الموسوعة الفقهية

المبحث السادس: دخول الوقت لمَن به حدثٌ دائم


لا يُشتَرَط دخولُ الوقتِ لصحَّة طهارة مَن به حدَثٌ دائم وذلك كالمصاب بسَلَس البول، أو الريح، وكالمريضِ الذي تُوضعَ له قسطرة (القِسطار هو ماسور بلاستيكي يوضع في مجرى البول؛ بحيث يتمكَّن المريض عَبرَه من البولِ في كيسٍ). ، ولا أن يتوضَّأ لكلِّ صلاةٍ، وهذا مَذهَبُ المالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/117)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/389). ، والظاهريَّة قال النوويُّ: (قال ربيعة ومالك وداود: دم الاستحاضة لا يَنقُض الوضوءَ، فإذا تطهَّرت، فلها أن تصلِّي بطهارَتِها ما شاءت من الفرائِض، إلى أن تُحدِث بغيرِ الاستحاضة). ((شرح النووي على مسلم)) (4/18). ، وبه قال بعضُ السَّلف قال ابن عبدِ البَرِّ: (وممَّن قال بأنَّ الوضوءَ على المستحاضة غيرُ واجب: ربيعة، وعِكرمة، وأيُّوب، وطائفة). ((التمهيد)) (16/99). وقال ابن رجب: (قالَ ابن عبدِ البَرِّ: والوضوءُ عليها عند مالك على الاستحباب دونَ الوجوب، قال: وقد احتجَّ بعض أصحابنا على سقوط الوضوءِ بقَولِ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فإذا ذهَب قدْرُها فاغْتسلِي وصلِّي))، ولم يذكُر وضوءًا، قالَ: وممَّن قالَ بأنَّ الوضوءَ على المستحاضة غيرُ واجب: ربيعة، وعِكرمة، ومالك، وأيُّوب، وطائفة) ((فتح الباري)) (1/450). ، وهو اختيار الشَّوكانيِّ قال الشَّوكاني: (قوله:- أي: صاحب حدائق الأزهار-: ودخولُ الوقت في حقِّ المستحاضةِ ونحوها. [يعني أنَّه من نواقضِ الوضوء]. أقول: ليس على هذا أثارةٌ من عِلم ولا عقل؛ فلا حاجةَ إلى التطويل في ردِّه وبيانِ بُطلانه). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 63). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (كلُّ ما خرج من البدن لا ينقُضُ الوضوءَ، إلَّا البولَ والغائط، أمَّا الدَّمُ والقيءُ والقيحُ، وما يُسمِّيه النِّساءُ بالطُّهرِ الذي يسيلُ من فرْج المرأة دائمًا، حتى إنَّ بعض العلماء قال: سلسُ البول، فلا ينقُض الوضوءَ أيضًا، إذا تطهَّر الإنسانُ أوَّل مرَّة فإنَّه لا ينتقِضُ وضوءُه ما لم يُحدِث بحدثٍ آخَر؛ وعُلِّل ذلك بأنَّه لا يستفيد من الوضوء؛ إذ إنَّ الحدَث دائم، فلا فائدةَ من الوضوء، نعَمْ، لو انتقض وضوءُه من رِيح مثلًا وفيه سلس بول، فهنا يجب أن يتوضَّأ، وهذا القول ليس ببعيدٍ من الصَّواب، وكنت بالأوَّل أرى أنَّه ينقض الوضوءَ، وأنَّه لا يجوزُ أن يتوضَّأ الإنسان للصَّلاة إلَّا بعد دخولِ وَقتِها، لكن بعد أن راجعتُ كلام العُلَماء واختلافَهم، وقوَّة تعليلِ مَن علَّل بأنَّ هذا الوضوءَ لا فائدةَ منه؛ إذ إنَّ الحَدَث دائمٌ، تراجعتُ عن قولي الأوَّل، وهذا القول أرفَقُ بالنَّاسِ بلا شكٍّ، ولا سيَّما بالنِّسبةِ للنِّساء اللاتي يخرُجُ منهنَّ هذا السَّائل الدائم، ولا سيَّما في أيَّام الحجِّ والعمرة، عندما تذهبُ المرأة مثلًا إلى المسجِد مِن بعد المغربِ؛ لتصلِّي صلاة العشاء، إذا قلنا بانتقاضِ الوضوءِ، يعني لا بد أن تبتدئَ الوضوءَ بعد دخول الوقتِ، فصار في هذا مشقَّة عظيمة، لا سيَّما في أيَّام الزِّحامِ، شيء فيه مشقَّة على المسلمين، والدَّليلُ فيه ليس بواضحٍ، وقد قال الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ **البقرة: 185** وقال: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ **الحج: 78**). ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 214).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال لفاطمة بنت أبي حُبَيش: ((إنَّما ذلكِ عِرقٌ، وليس بالحَيضة، فإذا أقبَلَت الحيضةُ، فاتركي الصَّلاةَ، فإذا ذهَبَ قدْرُها، فاغسلي عنك الَّدمَ، وصلِّي )) رواه البخاري (306) واللفظ له، ومسلم (333).
وجه الدَّلالة:
أنَّه لم يذكُرْ وضوءًا، ولو كان الوضوءُ واجبًا عليها، لَمَا سكت عن أن يأمُرَها به، وما ورد من إيجابِ الوُضوءِ لكلِّ صلاةٍ، فهو مضطربٌ لا تجبُ بمثله حُجَّة ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (16/95، 98)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/389)، ((فتح الباري)) لابن رجب (1/449، 450).
ثانيًا: أنَّ دمَ الاستحاضةِ، إذا لم يكُن حدَثًا في الوقتِ، فإنَّه لا يكونُ حَدثًا بعده، فخروجُ الوقتِ ليس من نواقِضِ الوُضوءِ، وقد اتَّفقوا على أنَّه إذا خرَجَ الدَّمُ في الصَّلاةِ، أتمَّتْها وأجزأَتْها ((الذخيرة)) للقرافي (1/389).
ثالثًا: أنَّه لا فرقَ بين الدَّمِ الذي يخرُجُ مِن المستحاضة قبل الوضوءِ، والذي يخرُجُ في أضعافِ الوضوءِ، والدَّمِ الخارجِ بعد الوضوء؛ لأنَّ دمَ الاستحاضةِ إنْ كان يُوجِب الوضوءَ، فقليلُ ذلك وكثيرُه في أيِّ وقت كان، يوجِبُ الوضوءَ، وإنْ كان لا يُوجِبُ الوضوءَ، فقليلُ ذلك وكثيرُه في أيِّ وقتٍ كان، لا يوجِبُ الوضوء ((الأوسط)) لابن المُنذِر (1/269).

انظر أيضا: