الموسوعة الفقهية

 المبحث الثالث: العقـــل


تمهيد
يُشتَرَطُ لوجوبِ الصَّومِ: العَقلُ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: منَ السُّنَّة
عن عليٍّ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصبيِّ حتى يكبَرَ، وعن المجنونِ حتى يعقِلَ )) رواه أبو داود (4403)، وابن حزم في ((المحلى بالآثار)) (4/ 363)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (5089) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.  وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنووي في ((المجموع)) (6/253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403). ورواه النسائي (3432)، وابن ماجة (2041)، وأحمد (24694)، والدارمي (2342) من حديث عائشة رضي الله عنها. صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (3432)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (89/1): إسناده على شرط مسلم، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضًا
ثانيًا: من الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا على أنَّ صِيامَ نَهارِ رمضانَ على: الصَّحيحِ المُقيم العاقِلِ البالِغِ الذي يعلم أنَّه رَمَضانُ وقد بلَغَه وجوبُ صِيامِه، وهو مُسلِمٌ) ((مراتب الإجماع)) (ص 39)، وانظر ((المحلى)) ( 6/160)، ولم يتعقَّبْه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (وأمَّا على مَن يجِبُ وجوبًا غير مُخيَّرٍ: فهو البالِغ، العاقِلُ، الحاضر، الصَّحيح، إذا لم تكُن فيه الصِّفة المانعةُ مِن الصَّوم، وهي: الحيضُ للنِّساء، وهذا لا خِلافَ فيه؛ لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185] ). ((بداية المجتهد)) (2/46). ، ومحمدُ ابنُ مُفلِح وقال ابنُ مفلح: (صَومُ رَمَضانَ فرضٌ على كلِّ مسلمٍ بالِغٍ، عاقلٍ، قادرٍ، مقيمٍ "ع" [إجماع]). ((الفروع)) (4/428). ، وإبراهيمُ ابنُ مفلح قال برهان الدين ابن مُفلح: ("ولا يجب الصَّوم إلَّا على المسلِم البالغ، العاقِل، القادر على الصوم" إجماعًا). ((المبدع)) (2/414).
المطلب الأول: زَوالُ العَقلِ بالجُنونِ
الفرع الأول: حُكمُ الصَّومِ على المَجنونِ
لا يجِبُ الصَّومُ على المجنونِ، ولا يصِحُّ منه.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن عليٍّ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصبيِّ حتى يكبَرَ، وعن المجنونِ حتى يعقِلَ )) رواه أبو داود (4403)، وابن حزم في ((المحلى بالآثار)) (4/ 363)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (5089) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.  وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنووي في ((المجموع)) (6/253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403). ورواه النسائي (3432)، وابن ماجة (2041)، وأحمد (24694)، والدارمي (2342) من حديث عائشة رضي الله عنها. صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (3432)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (89/1): إسناده على شرط مسلم، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضًا
ثانيًا: من الإجماعِ
نقل الإجماعَ على ذلك النَّوويُّ قال النووي: (المجنونُ لا يلزَمُه الصومُ في الحالِ بالإجماعِ) ((المجموع)) (6/251). ، وابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيمية: (اتفقَ العُلَماءُ على أنَّ المجنونَ والصَّغيرَ الذي ليس بممَيِّزٍ، ليس عليه عبادةٌ بدنيَّةٌ، كالصَّلاةِ والصِّيام..) ((منهاج السنة النبوية)) (6/49). وقال أيضًا: (وأمَّا المجنونُ الذي رُفِعَ عنه القَلَمُ، فلا يصِحُّ شَيءٌ من عباداتِه باتِّفاقِ العُلَماءِ، ولا يصِحُّ منه إيمانٌ ولا كُفرٌ، ولا صلاةٌ، ولا غيرُ ذلك من العباداتِ) ((مجموع الفتاوى)) ( 11/191).
الفرع الثاني: حُكمُ صومِ المَجنونِ إذا أفاقَ في نهارِ رَمَضانَ
إنْ أفاق المجنونُ أثناءَ نهارِ رَمَضانَ؛ لَزِمَه أن يُمسِكَ بقيَّةَ اليَومِ، وهو مذهب الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/104)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/363). ، وروايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (3/ 163). ، واختاره ابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيمية: (وطَردُ هذا أنَّ الهلالَ إذا ثبت في أثناءِ يَومٍ قبل الأكلِ أو بعده أتَمُّوا وأمسَكُوا ولا قضاءَ عليهم، كما لو بلغ صَبِيٌّ أو أفاق مجنونٌ، على أصَحِّ الأقوالِ الثلاثة) ((مجموع الفتاوى)) (25/109). ، وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/334). ؛ وذلك لأنَّه صار مِن أهلِ الوُجوبِ حين إفاقَتِه، فيُمسِكُ تشبُّهًا بالصَّائِمينَ وقضاءً لحقِّ الوقتِ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/311-313).
الفرع الثالث: حُكمُ القضاءِ على المَجنون إذا أفاقَ
المجنونُ إذا أفاق لا يَلزمُه قضاءُ ما فاتَه زمنَ الجُنونِ، سواءٌ قلَّ ما فاتَه أو كثُر، وسواءٌ أفاقَ بعدَ رَمَضانَ أو في أثنائِه، وهذا مذهبُ الشَّافِعيَّة ((فتح العزيز)) للرافعي (6/432)، ((المجموع)) للنووي (6/254). واشترطَ الحَنَفيَّة في عَدَمِ القضاءِ أن يستوعِبَ الجنونُ شَهرَ رمضانَ. ينظر: ((البحر الرائق)) (2/313)، ((الدر المختار)) (2/432).                 ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/208)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/314). ، وهو اختيارُ ابنِ المُنذِر ((الأوسط)) لابن المنذر (4/396). ، وابنِ حَزمٍ ((المحلى)) (4/365). ، وابنِ باز ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/206). ، وابن عُثيمين ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 149).
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن عليٍّ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصبيِّ حتى يكبَرَ، وعن المجنونِ حتى يعقِلَ )) رواه أبو داود (4403)، وابن حزم في ((المحلى بالآثار)) (4/ 363)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (5089) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.  وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنووي في ((المجموع)) (6/253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403). ورواه النسائي (3432)، وابن ماجة (2041)، وأحمد (24694)، والدارمي (2342) من حديث عائشة رضي الله عنها. صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (3432)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (89/1): إسناده على شرط مسلم، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضًا
الفرع الرابع: حُكمُ صومِ مَن نوى الصِّيامَ باللَّيلِ ثم أصيبَ بالجُنونِ ولم يُفِقْ إلَّا بعد غروبِ الشَّمسِ
مَن نوى الصِّيامَ باللَّيلِ ثمَّ أصيبَ بالجُنونِ ولم يُفِقْ إلَّا بعد غُروبِ الشَّمسِ، فإنَّ صَومَه لا يصِحُّ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/522). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/251)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/ 370)، ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) للهيتمي (3/ 415). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/207).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: منَ السُّنَّة
 عن عائِشةَ رَضِيَ الله عنها، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصَّغيرِ حتى يكبَرَ، وعن المجنونِ حتى يعقِلَ ، أو يُفيقَ)) [152] رواه النسائي (3432)، وابن ماجة (2041)، وأحمد (24694)، والدارمي (2342). صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (3432)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (89/1): إسناده على شرط مسلم، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضًا
ثانيًا: لأنَّ مِن شُروطِ وُجوبِ العِبادةِ وصِحَّتِها: العقلَ، والمجنونُ لا عَقْلَ له ((الشرح الكبير)) للدردير (1/522).
الفرع الخامس: حُكمُ قضاءِ مَن كان صائمًا فأصابَه الجُنونُ
مَن كان صائمًا فأصابَه الجنونُ، فلا قضاءَ عليه، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّةِ ((المبسوط)) للسرخسي (3/82). ، والحَنابِلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/480)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 116). ، وهو اختيارُ ابنِ حَزمٍ قال ابنُ حزمٍ: (من نوى الصَّومَ كما أمَرَه اللهُ عَزَّ وجَلَّ ثم جُنَّ; أو أغمِيَ عليه؛ فقد صَحَّ صومُه) ((المحلى)) (6/227). ؛ وذلك لأنَّه قد أدَّى ما عليه وهو صحيحٌ مُكَلَّفٌ، ثم رُفِعَ عنه التَّكليفُ بالجنونِ، فلا يُطالَبُ بقضاءِ ما لم يكُنْ مكلَّفًا به.
المطلب الثاني: العَتَه
أوَّلًا: تَعريفُ العَتَهِ
- العَتَهُ لغةً: نُقصانُ العَقلِ مِن غيرِ جُنونٍ أو دَهَشٍ ((المصباح المنير)) للفيومي (2/ 392).
- العَتَهُ اصطلاحًا: آفةٌ ناشئةٌ عن الذَّاتِ تُوجِبُ خللًا في العَقلِ، فيصيرُ صاحِبُه مختلِطَ العقلِ، فيُشبِهُ بعضُ كلامِه كلامَ العُقلاءِ، وبعضُه كلامَ المجانينِ ((التعريفات)) للجرجاني (ص 190).
ثانيًا: حُكمُ صومِ المَعتوهِ
المعتوهُ الذي أُصيبَ بعَقلِه على وجهٍ لم يبلُغْ حَدَّ الجُنونِ؛ لا صومَ عليه، وليس عليه قَضاءٌ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن عائشةَ رَضِيَ الله عنها، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القلَمُ عن ثلاثةٍ: عن الصَّبيِّ حتى يحتَلِمَ، وعن المعتوهِ حتى يُفيقَ، وعن النَّائِمِ حتى يستيقِظَ )) [159] رواه أحمد (24694)، والدارمي (2342)، والحاكم في ((المستدرك)) (2350)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (11453) بألفاظ متقاربة. ورواه أبو داود (4398)، والنسائي (3432)، وابن ماجة (2041) ببعض اختلاف صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (3432)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (89/1): إسناده على شرط مسلم، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضًا
وفي روايةٍ عن عليٍّ رَضِيَ الله عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصبيِّ حتى يشِبَّ، وعن المعتوهِ حتى يعقِلَ )) رواه الترمذي (1423)، وأحمد (956) حسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (226)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (2/197)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3515)، و ((صحيح الترمذي)) (1423).  
ثانيًا: مِنَ الإجماع
نقَل ابنُ عبد البرِّ الإجماعَ على ذلك قال ابنُ عبد البر: (.. وهذا إجماعٌ؛ أنَّ المجنونَ المعتوه لا حدَّ عليه، والقَلمُ عنه مرفوعٌ) ((التمهيد)) (23/120).
ثالثًا: لأنَّه نَوعٌ مِنَ الجنونِ؛ فينطَبِقُ على المَعتوه ما ينطبِقُ على المجنونِ مِن أحكامٍ ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (29/276).
المطلب الثالث: الخَرَفُ
أوَّلًا: تَعريفُ الخَرَفِ:
الخرف: هو فَسادُ العَقلِ مِنَ الكِبَرِ ((الصحاح)) للجوهري (4/ 1349)، ((معجم لغة الفقهاء)) لمحمد رواس قلعجي، وحامد صادق قنيبي (1/ 194).
ثانيًا: حُكمُ صومِ المُخَرِّفِ
ليس على المُخَرِّف صَومٌ ولا قضاءٌ، وهو اختيارُ ابنِ باز ((موقع الشيخ ابن باز الرسمي)). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (فالمهذري أي: المُخرِّف لا يجِبُ عليه صومٌ، ولا إطعامٌ بَدَلَه؛ لِفَقدِ الأهليَّةِ، وهي العَقلُ) ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/323)، وانظر ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/77).
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن عائشةَ رَضِيَ الله عنها، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القلَمُ عن ثلاثةٍ: عن الصبيِّ حتى يحتَلِمَ، وعن المعتوهِ حتى يُفيقَ، وعن النَّائِمِ حتى يستيقِظَ )) [166] رواه أحمد (24694)، والدارمي (2342)، والحاكم في ((المستدرك)) (2350)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (11453) بألفاظ متقاربة. ورواه أبو داود (4398)، والنسائي (3432)، وابن ماجة (2041) ببعض اختلاف صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (3432)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (89/1): إسناده على شرط مسلم، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضًا
وجهُ الدلالة:
أن المخرِّفَ لَمَّا اختلَّ وزالَ شُعورُه، صار مِن جِنسِ المجانينِ والمعتوهينَ، ولا تَمييزَ لديه بسبَبِ الهَرَمِ؛ ولذا فلا شَيءَ عليه ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز بعناية الشويعر (16/ 105).
المطلب الرابع: زوالُ العَقلِ بالإغماءِ
الفرع الأول: حُكمُ مَن نوى الصَّومَ ثمَّ أصيبَ بإغماءٍ في رمضانَ
المسألة الأولى: أن يَنويَ الصَّومَ ثم يُغمى عليه جميعَ النَّهارِ
إذا استوعَبَ الإغماءُ جميعَ النَّهارِ، أي: أُغمِيَ عليه قبل الفَجرِ، ولم يُفِقْ إلَّا بعد غروبِ الشَّمسِ؛ فلا يصِحُّ صومُه، وعليه قضاءُ هذا اليومِ، وهو مذهبُ الجمهورِ: المالكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/457)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/723). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/255). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/207). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ قدامة: (ومتى فسَدَ الصَّومُ به- أي بالإغماءِ- فعلى المُغمَى عليه القَضاءُ بِغَيرِ خلافٍ عَلِمناه) ((المغني)) (3/ 115). ؛ وذلك لأنَّ الصَّومَ إمساكٌ عن المُفَطِّراتِ مع النيَّةِ، والمُغمَى عليه فَقَد الإمساكَ المُضافَ إليه النيَّةُ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/314).
الدليلُ على وجوبِ القضاء عليه:
عمومُ قَولِ الله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 185]
المسألة الثانية: أن ينويَ الصَّومَ ثم يُغمَى عليه جزءًا مِنَ النَّهارِ
إذا أغمِيَ عليه ثم أفاق جزءًا مِنَ النَّهارِ، ولو لِلَحظةٍ، فصيامُه صَحيحٌ، ولا قضاءَ عليه، وهو مذهَبُ الشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/346 - 347). ، والحَنابِلة ((منتهى الإرادات)) (2/19)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/116). ؛ وذلك لأنَّ الصَّومَ إمساكٌ عَنِ المفطِّراتِ مع النيَّةِ، وما دام أنَّه قد أفاق جزءًا مِنَ النَّهارِ، فقد وُجِدَ منه النيَّةُ، مع قصْدِ الإمساكِ في جُزءٍ مِنَ النهارِ، كما لو نام بقيَّةَ يَومِه ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/314).
الفرع الثاني: حُكمُ مَن زال عَقلُه وفَقَدَ وَعيَه بسببِ التَّخديرِ بالبَنْجِ
مَن زالَ عَقلُه وفَقَد وعيَه بسببِ التَّخديرِ بالبَنْجِ؛ فحُكمُه حُكمُ الإغماءِ على ما سَبَقَ بيانُه قال النووي: (قال أصحابُنا: ومَن زال عَقلُه بِمَرَض أو بِشُربِ دَواءٍ شَرِبَه لحاجةٍ أو بعذرٍ آخَرَ؛ لَزِمَه قضاءُ الصَّومِ دونَ الصَّلاةِ، كالمغمى عليه، ولا يأثمُ بِتَركِ الصَّومِ في زمنِ زَوالِ عَقلِه. وأمَّا مَن زال عَقلُه بمُحَرَّمٍ كخمرٍ أو غيره مما سبَقَ بيانه... فيلزَمُه القضاءُ، ويكون آثمًا بالتَّركِ، والله أعلم) ((المجموع)) (6/255). وانظر ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عُثيمين (اللقاء رقم: 3).
(ينظر: زوال العقل بالإغماء).
المطلب الخامس: فَقْدُ الذَّاكرةِ
مَن أُصيبَ بفُقدانِ الذَّاكرةِ؛ فلا يجِبُ عليه الصَّومُ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ، وابنُ عُثَيمين سُئِلَتِ اللجنةُ الدائمة عن والدٍ مُصابٍ بفقدانِ الذاكرةِ، وقد أفطر شَهرَ رَمَضانَ. فأجابت اللجنةُ الدائمة- برئاسة ابن باز-: (.. ليس على والِدِكم صلاةٌ ولا صيامٌ؛ لأنَّه فاقِدٌ للعَقلِ، وقد قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، والصَّغيرِ حتى يحتَلِمَ، والمجنونِ حتى يُفيقَ))، ووالِدُكم فاقِدٌ للعقلِ، كواحدٍ مِن هؤلاء) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (5/16). قال ابنُ عُثيمين: (ومثله أيضًا الكبيرُ الذي بلغ فقدانَ الذَّاكرة، كما قال هذا السَّائِلُ، فإنَّه لا يجِبُ عليه صومٌ ولا صلاةٌ ولا طهارةٌ؛ لأنَّ فاقِدَ الذَّاكرة هو بمنزلةِ الصبيِّ الذي لم يُمَيِّزْ، فتسقُطُ عنه التكاليفُ، فلا يُلزَمُ بطهارةٍ، ولا يُلزَمُ بصلاةٍ، ولا يُلزَمُ أيضًا بصيامٍ) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/85).
الدَّليل:
قياسًا على الصبيِّ الذي لا يُمَيِّزُ؛ لحديثِ عائشةَ رَضِيَ الله عنها، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القلَمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، وعن المُبتلى حتى يبرَأَ، وعن الصَّبيِّ حتى يكبَرَ )) [178] رواه أبو داود (4398)، والنسائي (3432)، وابن ماجة (2041) وأحمد (24694). صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/392)، والألباني في ((صحيح النسائي)) (3432)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (89/1): إسناده على شرط مسلم، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/124): له شاهد وله طرق يقوي بعضها بعضًا

انظر أيضا: