الموسوعة الفقهية

المبحثُ الأوَّل: حُكْمُ عَقْدِ النِّكاحِ للمُحْرِم


يَحْرُمُ عَقْدُ النِّكاحِ على المُحْرِمِ، ولا يصِحُّ، سواءٌ كان المُحْرِمُ الوَلِيَّ، أو الزَّوجَ، أو الزَّوجةَ، ولا فديةَ فيه، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: المالِكِيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 438)، ويُنظر: ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/118)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/331)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/301، 344). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/283، 288)ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/123). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 364)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/311، 314)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/151، 155). ، والظَّاهِريَّة ((المحلى)) لابن حَزْم (7/197رقم 869)، ((المجموع)) للنووي (7/287). ، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (قال مالك والشافعي وأصحابهما والليث والأوزاعي:لا يَنكِحِ المُحْرِمُ ولا يُنْكِحْ، فإن فعل فالنِّكاحُ باطل، وهو قولُ عُمرَ بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله، وسليمان بن يسار، وبه قال أحمد بن حنبل) ((الاستذكار)) (4/118).  وقال النووي: (مذْهَبُنا أنَّه لا يصِحُّ تزوُّجُ المُحْرِم ولا تزويجُه، وبه قال جماهيرُ العلماءِ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعين فمَن بعدَهم، وهو مذهب عمرَ بن الخطاب، وعثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، وابن عمر، وابن عباس، وسعيد بن المسيِّب، وسليمان ابن بشار، والزُّهري) ((المجموع)) (7/287)، ويُنْظَر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/17).
الأدلَّة:
أ- أَدِلَّة تحريمِ النِّكاحِ وعَدَمِ صِحَّتِه
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يقول: ((لا يَنكِحِ المُحْرِمُ، ولا يُنكِحْ، ولا يَخْطُبْ )) رواه مسلم (1409)
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه منهيٌّ عنه لهذا الحديثِ الصَّحيحِ، والنهيُ يقتضي الفسادَ ((المجموع)) للنووي (7/284،288).
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
1- عن أَبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيِّ ((أنَّ أباه طَرِيفًا تزوَّجَ امرأةً وهو مُحْرِم، فردَّ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ نكاحَه )) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/506)، والبيهقي (5/66) (9429). وصَحَّح إسناده ابن كثير في ((مسند الفاروق)) (1/404)
2- عن نبيه بنِ وهبٍ: أنَّ عُمَرَ بنَ عُبَيدِ اللهِ أراد أن يُزَوِّجَ طلحةَ بنَ عُمَرَ بنتَ شيبةَ بنِ جُبيرٍ، فأرسل إلى أبانَ بنِ عُثمانَ ليَحْضُرَه ذلك، وهما مُحْرِمان، فأنكر ذلك عليه أبانُ، وقال: سَمِعْتُ عثمانَ بنَ عفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه يقول: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: ((لا يَنْكِحِ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحْ وَلا يَخْطُبْ )) رواه مسلم (1409).
ورُوِيَ ذلك: عن عليٍّ وابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهم، وليس يُعْرَفُ لهما من الصَّحابَة مخالِفٌ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/124)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/25).
ثالثًا: إجماعُ أهْلِ المَدينةِ
عن سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ: ((أنَّ رجلًا تزوَّجَ وهو مُحْرِمٌ، فأجمَعَ أهلُ المدينةِ على أن يُفرَّقَ بينهما )) أخرجه البيهقي (9434).
رابعًا: أنَّ الإحرامَ معنًى يَمنَعُ مِنَ الوَطءِ ودواعيه، فوجَبَ أن يَمْنَعَ من النِّكاحِ، كالطِّيبِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/124)، ((المجموع)) للنووي (7/283،289)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/312).
خامسًا: أنَّه عقدٌ يمنعُ الإحرامُ مِن مقصودِه وهو الوَطْءُ، فمُنِعَ أصلُه، كشِراءِ الصَّيْدِ ((المجموع)) للنووي (7/289).              
ب- أَدِلَّةُ عَدَمِ وجوبِ الفِدْيةِ فيه
أوَّلًا: عدمُ الدَّليلِ على وجوبِ الفِدْيةِ، والأصلُ براءةُ الذِّمَّةِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/155).
ثانيًا: أنَّه وسيلةٌ، وغيرُه- أي: مِنَ المحظوراتِ الأخرى- مقصِدٌ، والذي يُجبَر إنَّما هو المقاصِدُ ((الذخيرة)) للقرافي (3/301، 344).
ثالثًا: أنَّه فَسَدَ لأجلِ الإحرامِ، فلم يجِبْ به فديةٌ، كشِراءِ الصَّيدِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/314).

انظر أيضا: