الموسوعة الفقهية

المطلب العاشر: شروط المَسح على العمامة


الفرع الأوَّل: حكمُ المسحِ على العمامةِ الصَّمَّاءِ
لا يُشترط أن تكونَ العِمامةُ محنَّكةً أو ذات ذؤابةٍ، فيجوزُ المسح على العمامة الصَّمَّاءِ العمامة الصماء: هي التي لا حنَكَ لها ولا ذؤابةَ. ((الإنصاف)) للمرداوي (1/140). ، وهذا مَذهَبُ الظاهريَّة قال ابن حزم: (وكلُّ ما لُبِسَ على الرَّأس من عمامةٍ أو خمار، أو قَلنسُوَة أو بيضة، أو مِغفَر، أو غير ذلك: أجزأ المسحُ عليها، المرأة والرَّجُل سواء في ذلك، لعِلَّة أو غير عِلَّة... وهو قول الأوزاعيِّ، وأحمدَ بنِ حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وداود بن عليٍّ، وغيرهم). ((المحلى)) (2/58-61). ، وهو وجهٌ للحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/200)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/140). ، واختاره ابن تيميَّة قال ابن تيميَّة: (السَّلف كانوا يُحنِّكونَ عَمائِمَهم؛ لأنهم كانوا يركبونَ الخَيلَ، ويجاهدون في سبيل الله، فإنْ لم يربِطوا العمائم بالتَّحنيك وإلَّا سقطت، ولم يمكن معها طَردُ الخيل؛ ولهذا ذكر أحمد عن أهل الشَّام: أنهم كانوا يحافِظونَ على هذه السُّنَّة؛ لأجْل أنَّهم كانوا في زمنه هم المجاهدين. وذكر إسحاق بن راهويه بإسناده: أنَّ أولاد المهاجرين والأنصار كانوا يَلبَسون العمائِمَ بلا تحنيكٍ؛ وهذا لأنَّهم كانوا في الحجازِ في زمن التابعين لا يُجاهِدون). ((مجموع الفتاوى)) (21/187). وقال المَرداويُّ: (اختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين وغيره جوازَ المسحِ، وقال هي القلانس). ((الإنصاف)) (1/139، 140). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (العمامةُ لا يُشترط أن تكون من شيء معيَّن؛ كلُّ ما أُدير على الرَّأس فإنَّه عمامةٌ، يجوز المسح عليه، إلَّا أنَّ بعض العلماء اشترطوا شرطًا ليس عليه دليلٌ، وهو: أن تكون العمامة محنَّكةً، أي: يُدارُ منها دورةٌ تحت الحَنَك، أو تكون ذاتَ ذؤابة، أي: يتدلَّى طرَفُها من عند الظَّهرِ، ولكن الصَّحيحَّ أنَّ ذلك ليس بشرطٍ، وأنَّه متى وُجِدَت العمامة على الرَّأس، فإنَّه يُمسَح عليها؛ وذلك لمشقَّةِ نَزعِها ثم طيِّها مرَّةً أخرى). ((اللقاء الشهري)) (اللقاء رقم: 23). ؛ وذلك لأنَّ النصَّ أطلَقَ الرُّخصةَ في العمامة؛ فمتى ثبَت مسمَّى العِمامة، جاز المسحُ عليها ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/238).
الفرع الثَّاني: حُكمُ لُبسِ العِمامةِ على طهارةٍ
لا يُشتَرَطُ لُبسُ العمامةِ على طهارةٍ، وهذا مَذهَبُ الظاهريَّة قال ابن حزم: (وسواءٌ لَبِس ما ذَكرْنا على طهارةٍ أو غيرِ طهارة... وقال أصحابُنا كما قلنا). ((المحلى)) (1/309). ، ورِوايةٌ عن أحمد ((الإنصاف)) للمرداوي (1/130). ، وهو قَولُ بعض السَّلف قال النوويُّ: (قال ابن المُنذِر: ممَّن مسح على العمامة أبو بكر الصِّدِّيق، وبه قال عمرُ وأنس بن مالك، وأبو أُمامة، ورُوي عن سعد ابن أبي وقَّاص، وأبي الدَّرداء، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، والحسن، وقتادة، والأوزاعيِّ وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، ثم شرَط بعضُ هؤلاء لُبسَها على طهارة، وشرَط بعضُهم كونها محنَّكة، أي: بعضها تحت الحنك، ولم يَشتَرِط بعضُهم شيئًا من ذلك). ((المجموع)) (1/407). وينظر: ((شرح النووي على مسلم)) (3/172). ، واختيارُ ابنِ تيميَّة قال المَرداويُّ: (اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين، وقال أيضًا: ويتوجَّه أنَّ العمامةَ لا يُشترط لها ابتداءُ اللُّبسِ على طهارةٍ، ويكفيه فيهما الطَّهارةُ المتقدِّمة؛ لأنَّ العادة أنَّ مَن توضَّأ مسَحَ رأسه ورفَع العمامةَ ثم أعادها، ولا يبقى مكشوفَ الرَّأس إلى آخِرِ الوُضوءِ). ((الإنصاف)) (1/130). ، وابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (لا يُشتَرَط في لُبس العمامة أن يَلبسها على طهارةٍ، ولا يُشترط لها مدَّة معيَّنة، وقياسُها على الجورب قياسٌ مع الفارِق؛ لأنَّ الجورَبَ ملبوسٌ على عضوٍ يُغسَل، وأمَّا العمامةُ فهي ملبوسةٌ على عضوٍ يُمسَح، وطهارتُه مخفَّفةٌ في الأصلِ). ((لقاء الباب المفتوح)) ( اللقاء رقم: 8).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ النُّصوصَ جاءت في التَّرخيصِ في لُبس العمامةِ، ولم تُشتَرَط الطَّهارة.
ثانيًا: أنَّه ليس هناك علَّةٌ جامعة بين المسحِ على العمامةِ والمسح على الخفَّين، وإنَّما نصَّ الشَّارِعُ على وجوبِ الطَّهارة في الخفَّينِ دون العمامة، ولو كان واجبًا لبيَّنَه ((المحلى)) لابن حزم (1/309).
الفرع الثَّالث: هل يُشتَرَط أن يكون المسحُ محدَّدًا بوقتٍ
لا يُشتَرَط للمَسحِ على العمامة توقيتٌ، وهذا مَذهَبُ الظاهريَّة قال ابن حزم: (يُمسحُ على كلِّ ذلك أبدًا بلا توقيتٍ ولا تحديد، وقد جاء عن عمر بن الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه التوقيتُ في ذلك ثابتًا عنه، كالمسحِ على الخفَّين، وبه قال أبو ثور، وقال أصحابُنا كما قلنا. ولا حُجَّةَ في قول أحد دون رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والقياسُ باطلٌ، وقول القائل: لَمَّا كان المسح على الخفَّين موقَّتًا بوقتٍ محدود في السَّفرِ ووُقِّتَ في الحضر، وجب أن يكون المسحُ على العمامة كذلك- دعوى بلا برهانٍ على صحَّتها، وقولٌ لا دليلَ على وجوبه، ويقال له: ما دليلُك على صحَّة ما تذكُرُ مِن أن يحكم للمسح على العمامة بمثل الوَقتينِ المنصوصينِ في المسحِ على الخفَّين؟ وهذا لا سبيل إلى وجودِه بأكثرَ مِن الدعوى، وقد "مسَحَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على العمامةِ والخِمارِ، ولم يوقِّتْ في ذلك وقتًا، ووقَّت في المسحِ على الخفَّين"، فيلزَمُنا أن نقول ما قال عليه السَّلام وأنْ لا نقولَ في الدِّين ما لم يقلْه عليه السَّلامُ؛ قال الله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا **البقرة: 229**). ((المحلى بالآثار)) (1/309). ، واختيارُ ابنِ عُثيمين قال ابن عثيمين: (لا يُشتَرَط لها توقيت؛ لأنَّه لم يثبُت عن الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّه وقَّتَها، ولأنَّ طهارةَ العضوِ التي هي عليه أخفُّ من طهارةِ عضو الخُفِّ، فلا يُمكِنُ إلحاقُ هذا بهذا، فمتى كانت عليك فامسَحْ، وإذا لم تكن عليك فامسَحِ الرَّأس، ولا توقيتَ فيها. لكن لو سلَكْتَ سبيلَ الاحتياط فلم تمسَحْها إلَّا إذا لبِستَها على طهارةٍ وفي المدَّةِ المحدَّدة للخفَّين، لكان حَسَنًا). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/170). ؛ وذلك لأنَّه لا دليلَ على اشتراط التَّوقيتِ، ولا يصحُّ القياسُ على المسحِ على الخفَّينِ ((المحلى)) لابن حزم (1/309).

انظر أيضا: