الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: الاشتغال بالقُرَبِ والطَّاعاتِ


المطلب الأول: اشتغالُ المُعتَكِفِ بالعِباداتِ المُختَصَّةِ به
يُستحَبُّ للمعتكِفِ أن يشتغِلَ بالقُرَبِ والعباداتِ المختصَّةِ به كرِهَ بعضُ المالكيَّة والحنابلةِ للمعتكِفِ الاشتغالَ بتدريسِ العِلم والمناظَرةِ وكتابةِ الحَديثِ ومجالَسةِ العُلماء، ونحو ذلك من العباداتِ التي لا يختصُّ نفعُها به. كقراءةِ القرآنِ، والذِّكر، والصَّلاةِ في غيرِ وقتِ النَّهيِ، وما أشبَهَ ذلك، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/352). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/406). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/528). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/362). ؛ وذلك لأنَّ الاعتكافَ إنما شُرِعَ للتَّفرُّغِ لعبادةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وجَمْعِ القَلبِ بكلِّيَّتِهِ على اللهِ سبحانه وتعالى.
المطلب الثاني: حكمُ الصَّمتِ عن الكلامِ مُطلقًا
يَحرُمُ الصَّمتُ على المُعتَكِف إنْ فعَلَه قُربةً وتديُّنًا قال ابنُ تيمية: (وأمَّا الصَّمتُ عن الكلامِ مُطلقًا في الصَّوم ِأو الاعتكافِ أو غيرِهما؛ فبدعةٌ مكروهةٌ باتِّفاقِ أهلِ العِلمِ) ((مجموع الفتاوى)) (25/292). وقال ابنُ تيمية أيضًا: (.. فمَن فَعَلَها- يعني بذلك بعضَ الأعمالِ كالصَّمت- على وجهِ التعبُّدِ بها والتقَرُّبِ واتِّخاذِ ذلك دينًا وطريقًا إلى الله تعالى؛ فهو ضالٌّ جاهلٌّ مخالِفٌ لأمرِ اللهِ ورسولِه، ومعلومٌ أنَّ مَن يفعَلُ ذلك مِن نَذْرٍ اعتكافًا ونحو ذلك، إنَّما يفعَلُه تديُّنًا، ولا رَيبَ أنَّ فِعلَه على وجهِ التَّدَيُّنِ حَرامٌ؛ فإنه يعتقِدُ ما ليس بقُربةٍ قُربةً، ويتقَرَّبُ إلى اللهِ تعالى بما لا يحبُّه الله، وهذا حرامٌ، لكِنْ مَن فعَلَ ذلك قبل بُلوغِ العِلمِ إليه، فقد يكون معذورًا بجَهلِه إذا لم تَقُمْ عليه الحُجَّةُ، فإذا بلغه العِلمُ فعليه التوبةُ. وجماعُ الأمرِ في الكلامِ قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من كان يؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ، فلْيَقُلْ خَيرًا أو ليَصْمُتْ)). فقَولُ الخَيرِ- وهو الواجِبُ أو المُستحَبُّ- خيرٌ من السُّكوتِ عنه، وما ليس بواجبٍ ولا مُستحَبٍّ، فالسُّكوتُ عنه خيرٌ مِن قَولِه) ((مجموع الفتاوى)) (25/293). ؛ نَصَّ على ذلك الحَنَفيَّة ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 153)، ((المبسوط)) للشيباني (2/277)، المذهب عند الحنفية: مكروهةٌ كراهةً تحريميَّةً. ، وبعضُ الحَنابِلة ((الفروع)) لابن مفلح (5/188)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/202). ، وهو قَولُ ابنِ تيميَّةَ قال ابنُ تيمية أيضًا: (.. فمَن فَعَلَها- يعني بذلك بعضَ الأعمالِ كالصَّمت- على وجهِ التعبُّدِ بها والتقَرُّبِ واتِّخاذِ ذلك دينًا وطريقًا إلى الله تعالى؛ فهو ضالٌّ جاهلٌّ مخالِفٌ لأمرِ اللهِ ورسولِه، ومعلومٌ أنَّ مَن يفعَلُ ذلك مِن نَذْرٍ اعتكافًا ونحو ذلك، إنَّما يفعَلُه تديُّنًا، ولا رَيبَ أنَّ فِعلَه على وجهِ التَّدَيُّنِ حَرامٌ؛ فإنه يعتقِدُ ما ليس بقُربةٍ قُربةً، ويتقَرَّبُ إلى اللهِ تعالى بما لا يحبُّه الله، وهذا حرامٌ، لكِنْ مَن فعَلَ ذلك قبل بُلوغِ العِلمِ إليه، فقد يكون معذورًا بجَهلِه إذا لم تَقُمْ عليه الحُجَّةُ، فإذا بلغه العِلمُ فعليه التوبةُ. وجماعُ الأمرِ في الكلامِ قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من كان يؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ، فلْيَقُلْ خَيرًا أو ليَصْمُتْ)). فقَولُ الخَيرِ- وهو الواجِبُ أو المُستحَبُّ- خيرٌ من السُّكوتِ عنه، وما ليس بواجبٍ ولا مُستحَبٍّ، فالسُّكوتُ عنه خيرٌ مِن قَولِه) ((مجموع الفتاوى)) (25/293).
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((بَيْنَا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ إذا هو برجُلٍ قائمٍ، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيلَ نذَرَ أن يقومَ ولا يقعُد، ولا يستظِلُّ، ولا يتكَلُّمُ، ويَصومُ. فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مُرْه فلْيتَكَلَّمْ، ولْيَستظِلَّ، ولْيَقعُدْ، ولْيُتِمَّ صَومَه )) رواه البخاري (6704).
وجه الدلالة:
أمرُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للرَّجُلِ أن يتكَلَّمَ مع أنَّه نَذَرَ الصَّمتَ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/292). ، فتَرْكُ الصَّمتِ لِمَن لم يَنذِرْه مِن بابِ أَوْلى.
2- عن قيسِ بن أبي حازمٍ قال: ((دخل أبو بكرٍ على امرأةٍ من أحْمَسَ يقالُ لها: زينبُ. فرآها لا تَكَلَّمُ، فقال: ما لها لا تَكَلَّمُ؟ قالوا: حَجَّتْ مُصْمِتةً. قال لها: تكلَّمي؛ فإنَّ هذا لا يحِلُّ، هذا مِن عَمَلِ الجاهليَّةِ. فتكَلَّمَت... )) رواه البخاري (3834).
المطلب الثالث: حكمُ عَقدِ النِّكاحِ للمُعتَكِف
يجوزُ للمُعتَكِفِ عقدُ النِّكاحِ في المسجدِ، سواءٌ لِنَفسِه، أو لِغَيرِه.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ: الطحاويُّ قال الطحاويُّ: (الصَّائِم والمعتكِف, حرامٌ على كلِّ واحدٍ منهما الجِماع، وكلٌّ قد أَجمَع أنَّ حُرمةَ الجِماع عليهما لا يَمنعُهما من عَقْدِ النِّكاحِ لأنفسِهما). ((شرح معاني الآثار)) (2/270). ، وابن عبد البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (ولم أسمَعْ أحدًا يَكرَهُ للمعتكِف ولا للمُعتَكِفة أن يَنكِحَا في اعتكافِهما، ما لم يكُنِ المَسيسُ). ((الاستذكار)) (3/403). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (يجوز أن يَتزوَّجَ وأن يُزوِّج.. ولا أعلَمُ فيه خلافًا). ((المجموع)) (6/528).
ثانيًا: لأنَّ النِّكاحَ طاعةٌ، وحضورُه قُربةٌ، كما أنَّ مُدَّتَه لا تتطاوَلُ، فلا يحصُلُ التَّشاغُلُ به عن الاعتكافِ؛ ولذا لم يُكرَهْ فيه (( المغني)) لابن قدامة (3/203).

انظر أيضا: