الموسوعة الفقهية

الفصل الثامن: أنواعُ السَّعيِ في الحَجِّ


المبحث الأوَّل: سَعْيُ المُفْرِد والقارِن
على المُفْرِد والقارِن سَعْيٌ واحدٌ للنُّسك، يقعُ بعد طوافِ القُدومِ، ولهما تأخيرُه إلى بعد طوافِ الإفاضةِ انظر: أعمال القارن.
المبحث الثَّاني: سَعْيُ المتمَتِّع
على المتمَتِّع سعيانِ: سَعْيٌ لعُمْرَتِه، وسعيٌ لحَجَّتِه بعد طوافِ الإفاضةِ: يبدأُ أوَّلًا بعُمْرةٍ تامَّةٍ في أشهُرِ الحَجِّ: فيطوفُ ويَسْعى، ثم يَحْلِقُ أو يُقَصِّر، ويتحلَّل منها، ثم يُحْرِمُ بالحَجِّ، وبعد الوقوفِ بعرفَةَ يأتي بطوافٍ للحَجِّ وسَعْيٍ له انظر: أعمال المتمتع.
مسألةٌ:
بعد انتهاءِ المتمَتِّع مِنَ الطَّوافِ والسَّعيِ فإنَّه يحلِقُ أو يُقَصِّر، والتقصيرُ أفضَلُ إن كان قريبًا مِن زَمَن الحَجِّ، ثم يَحِلُّ بذلك التحَلُّلَ كُلَّه، حتى جماعُ النِّساءِ، أمَّا المُفْرِدُ والقارِنُ فيَبْقَيانِ على إحرامِهما بعدَ سَعْيِ الحَجِّ، ولا يتحلَّلون إلَّا يومَ النَّحْرِ: وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (2/43)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/149). ، والمالِكيَّة ((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/370)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/819). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/46)ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/65،66). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/488)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/353)، قال ابنُ قُدامة: (المتمتِّعُ الذي أحرم بالعُمْرة مِنَ الميقاتِ، فإذا فرغ من أفعالِها، وهي الطَّواف والسَّعي، قصَّر أو حلق، وقد حلَّ به مِن عُمْرَتِه، إن لم يكن معه هديٌ؛ لِمَا روى ابنُ عمر، قال: ((تمتَّعَ النَّاس مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالعُمْرةِ إلى الحجِّ، فلما قَدِمَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مكَّة، قال للناس: من كان معه هديٌ، فإنَّه لا يَحِلُّ مِن شيءٍ حَرُمَ منه، حتى يقضِيَ حَجَّه، ومن لم يكن معه هديٌ، فلْيَطُفْ بالبيت، وبالصَّفا والمروة، وليُقَصِّرْ، ولْيَحْلِلْ)) متفقٌ عليه، ولا نعلم فيه خلافًا) ((المغني)) (3/353).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((تمتَّعَ النَّاس مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالعُمْرةِ إلى الحجِّ، فلما قَدِمَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مكَّة، قال للناس: من كان منكم أهدى، فإنَّه لا يَحِلُّ مِن شيءٍ حَرُمَ منه، حتى يقضِيَ حَجَّه، ومن لم يكن منكم أهدى، فلْيَطُفْ بالبيت، وبالصَّفا والمروة، وليُقَصِّرْ، ولْيَحْلِلْ )) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227) واللفظ له.
2- عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه سُئِلَ عن مُتعةِ الحَجِّ، فقال: أهلَّ المهاجرونَ والأنصارُ وأزواجُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حجَّةِ الوداعِ وأهْلَلْنا، فلمَّا قَدِمْنا مكَّةَ، قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اجْعَلوا إهلالَكم بالحجِّ عُمْرةً إلَّا من قلَّد الهَدْيَ، فطُفْنا بالبيتِ وبالصَّفا والمروةِ، وأتَيْنا النِّساءَ، ولَبِسْنَا الثِّيابَ، وقال: من قلَّدَ الهَدْيَ فإنَّه لا يحِلُّ له حتَّى يبلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه، ثم أمَرَنَا عشِيَّةَ التَّرويةِ أن نُهِلَّ بالحَجِّ، فإذا فَرَغْنا مِنَ المناسِكِ، جِئْنا فطُفْنا بالبيتِ وبالصَّفا والمروةِ، فقد تمَّ حَجُّنا وعلينا الهَدْيُ )) رواه البخاري (1572).
3- عن جابرِ بن ِعبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه حَجَّ مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عامَ ساقَ الهَدْيَ معه، وقد أهلُّوا بالحَجِّ مُفْرَدًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أحِلُّوا من إحرامِكم، فطوفوا بالبيتِ وبين الصَّفا والمروةِ، وقَصِّرُوا، وأَقِيموا حلالًا حتى إذا كان يومُ التَّرويةِ فأهِلُّوا بالحجِّ، واجعلوا التي قَدَّمْتُم بها مُتعةً، قالوا: كيف نجعَلُها متعةً وقد سَمَّيْنَا الحجَّ؟ قال: افْعَلوا ما آمُرُكم به، فإنِّي لولا أنِّي سُقْتُ الهَدْيَ، لفَعَلْتُ مِثْلَ الذي أمرْتُكم به، ولكنْ لا يَحِلُّ مني حرامٌ، حتى يبلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه )) رواه البخاري (1568)، ومسلم (1216) واللفظ له.
4- عن نافعٍ: ((أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أراد الحَجَّ عام نزَلَ الحَجَّاجُ بابنِ الزُّبيرِ، فقيل له: إنَّ النَّاسَ كائِنٌ بينهم قتالٌ، وإنَّا نخاف أن يَصُدُّوك، فقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] إذًا أصنَعَ كما صَنَعَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم، إنِّي أُشْهِدُكم أنِّي قد أوجَبْتُ عُمْرَةً. ثم خرج حتى إذا كان بظَاهِرِ البَيداءِ، قال: ما شأنُ الحَجِّ والعُمْرَةِ إلا واحِدٌ، أُشْهِدُكم أنِّي قد أوجَبْتُ حجًّا مع عُمْرَتي. وأَهْدَى هديًا اشتراه بقُدَيْدٍ ولم يَزِدْ على ذلك، فلم يَنْحَرْ، ولم يَحِلَّ من شيءٍ حَرُمَ منه، ولم يَحْلِقْ ولم يُقَصِّرْ حتى كان يومُ النَّحْرِ، فنَحَرَ وحَلَقَ، ورأى أنْ قد قَضى طوافَ الحَجِّ والعُمْرَةِ بطوافِه الأَوَّل. وقال ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: كذلك فَعَلَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم )) رواه البخاري (1640) واللفظ له، ومسلم (1230).
ثانيًا: أنَّ سَعْيَ المتَمَتِّع هو سعيٌ لعُمْرَتِه، فتعلَّقَ الحَلْقُ والتحلُّلُ بالانتهاءِ منها، أمَّا سعيُ المُفْرِد والقارن فإنَّما هو سعيُ الحَجِّ، وهو لا يُتحَلَّلُ به، وإنَّما يُتحَلَّل بأعمالِ يَوْمِ النَّحْرِ، فلا معنى للحَلْقِ أو التحلُّلِ بعد هذا السَّعيِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/353)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (2/43).

انظر أيضا: