه على الأعلى، كما لو كُشِطَت ظِهارةُ الخفِّ؛ فإنَّه يمسَحُ على بِطانَتِه). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/193)، وينظر أيضًا: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/176). قالت اللجنة الدائمة: (إذا لَبِسَ جوربين معًا على طهارةٍ، ثم أحدث وخلَع الأعلى، جاز له المسحُ على الجَوربِ الأسفل؛ لأنَّه لُبِسَ على طهارةٍ). ((فتاوى اللجنة الدائمة- 2)) (4/99). ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (1/ 604)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/155)، ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (1/51). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/466)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/178). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/138)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/208). ، وهو القَولُ القَديمُ عند الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/506)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/367). ؛ وذلك لكَونِه لبِسَهما على طهارةٍ ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/118).
المطلب الثَّاني: مَن توضَّأ ولبِس الخفَّ الأوَّل، ثمَّ أحْدَث، ثمَّ مسح عليه، ثمَّ لبِس الثَّاني
اختلف العلماءُ في مَن لبِس الخفَّ الأوَّل، ثمَّ أحْدَث، ثمَّ مسَحَ عليه، ثمَّ لبِس الخفَّ الثَّاني؛ هل يمسَحُ عليه؟ على قولين:
القول الأول: لا يجوزُ المسحُ على الخفِّ الأعلى، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/52)، وينظر: ((درر الحكام)) للملا خسرو (1/35). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/504)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/66). ، والحنابلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/35)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/208).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ حُكمَ المسحِ استقرَّ بالخُفِّ، فصار مِن أعضاءِ الوضوءِ حُكمًا ((درر الحكام)) للملا خسرو (1/35).
ثانيًا: أنَّ اللُّبسَ بعد مُضيِّ بعضِ المدَّة يمنَعُ البناءَ ((الفروع)) لابن مفلح (1/198)
القول الثاني: يجوزُ المسحُ على الخفِّ الأعلى، وهو مذهَبُ المالكيَّة ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/141)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/178)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/330). ، والقديمُ عند الشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/128). ، واختاره ابنُ باز سُئل ابنُ باز رحمه الله: ما الحُكم إذا لبسْتُ جوربًا على طهارةٍ بعد صلاةِ الفَجرِ، وعند الوضوءِ لصلاةِ الظُّهر مسحتُ عليه، وبعد الصَّلاةِ لَبِستُ عليه جوربًا آخَرَ، وأنا أيضًا على طهارةٍ؛ فهل يجوزُ لي المسحُ على الجَوربِ الفوقانيِّ؟ وهل الحُكم في انتهاءِ مدَّةِ المَسحِ للجورَبِ الفوقانيِّ أمِ التَّحتانيِّ؟ أفتُونا مأجورين. فأجاب: (لا حرَج في المَسحِ على الفوقانيِّ إذا كنتَ لبستَه على طهارةٍ، وتكون المدَّةُ في المسح حينئذٍ متعلِّقةً بالجَوربِ الفوقانيِّ؛ لكونِه لُبِسَ على طهارةٍ، كما لو لَبِسَ الخفَّين أو الجوربينِ على طهارةٍ، قد مسَح فيها على جَبيرةٍ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/118). ؛ وذلك لأنَّ المسحَ قائمٌ مقامَ غَسلِ القدَمِ في رفْعِ الحدَث، فصار لُبسُهما على طهارةٍ ((الذخيرة)) للقرافي (1/330)، ((المغني)) لابن قدامة (1/208).
المطلب الثَّالث: مَن توضَّأ ولَبِسَ الخفَّ الأوَّل، ثمَّ أحدث، ثمَّ لبس الثَّاني قبل أن يمسح الأوَّل
مَن توضَّأ ولبس الخفَّ الأوَّل، ثم أحْدَث، ثم لبِس الخفَّ الثَّاني قبل أن يمسَحَ الأوَّل؛ فليس له أن يمسَحَ على الأعلى، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/ 190)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/156)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازة البخاري (1/171). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/466)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/178). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/504)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/66). ، والحنابلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/35)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/208). ، وحُكيَ فيه الإجماعُ قال ابن قدامة: (إذا لبِس خفَّين، ثم أحدَثَ، ثم لبِس فَوقَهما خفَّينِ أو جُرموقينِ، لم يَجُزِ المسحُ عليهما، بغير خلافٍ؛ لأنَّه لَبِسَهما على حدَثٍ). ((المغني)) (1/208).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ مِن شرْطِ جوازِ المسحِ على الخفِّ لُبسَه على طهارةٍ، وهذا قد لَبِس الخفَّ الثَّاني وهو مُحدِثٌ ((المغني)) لابن قدامة (1/208).

انظر أيضا: