الموسوعة الفقهية

المطلب الأول: خِضابُ الشَّعرِ بالسَّوادِ


يُكرَهُ خِضابُ الشَّعرِ بالسَّوادِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة [669] ((حاشية ابن عابدين)) (6/422). ، والمالِكيَّة [670] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/447). ، والحَنابِلة [671] ((الإقناع)) للحجاوي (1/21)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (1/77). ، وهو قولٌ عند الشَّافعيَّة [672] ((روضة الطالبين)) للنووي (3/234). ، وبه قال بعضُ السَّلَفِ [673] قال ابن عَبدِ البَرِّ: (ومِمَّن كَرِه الخِضابَ بالسَّوادِ: مجاهد، وعطاء، وطاووس، ومكحول، والشعبي). ((الاستذكار)) لابن عَبدِ البَرِّ (8/441). وذكَر القرطبيُّ الكراهةَ أيضًا عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ. يُنظر: ((المفهم)) (5/419).
الدليل مِن السُّنَّةِ:
عن جابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنهما، أنَّه قال: ((أُتِيَ بأبي قُحافةَ يومَ فَتحِ مَكَّةَ ورأسُه ولِحيتُه كالثَّغامةِ [674] الثَّغامةُ: نَبتٌ أبيضُ الزَّهرِ والثَّمَرِ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (14/79). بَياضًا، فقال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: غَيِّروا هذا بِشَيءٍ، واجتَنِبوا السَّوادَ )) [675] أخرجه مُسْلِم (2102).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّهي في الحديثِ عن تغييرِ الشيبِ بالسوادِ للكراهةِ، وليس للتحريمِ، وذلك للآتي:
أولًا: أنَّه قد حُكِي الإجماعُ على عدمِ التحريمِ [676] قال القرطبي: (غيرَ أنَّه لم نسمعْ أنَّ أحدًا مِن العلماءِ قال بتحريمِ ذلك). ((المفهم)) (5/419). وقال ابنُ الجوزي: (واعلم أنَّه قد خضب جماعةٌ مِن الصحابةِ بالسوادِ، منهم الحسنُ والحسينُ وسعدُ بنُ أبى وقاصٍ وخلقٌ كثيرٌ مِن التابعين، وإنَّما كرِهه قومٌ لما فيه مِن التدليسِ، فأمَّا أن يرتقِيَ إلى درجةِ التحريمِ، إذ لم يدلس...فلم يقلْ بذلك أحدٌ). ((الموضوعات)) (3/55).
ثانيًا: أنَّ جماعةً مِن الصحابةِ والتابعين قد خضَبوا بالسوادِ [677] قال ابن القيم: (صَحَّ عن الحسَنِ والحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّهما كانا يَخضِبانِ بالسَّوادِ، ذكر ذلك ابنُ جَريرٍ عنهما في كتاب ((تهذيب الآثار)) وذكره عن عُثمان بنِ عَفَّان، وعبد الله بن جعفر، وسعد بن أبي وقاص، وعُقبة بن عامر، والمُغيرة بن شعبة، وجَرير ابن عبد الله، وعمرِو بن العاصِ، وحكاه عن جماعةٍ مِن التابعين: منهم عمرُو بنُ عُثمان، وعليُّ بنُ عبد الله بن عباس، وأبو سَلَمة بنُ عبدِ الرَّحمن، وعبدُ الرَّحمنِ بنُ الأسْود، وموسى بن طلحة، والزُّهري، وأيوب، وإسماعيل بن معديكَرِبَ. وحكاه ابنُ الجوزي عن مُحارِب بنِ دِثار، ويزيدَ، وابنِ جُرَيج، وأبي يوسُفَ، وأبي إسحاق، وابن أبي ليلى، وزياد بن علاقة، وغيلان بن جامع، ونافعِ بنِ جُبير، وعمرو بنِ عليٍّ المقدمي، والقاسمِ بنِ سَلام). ((زاد المعاد)) (4/337). ويُنظر:  ((تهذيب الآثار-الجزء المفقود)) للطبري  (ص: 468 فما بعدها). ، فلو كان حرامًا لما فعلوه، ولأُنكِر عليهم ذلك، لكن لم يُنقلْ إنكارُ أحدٍ عليهم [678] ((تهذيب الآثار-الجزء المفقود)) للطبري (ص: 518)، (المغني عن الحفظ والكتاب)) للموصلي (2/477).
ثالثًا: لأنَّ الأمرَ بتغييرِ الشيبِ للندبِ، وكذلك النهيُ عن تغييرِه بالسوادِ على الكراهةِ [679] وقد ذكر الطبري أنَّ الأحاديثَ التي فيها الأمرُ بتغييرِ الشيبِ إنَّما هي على سبيلِ الندبِ، والتي فيها النهيُ عن تغييرِه إنما هي على الكراهةِ لا التحريمِ وحكى الإجماعَ على ذلك. فقال: (إذ كان الأمرُ مِن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بتغييرِ ذلك ندبًا لا فرضًا، وإرشادًا لا إيجابًا، وكذلك: لا أرَى مغيِّرَ ذلك- وإن كان قليلًا ما ابيضَّ منه- حرجًا بتغييرِه؛ إذ كان النهيُ عن ذلك مِن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان تكريهًا، لا تحريمًا؛ لإجماعِ سلفِ الأمةِ وخلفِها على ذلك). ((تهذيب الآثار- الجزء المفقود)) للطبري (ص: 518)، ويُنظر: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (1/152).

انظر أيضا: