الموسوعة الفقهية

المطلب الأول: ما يجِبُ على المرأةِ سَترُه أمام الأجنبيِّ


يجِبُ على المرأةِ سَترُ بدَنِها كُلِّه أمامَ الرجُلِ الأجنبيِّ، بما في ذلك الوجهُ والكَفَّانِ [32] للأسفِ كثيرٌ مِن النساءِ اليومَ لا يلتزمْنَ بالحجابِ الشرعيِّ، وبعضُ مَن يلتزمُ منهنَّ بتغطيةِ الوجهِ يتساهَلْنَ في كشفِ الكفينِ والسَّاعدينِ وما حولَ العينين. ، وهو مذهبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة [33] ((المبسوط)) للسَّرخسي (10/119)، ((فتح القدير)) لابنِ الهُمام (2/514)، ((البحر الرائق)) لابن نُجيم (1/284)، ((مجمع الأنهر)) لشيخِي زادَه (1/81)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/406) (2/528). ، والأظهَرُ مِن مذهَبِ الشافعيَّة [34] (تحفة المحتاج)) لابن حَجَر الهيتمي (7/193)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/129). والصَّحيحُ مِن مذهَبِ الحنابلةِ [35] (الإنصاف)) للمَرداوي (1/319)، ((الإقناع)) للحجَّاوي (1/88)، ((كشَّاف القناع)) للبُهُوتي (1/266). ، وهو قولُ جمعٍ مِن عُلَماءِ المالكيَّة [36] قال ابن العربي: (أُذِنَ فى مُساءلتِهنَّ مِن وراء حِجابٍ في حاجةٍ تَعرِضُ، أو مسألةٍ يُستفتى فيها، والمرأةُ كلُّها عورةٌ، بدنُها وصَوتُها، فلا يجوزُ كَشفُ ذلك إلا لضرورةٍ أو لحاجةٍ، كالشَّهادةِ عليها، أو داءٍ يكونُ ببدَنِها). ((أحكام القرآن)) (3/616). وقال ابن القطَّان: (فإنَّ أكثَرَ هذه- يعني الأعمالَ مِن البيعِ والشراءِ والاستصناعِ- ليست بضرورةٍ تُبيحُ التكشُّفَ؛ فقد تصنَعُ وتَستصنِعُ، وتتصرَّفُ بالبيع والشِّراءِ وهي مستَترةٌ، ولا يُمنَعنَ من الخروجِ والمشيِ في حوائجِهنَّ، ولو كُنَّ مُعتَدَّاتٍ، وإلى المسجِدِ، وإنما يُمنعْنَ من التبَرُّجِ والتكشُّفِ والتطيُّبِ للخُروجِ، والتزَيُّنِ). ((إحكام النظر)) (ص 493). وقال القرطبيُّ: (لَمَّا كانت عادةُ العربيَّاتِ التبَذُّلَ، وكُنَّ يكشِفنَ وجُوههنَّ كما يفعَلُ الإماءُ، وكان ذلك داعيةً إلى نظَرِ الرِّجالِ إليهنَّ، وتشَعُّبِ الفكرةِ فيهنَّ؛ أمر اللهُ رسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم أن يأمُرَهنَّ بإرخاءِ الجلابيبِ عليهن إذا أردْنَ الخُروجَ إلى حوائِجِهنَّ). ((تفسير القرطبي)) (14/243). وقال ابنُ الحاجِّ: (المرأةُ كُلُّها عورةٌ إلَّا ما استُثني مِن ظُهورِ أطرافِها لذي المحارِمِ). ((المدخل)) (1/242). وقال الموَّاق: (وتَسدلُ على وَجهِها إن خَشِيَت رؤيةَ رَجُلٍ). ((التاج والإكليل)) (1/502). وقال النفراوي: (الذي يقتضيه الشَّرعُ وجوبُ سَترِها وَجْهَها في هذا الزَّمانِ). ((الفواكه الدواني)) (2/277). وغيرِهم [37] قال الغزالي: (فإذا خرَجَت فينبغي أن تغُضَّ بصَرَها عن الرِّجالِ، ولَسْنا نقولُ: إنَّ وَجهَ الرَّجُلِ في حَقِّها عورةٌ كوَجهِ المرأةِ في حَقِّه، بل هو كوجهِ الصَّبيِّ الأمردِ في حَقِّ الرجُلِ، فيَحرُمُ النظَرُ عند خَوفِ الفتنةِ فقط، فإن لم تكُنْ فتنةٌ فلا؛ إذ لم يزَل الرِّجالُ على مَرِّ الزَّمانِ مَكشوفي الوجوهِ، والنِّساءُ يخرُجْنَ مُنتَقِباتٍ، ولو كان وجوهُ الرِّجالِ عَورةً في حَقِّ النِّساءِ، لأُمِروا بالتنَقُّبِ، أو مُنِعنَ مِن الخروجِ إلَّا لضرورةٍ). ((إحياء علوم الدين)) (2/47). وقال النووي: (وإذا قُلنا تُؤَذِّنُ، فلا ترفَع الصَّوتَ فوق ما تُسمِعُ صواحِبَها؛ اتَّفَق الأصحابُ عليه، ونصَّ عليه في الأمِّ، فإن رفَعَت فوق ذلك حَرُمَ، كما يَحرُمُ تكَشُّفُها بحضرةِ الرِّجالِ؛ لأنَّه يُفتَتَنُ بصوتِها، كما يُفتَتَنُ بوَجْهِها). ((المجموع)) (3/100). وقال ابن تيميَّةَ: (قيل: لا يجوزُ- أي النَّظَرُ إلى الأجنبيَّة- وهو ظاهِرُ مذهَبِ أحمد؛ فإنَّ كُلَّ شيءٍ منها عورةٌ، حتى ظُفُرَها). ((مجموع الفتاوى)) (22/110). وقال أيضًا: (وقد ثبت في الصَّحيحِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا دخل بصفيَّةَ، قال أصحابُه: إنْ أرخى عليها الحِجابَ فهي من أمَّهاتِ المؤمنينَ، وإن لم يضرِبْ عليها الحِجابَ فهي ممَّا ملَكَت يمينُه، فضَرَب عليها الحِجابَ، وإنَّما ضُرِبَ الحِجابُ على النِّساءِ؛ لئلا تُرى وُجوهُهنَّ وأيديهنَّ). ((مجموع الفتاوى)) (15/372). وقال ابن القَيِّم: (العورةُ عَورتانِ: عورةٌ في النظَرِ، وعورةٌ في الصَّلاةِ؛ فالحُرَّةُ لها أن تصلِّيَ مكشوفةَ الوجهِ والكفينِ، وليس لها أن تخرُجَ في الأسواقِ ومجامِعِ النَّاسِ كذلك. والله أعلم). ((إعلام الموقِّعين)) (2/88). وقال ابنُ عبد الهادي المَقدِسي: (يجِبُ عليها سَترُ وَجهِها إذا برَزَت). ((مغني ذوي الأفهام)) (ص:356). وقال ابن حَجَر: (ولم تزَلْ عادةُ النِّساءِ قديمًا وحديثًا يَستُرنَ وُجوهَهنَّ عن الأجانبِ). ((فتح الباري)) (9/324). وقال السيوطي: (المرأةُ في العورةِ لها أحوال: حالةٌ مع الزَّوجِ: ولا عورةَ بينهما، وفي الفَرج ِوَجهٌ، وحالةٌ مع الأجانبِ: وعورتُها: كُلُّ البدَنِ حتى الوجه والكفَّين في الأصَحِّ). ((الأشباه والنظائر)) (ص: 240). وقال الهيتمي: (من تحقَّقَت نظَرَ أجنبيٍّ لها، يلزَمُها سَترُ وَجهِها عنه، وإلَّا كانت مُعينةً له على حرامٍ، فتأثَمُ). ((تحفة المحتاج)) (7/193). وقال الخطيبُ الشِّربيني: (... أن تكونَ في مكانٍ وهناك أجانِبُ لا يحتَرِزونَ عن النظَرِ إليها، فلا يجوزُ لها رفعُ النِّقابِ). ((الإقناع في حل ألفاظِ أبي شُجاع)) (1/124). وقال قليوبي: (وأمَّا عند الرجالِ الأجانبِ- أي العورة- فجميعُ البدَنِ). ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (1/201).   وقال البُجَيْرميُّ: (أمَّا عَورتُها خارِجَ الصَّلاةِ بالنسبة لنظَرِ الأجنبيِّ إليها، فهي جميعُ بدَنِها حتى الوجه والكفين، ولو عند أمنِ الفتنةِ). ((حاشية البُجَيرمي على شرح منهج الطلاب)) (1/450). ، وحُكِيَ فيه اتِّفاقُ المُسلِمينَ [38] قال الجُوَيني: (مع اتِّفاقِ المُسلمين على منعِ النِّساءِ مِن التبَرُّج والسُّفور وتَركِ التنَقُّب). ((نهاية المطلب في دراية المذهب)) (12/31)، وأقرَّه الرافعي في ((العزيز شرح الوجيز)) (7/472)، والنووي في ((روضة الطالبين)) (7/21). وقال ابن رسلان: (اتفاقُ المسلمينَ على منعِ النِّساءِ أن يخرُجنَ سافراتِ الوجوهِ، لا سيَّما عند كثرةِ الفُسَّاق). ((نيل الأوطار)) للشوكاني (6/137). وقال الرَّملي: (وقضيةُ كلامِ النَّاظمِ- يعني ابنَ رسلان- حُرمةُ نظر الرجلِ الفَحلِ إلى وجهِ المرأة الأجنبيَّةِ وكفَّيها عند أمنِ الفتنةِ، وهو كذلك- كما في المنهاجِ-؛ لاتفاقِ المُسلمين على مَنعِ النِّساءِ مِن الخروجِ سافراتِ الوجوهِ). ((غاية البيان شرح زبد ابن رسلان)) (ص: 247). وقال السَّهارنفورِيُّ الحنفيُّ: ( ويدلُّ على تقييدِ كَشفِ الوَجهِ بالحاجةِ: اتِّفاقُ المُسلمينَ على منعِ النِّساءِ أن يخرُجْنَ سافراتِ الوجوه، لا سيَّما عند كثرةِ الفَسادِ وظُهورِه). ((بذل المجهود شرح سنن أبي داود)) (16/431). ولا يُمكِنُ أن يقالَ في هذا الزمان إلَّا بهذا القَولِ؛ لِما في كشفِ الوَجهِ مِن فِتنةٍ لا تخفى على بصيرٍ.
الأدلَّةُ:
أولًا: من الكتابِ
1- قولُه تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب: 59]
وَجهُ الدَّلالةِ:
 في قولِه تعالى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ دَلالةٌ على أنَّ المرأةَ مأمورةٌ بسَترِ وَجهِها وجميعِ بدِنها عن الأجنبيِّينَ، فلا تدَعْ شيئًا منه مكشوفًا [39] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصَّاص (5/245)، ((أحكام القرآن)) للكيا الهَرَّاسي (4/350)، ((تفسير البيضاوي)) (4/104، 238)، ((تفسير الشربيني)) (3/271)، ((أضواء البيان)) للشِّنْقيطي (6/243 - 245).
2- قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب: 53]
وَجهُ الدَّلالةِ:
قولُه تعالى: فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أي: مِن وراءِ سِترٍ [40] ((تفسير ابن جرير)) (19/166). ، فهذا أمرٌ عامٌّ، ولا يختَصُّ بأمَّهاتِ المُؤمِنينَ [41] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (14/227)، ((أضواء البيان)) للشِّنْقيطي (3/256). ، وفيه دَلالةٌ على احتجابِ جميعِ بدنِ المرأةِ عن الرجالِ الأجانبِ [42] ((أضواء البيان)) للشِّنْقيطي (6/248).
3- قَولُه تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور: 31]
أوجُهُ الدَّلالةِ:
1- قولُه تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا أمَرَ بسَترِ كُلِّ الجسَدِ، ورَفَع الحرَجَ عمَّا لا تقوى المرأةُ على إخفائِه، كثيابِها [43] ((تفسير ابن كثير)) (6/45)، ويُنظر: ((شرح العمدة  - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 268).
2- إذا كانت المرأةُ مَنهيَّةً عن الضَّربِ بالأرجُلِ؛ خَوفًا مِن افتِتانِ الرَّجُلِ بما يُسمَعُ مِن صَوتِ خَلْخالِها ونَحوِه، فكيف بكَشفِ الوَجهِ [44] ((رسالة الحجاب)) لابن عُثَيمين (ص: 12). ؟!
ثانيًا: مِن السُّنَّة
1- عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المرأةُ عَورةٌ)) [45] أخرجه التِّرمذي (1173)، وابنُ خُزَيمة (1685)، وابنُ حِبَّان (5599) مطولًا. قال التِّرمذي: حسنٌ غريبٌ، وصَحَّحَه ابنُ القَطَّان في ((إحكام النظر)) (137)، ووثَّقَ إسنادَه ابنُ رجبٍ في ((فتح الباري)) (5/318)، ووثَّق رِجالَه الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (2/38)، وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سُنَن التِّرمذي)) (1173)، والوادعيُّ في ((الصَّحيح المُسنَد)) (881) وقال: على شَرطِ مُسلِمٍ.
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ وَصفَ المرأةِ بكَونِها عَورةً يدُلُّ على لُزومِ سَترِ كُلِّ جَسَدِها، ومنه الوجهُ والكَفَّان [46] ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتيِّ (1/266)، ((أضواء البيان)) للشِّنْقيطي (6/596).
2- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تَنْتقِبِ المرأةُ المحرِمَةُ، ولا تَلبَسِ القُفَّازَينِ )) [47] أخرَجَه البُخاريُّ (1838) مطولًا.
وَجهُ الدَّلالةِ:
دلَّ الحديثُ على أنَّ النِّقابَ والقُفَّازينِ كانا معروفَينِ في النِّساءِ، وذلك يقتضي سَترَ وُجوهِهنِّ وأيديهنَّ في غيرِ إحرامٍ [48] ((عارِضةُ الأحوَذيِّ)) لابنِ العربيِّ (4/56)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (15/370).
3- عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها- في قِصَّة الإفكِ- (... وكان صَفوانُ ابنُ المُعَطَّلِ السُّلَميُّ ثمَّ الذَّكوانيُّ مِن وَراءِ الجَيشِ، فأصبحَ عند مَنزلي، فرأى سوادَ إنسانٍ نائمٍ، فأتاني، وكان يراني قبل الحِجابِ) [49] أخرَجَه البُخاريُّ (2661) مطَوَّلًا. وفي روايةٍ: (فخَمَّرْتُ وجهي بجِلبابي) [50] أخرجه البخاريُّ (1414)، ومسلمٌ (2770). وفي لفظ عند الطبرانيِّ (23/111) (151): (فسَتَرْتُ وجهي عنه بجِلبابي).
وَجهُ الدَّلالةِ:
قولُ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها: (فخَمَّرتُ وجهي بجِلبابي) و(وكان يراني قبل الحِجابِ) فيه دليلٌ على أنَّ النِّساءَ بعد نزولِ آيةِ الحِجابِ مأموراتٌ بسَترِ الوَجهِ [51] ((مجموعُ فتاوى ابن باز)) (5/46).
4- عن أنسٍ رضِيَ اللهُ عنه- في قِصَّةِ زَواجِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن صِفيَّةَ رَضِيَ الله عنها-: ((فقال المُسلِمونَ: إحدى أمهَّاتِ المُؤمِنينَ، أو مِمَّا مَلَكَت يمينُه، فقالوا: إنْ حَجَبَها فهي من أمهَّاتِ المُؤمِنينَ، وإن لم يَحجُبْها فهي ممَّا مَلَكت يمينُه، فلمَّا ارتحَلَ وطَّأ لها خَلْفَه، ومَدَّ الحِجابَ بينها وبين النَّاسِ )) [52] أخرَجَه البُخاريُّ (5085) واللَّفظُ له، ومُسلِمٌ (1365).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ستَرَ وَجْهَها وجميعَ بدَنِها، ولا يختَصُّ ذلك بأمهَّاتِ المُؤمِنينَ، فقَولُهم: (إنْ حَجَبَها فهي من أمهَّاتِ المُؤمِنينَ، وإن لم يَحجُبْها فهي ممَّا ملكت يمينُه) عُلِمَ منه أنَّ ما ملكت أيمانُهم لم يكونوا يَحجُبونَهنَّ كحَجْبِ الحرائِرِ، وأنَّ آيةَ الحِجابِ خاصَّةٌ بالحرائِرِ دون الإماءِ [53] ((شرح العمدة - كتاب الصلاة)) لابن تيميَّة (ص271).
ثالثًا: من الآثارِ
1- عن عُروةَ، عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: (يرحَمُ اللهُ نِساءَ المُهاجِراتِ الأُوَلَ؛ لَمَّا أنزَلَ الله: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ شَقَقْنَ مُروطَهُنَّ فاختَمَرْنَ بها ) [54] أخرَجَه البُخاريُّ (4758).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَولها: (فاختَمَرْنَ) أي: غَطَّينَ وُجوهَهنَّ [55] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حَجَر (8/490). وقال: (وصِفةُ ذلك أن تضعَ الخِمارَ على رأسِها وترميَه من الجانبِ الأيمَنِ على العاتِقِ الأيسَرِ، وهو التقَنُّع).
2- وعن فاطِمةَ بنتِ المُنذِرِ عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ الله عنهما، قالت: (كُنَّا نغَطِّي وُجوهَنا مِن الرِّجالِ، وكُنَّا نَمتَشِطُ قَبلَ ذلك في الإحرامِ) [56] أخرَجَه ابنُ خُزَيمةَ (2690)، والحاكِمُ (1668) واللَّفظُ له. صحَّحه على شَرطِ الشَّيخينِ الحاكِمُ، والألبانيُّ في ((إرواء الغَليل)) (4/212).
وَجهُ الدَّلالةِ:
قولُها: (كُنَّا نغطِّي وُجوهَنا مِن الرِّجالِ) فيه دليلٌ على وجوبِ سَترِ المرأةِ وَجهَها عن غيرِ المحارِمِ، ولو كانت في حالِ الإحرامِ [57] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/356).

انظر أيضا: