الموسوعة الفقهية

المبحث الأوَّل: وقتُ وُجوبِ زكاة الفطر


اختلف أهلُ العِلم في الوَقتِ الذي تجِبُ فيه زكاةُ الفِطرِ قال ابنُ رُشْدٍ: (وفائدة هذا الاختلافِ في المولودِ يُولَدُ قبل الفَجرِ مِن يومِ العِيدِ وبعد مَغيبِ الشَّمسِ: هل تجِبُ عليه أم لا تجِبُ؟). ((بداية المجتهد)) (1/282)، وكذا مَن مات في هذا الوقت ومن أسلَمَ قبل الفَجرِ مِن يومِ العِيدِ وبعد مَغِيبِ الشَّمسِ. على قَولينِ:
القول الأوّل: تجِبُ بغُروبِ شَمسِ آخِر يومٍ مِن رمضانَ، وهو مذهَبُ الشافعيَّة على الأصحِّ ((المجموع)) للنووي (6/126)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/401). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/125)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/89). ،وهو أحَدُ القَولينِ المشهورينِ لدى المالكيَّة ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/228)، ((حاشية العدوي)) (1/514). ، وبه قال بعضُ السَّلَفِ قال ابنُ حجر: (واستُدلَّ به على أنَّ وقت وجوبها غروب الشمس ليلة الفطر؛ لأنَّه وقت الفطر من رمضان، وقيل: وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد؛ لأنَّ اللَّيل ليس محلًّا للصوم، وإنما يتبيَّن الفطر الحقيقيُّ بالأكْل بعد طلوع الفجر، والأول قول الثوري وأحمد وإسحاق، والشافعي في الجديد، وإحدى الروايتين عن مالك). ((فتح الباري)) (3/368). ، واختاره ابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (تجب بغروب الشَّمس ليلة الفطر) ((الشرح الممتع)) (6/166). ، واللَّجنةُ الدَّائمة وفي فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: (لا يبدأ وقت زكاة الفطر من بعد صلاة العيد، وإنما يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان، وهو أوَّل ليلة من شهر شوال، وينتهي بصلاة العيد). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (9/373).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((فرَضَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ؛ طُهرةً للصَّائمِ مِنَ اللَّغوِ والرَّفَثِ، وطُعمةً للمَساكينِ؛ مَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ، فهي زكاةٌ مَقبولةٌ، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ، فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدَقاتِ )) [2115] - رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، والدارقطني (2/138)، والحاكم (1/568) قال الدارقطني عن رواته: ليس فيهم مَجروحٌ، وحسَّن إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (6/126)، وصحَّحه ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (10/636)، وابنُ باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (15/271). و الألباني في ((صحيح الجامع)) (3570).
وجه الدَّلالة من وجهين:
الوجه الأول: دلَّ الحديثُ على أنَّ صَدَقةَ الفِطرِ تَجِبُ بغُروبِ شَمسِ آخِرِ يَومٍ مِن رَمضانَ، مِن جِهةِ أنَّه أضاف الصَّدقةَ إلى الفِطرِ، والإضافةُ تقتضي اختصاصَ الصَّدَقةِ بالفِطرِ، وأوَّلُ فِطرٍ يَقَعُ عن جميعِ رَمَضانَ هو بغُروبِ شَمسِ آخِرِ يَومٍ منه ينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/362)، ((المغني)) لابن قدامة (3/89)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/166).
الوجه الثاني: قوله: (طهرة للصائم) أن الفطرة جعلت طهرة للصائم وانقضاء الصوم يكون بغروب الشمس ((المجموع)) للنووي (6/125). وأن من لم يدرك شيئا من زمان الصوم لم يحتج إلى الطهرة من الصوم، لأنه لم يدرك شيئا من رمضان، فوجب أن لا تلزمه زكاة الفطر ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/362).
ثانيًا: أنَّ زكاةَ الفِطرِ تُضافُ إلى الفِطرِ، فكانت واجبةً به، كزكاةِ المالِ ((المغني)) لابن قدامة (3/89).
ثالثًا: أن زكاة الفطر إما أن تجب بخروج رمضان، أو بدخول شوال، وغروب الشمس يجمع الأمرين فكان تعلق الزكاة به أولى ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/362).
القول الثاني: أنَّ وَقتَ وُجوبِها يبدأُ مِن طُلُوعِ الفَجرِ مِن يومِ الفِطرِ، وهو مذهَبُ الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (1/310)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/297). ، والظَّاهِريَّة قال ابنُ حَزْم: (وقتُ زكاةِ الفِطرِ الذي لا تَجِبُ قبله, إنما تَجِبُ بدخولِه, ثم لا تجب بخُروجِه: فهو إثرَ طُلوعِ الفَجرِ الثَّاني مِن يَومِ الفِطرِ, ممتدًّا إلى أن تبيَّضَ الشَّمسُ وتحلَّ الصلاةُ من ذلك اليوم نفْسِه; فمن مات قبل طُلوعِ الفَجرِ مِن اليومِ المَذكورِ، فليس عليه زكاةُ الفِطرِ, ومَن وُلِد حين ابيِضاضِ الشَّمسِ مِن يَومِ الفِطرِ فما بعد ذلك، أو أسلم كذلك؛ فليس عليه زكاةُ الفِطرِ, ومَن مات بين هذينِ الوَقتينِ أو وُلِدَ أو أسلَمَ أو تمادتْ حياتُه وهو مسلم: فعليه زكاةُ الفطر). ((المحلى)) (6/142 رقم 718). وقال النوويُّ: (قال أبو حنيفةَ وأصحابُه وأبو ثور وداود ورواية عن مالك: تجِبُ بطُلوعِ الفَجرِ). ((المجموع)) للنووي (6/128). وقال النوويُّ أيضًا: (قال داود: لا يجوزُ تَقديمُها قبل فَجرِ يَومِ العِيدِ ولا تأخيرُها إلى أن يصلِّيَ الإمامُ العيدَ). ((المجموع)) للنووي (6/142). ، وأحَدُ القَولينِ المَشهورينِ لدى المالكيَّة ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/228)، ((حاشية العدوي)) (1/514). ، وهو قَولُ الشافعيِّ القديم ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/361)، ((المجموع)) للنووي (6/126). ، وبه قال اللَّيثُ بنُ سَعدٍ ((فتح الباري)) (3/368). ، واختاره ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِرِ: (الوقتُ الذي يجِبُ فِيهِ زكاةُ الفِطرِ طُلوعُ الفَجرِ مِن يومِ الفِطرِ، فكلُّ مَن مَلَك عبدًا أو وُلِدَ له مولودٌ قبل طُلوعِ الفَجرِ، فطلَعَ الفَجرُ والعبدُ في مِلكه والمولودُ حيٌّ، فعليه في كلِّ واحدٍ منهما زكاةُ الفِطرِ). ((الإقناع)) لابن المُنْذِر (1/182).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((فرَضَ رَسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفطرِ؛ طُهرةً للصَّائِمِ منَ اللَّغوِ والرَّفث، وطُعمةً للمَساكينِ؛ مَن أدَّاها قبل الصَّلاة فهي زكاةٌ مَقبولةٌ، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ، فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدقات )) [2127] - رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، والدارقطني (2/138)، والحاكم (1/568) قال الدارقطني عن رواته: ليس فيهم مَجروحٌ، وحسَّن إسنادَه النوويُّ في ((المجموع)) (6/126)، وصحَّحه ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (10/636)، وابنُ باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (15/271). و الألباني في ((صحيح الجامع)) (3570).
وجه الدَّلالة:
أنَّ الصَّدقةَ أُضيفَتْ إلى الفِطرِ، والإضافةُ للاختصاصِ، والاختصاصُ للفِطرِ باليومِ دُونَ اللَّيلِ؛ إذ المرادُ فِطرٌ يضادُّ الصَّومَ، وهو في اليَومِ دُونَ اللَّيل؛ لأنَّ الصَّومَ في يومِ العِيدِ حَرامٌ، أمَّا الفِطرُ في ليلَتِه فقد كان يوجَدُ في كلِّ ليلةٍ مِن رَمَضانَ ولا يتعلَّقُ الوجوبُ به، فدلَّ على أنَّ المرادَ به ما يضادُّ الصَّومَ ((العناية شرح الهداية)) البابرتي (2/298).
2- عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((أمَر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بزكاةِ الفِطرِ أنْ تُؤدَّى قبل خُروجِ النَّاسِ إلى الصَّلاةِ )) رواه البخاري (1503)، ومسلم (986)
وجه الدَّلالة:
 أنَّ الحديثَ دلَّ على أنَّ أداءَها الذي ندَبَ إليه الشَّارعُ هو قبل الخُروجِ إلى مصلَّى العِيدِ، فعُلِمَ أنَّ وقتَ وُجوبِها هو يومُ الفِطرِ ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/340).
ثانيًا: أنَّ تعلُّقَ زكاةِ الفِطرِ بِعيدِ الفِطرِ كتعلُّقِ الأضحِيَّةِ بعيد الأضحى، فلمَّا كانت الأضحيَّةُ متعلِّقةً بنَهارِ النَّحرِ دون لَيلِه، فكذلك زكاةُ الفِطرِ تكون متعلِّقةً بنَهارِ الفِطرِ دُونَ لَيلِه ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/362).
ثالثًا: أنَّ ليلةَ الفِطرِ مِثلُ ما قَبلَها فيما يحِلُّ ويحرُمُ فيها؛ فلم يجزْ أن تتعلَّقَ زكاةُ الفِطرِ بها كما لم تتعلَّقْ بما قبلَها ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/362).
رابعًا: أنَّها قُربةٌ تتعلَّقُ بالعِيد، فلم يتقدَّمْ وُجوبُها يومَ العِيدِ ((المغني)) لابن قدامة (3/89).
خامسًا: أنَّ تسمِيَتَها صدقةَ الفِطرِ، تدلُّ على أنَّ وُجوبَها بطلوعِ فَجرِ يَومِ الفِطرِ ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/340).

انظر أيضا: