الموسوعة الفقهية

الفصل الثاني: حكمُ الاعتكافِ


الاعتكافُ سُنَّةٌ للرِّجالِ والنِّساءِ قد تُـمْنَع المرأةُ من الاعتكافِ في المسجِدِ إذا لم يكُن فيه مكانٌ تستَتِرُ فيه، أو خِيفَت الفِتنةُ عليها من الفَسقةِ، فالمنعُ هاهنا إنَّما هو لنظَرِ الشَّارع إلى صيانة المرأةِ، لا إلى أصلِ حُكم الاعتكافِ. يُنظر ((المبسوط)) للسرخسي (3/110). وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/298)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/113)، ((الاختيار لتعليل المختار)) لابن مودود الموصلي (1/145)، إلَّا أنَّ اعتكافَ المرأة في مسجدِ بَيتِها- الموضِعِ الذي تصلِّي فيه الصلواتِ الخَمسَ من بيتِها- عند الحنفيَّة، أفضلُ من اعتكافِها في مسجِدِ الجَماعة. ، والمالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (5/205)، وينظر: ((شرح خليل)) للخرشي (7/125)، ((الذخيرة)) للقرافي (2/541). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/475، 480)، وينظر: ((الحاوي)) للماوردي (3/481). ، والحَنابِلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/321)، وينظر: ((المغني))، لابن قدامة (3/186). وحُكي فيه الإجماع قال ابنُ المنذر: (وأجمعوا على أنَّ الاعتكافَ لا يجِبُ على النَّاسِ فرضًا، إلَّا أن يوجِبَه المرءُ على نفسِه، فيجِبُ عليه) ((الإجماع)) (ص50). وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (وأجمع علماءُ المسلمين على أنَّ الاعتكافَ ليس بواجبٍ، وأنَّ فاعِلَه محمودٌ عليه مأجورٌ فيه) ((التمهيد)) (23/52). قال النووي: (.. فالاعتكافُ سنَّةٌ بالإجماع ولا يجِبُ إلَّا بالنَّذرِ، بالإجماع) ((المجموع)) (6/475). وينظر: ((الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)) لابن الملقن (5/428)، ((فتح الباري)) لابن حجر (4/271).
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن أبي سعيدٍ الخدري رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((إنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اعتكفَ العَشرَ الأُوَلَ من رمضانَ، ثم اعتكف العَشرَ الأوسطَ في قبَّةٍ تركيَّةٍ على سُدَّتِها حَصيرٌ.. ثم أطلَعَ رأسَه فكَلَّمَ الناس، فدَنَوا منه، فقال: إنِّي اعتكفْتُ العَشرَ الأُوَلَ، ألتمِسُ هذه الليلةَ، ثم اعتكفتُ العَشرَ الأوسطَ، ثم أتيتُ، فقيل لي: إنَّها في العَشرِ الأواخِرِ، فمن أحَبَّ منكم أن يعتكِفَ، فليعتكِفْ، فاعتكَفَ النَّاسُ معه )) رواه مسلم (1167).
وجه الدلالة:
أنَّ اعتكافَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدلُّ على السُّنيَّةِ، وتعليقُه الاعتكافَ على من أحَبَّ ذلك يدلُّ على عدمِ الوُجوبِ قال ابنُ قدامة: (ومما يدلُّ على أنَّه سنةٌ, فِعلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومداومَتُه عليه, تقربًا إلى الله تعالى, وطلبًا لثوابه, واعتكافُ أزواجه معه وبعده, ويدلُّ على أنَّه غير واجبٍ أنَّ أصحابه لم يعتكفوا , ولا أمَرَهم النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم به، إلا من أرادَه) ((المغني)) (3/186).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اعتكَفَ معه بعضُ نسائِه، وهي مستحاضةٌ ترى الدَّمَ، فربَّما وضعت الطَّستَ تحتها من الدَّمِ... )) رواه البخاري (309).

انظر أيضا: