الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: الأعذار المُبيحة لتأخير الزَّكاة


يجوزُ تأخيرُ دفْعِ الزَّكاةِ؛ للحاجةِ والمصلَحةِ مِن صُوَرِ التَّأخيرِ للحاجَةِ أو للمصلحةِ: الصورة الأولى: أن يكونَ عليه مَضَرَّةٌ في تعجيلِ الإخراجِ؛ مثل مَن يحولُ حَولُه قبل مجيءِ السَّاعي، ويخشى إنْ أخرَجَها بنفْسِه أخَذَها السَّاعي منه مرَّةً أخرى، فله تأخيرُها. الصورة الثانية: أن يُؤَخِّرَها ليعطِيَها لِمَن حاجته أشدُّ مِن غَيره، أو ليعطيَها لقريبٍ أو جارٍ. الصورة الثالثة: أن يؤخِّرَها لغَيبةِ المستحِقِّ، أو لعُذرِ قَحطٍ ومجاعةٍ. ((الإنصاف)) للمرداوي (3/133، 134)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/255، 256)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (33/128). ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة قال الرمليُّ: (وله تأخيرُها لانتظارِ أحوجَ أو أصلحَ، أو قريبٍ أو جارٍ؛ لأنَّه تأخيرٌ لغَرَضٍ ظاهرٍ، وهو حيازةُ الفضيلةِ، وكذا ليتروَّى حيث تردَّدَ في استحقاقِ الحاضرينَ، ويضمَنُ إنْ تَلِفَ المالُ في مدَّةِ التأخيرِ لحُصولِ الإمكان، وإنَّما أخَّرَ لِغَرضِ نفْسِه، فيتقيَّد جوازُه بشرْطِ سَلامةِ العاقِبةِ). ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/135)، وينظر: ((الفتاوى الفقهية الكبرى)) لابن حجر الهيتمي (2/43). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/255)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/510). ، واختارَه أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّامٍ قال أبو عُبَيد: (وكذلك تأخيرُها إذا رأى ذلك الإمامُ في صَدَقةِ المواشي، للأزمةِ تُصيبُ النَّاسَ، فتَجدُبُ لها بلادُهم، فيؤخِّرُها عنهم إلى الخِصبِ، ثم يقضيها منهم بالاستيفاءِ في العامِ المقبِل، كالذي فعَلَه عمرُ في عامِ الرَّمادةِ، وقد يُؤثَر عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حديثٌ فيه حُجَّة لعُمَرَ في صَنيعِه ذلك) ((الأموال)) (ص: 705). ، وابنُ عُثيمينَ قال ابنُ عُثيمِين: (فإنْ قال قائل: هل يجوزُ أن يؤخِّرَها لمصلحةٍ وليس لضررٍ؟ الجواب: نعم، يجوزُ، فمثلًا عندنا في رمضانَ يكثُرُ إخراجُ الزَّكاةِ، ويَغتني الفُقراءُ أو أكثَرُهم، لكن في أيَّامِ الشِّتاءِ التي لا توافِقُ رَمَضانَ يكونون أشدَّ حاجةً، ويقلُّ مَن يُخرِجُ الزَّكاةَ، فهنا يجوزُ تأخيرُها؛ لأنَّ في ذلك مصلحةً لِمَن يستحِقُّها، لكن بِشَرطِ أن يفرِزَها عن مالِه، أو أن يكتُبَ وثيقةً، يقول فيها: إنَّ زكاتَه تحُلُّ في رمضانَ، ولكنه أخَّرَها إلى الشِّتاءِ؛ مِن أجْل مصلحةِ الفُقَراءِ، حتى يكون ورثتُه على عِلمٍ بذلك...وأيضًا يجوزُ له أن يؤخِّرَ الزَّكاةَ؛ من أجل أن يتحرَّى من يستحِقُّها؛ لأنَّ الأمانةَ ضاعتْ في وَقتِنا الحاضِرِ، وحُبَّ المالِ ازدادَ، فتأخيرُ الزَّكاةِ حتى يتحرَّى مَن يَستحِقُّها جائزٌ؛ لأنَّ في ذلك مصلحةَ المستحِقِّ). ((الشرح الممتع)) (6/189). وقال: (التأخيرُ يجوزُ في الحالاتِ الآتية: 1ـ عند تعذُّرِ الإخراجِ. 2ـ عند حُصولِ الضَّررِ عليه بالإخراجِ. 3ـ عند وُجودِ حاجةٍ، أو مصلحةٍ في التأخيرِ). ((الشرح الممتع)) (6/188-190). وقال أيضًا: (تأخيرُ الزَّكاةِ سَواءٌ زكاةُ الذَّهَبِ أو غيرُه لا يجوزُ، إلَّا إذا لم يجِدِ الإنسانُ أهلًا للزَّكاةِ، وأخَّرها ليتحرَّى مَن يرى أنَّه أهلٌ، فهذا لا بأسَ به، لكن يجِبُ أن نُقيِّدَ الحَوْلَ؛ لأجل السَّنةِ الثَّانية، فإذا كانَتِ الزَّكاة تحُلُّ في رَمَضانَ ولم يجِدْ أحدًا يُعطيه وأخَّرها إلى ذي القَعدةِ، فإذا جاء رمضانُ الثاني يؤدِّي الزَّكاةَ، ولا يقول: أنا لم أؤدِّ إلَّا في ذي القَعدةِ، فلا أُخرِجُها إلا في ذي القَعدةِ؛ لأنَّ الأوَّلَ تأخيرٌ، فإذا كان لمصلحةٍ فلا بأسَ). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/296).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه إذا جاز تأخيرُ قضاءِ دَينِ الآدِميِّ لذلك، فتأخيرُ الزَّكاةِ أَوْلى ((المغني)) لابن قدامة (2/510)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/255).
ثانيًا: القياسُ على جوازِ نقْلِ الزَّكاةِ إلى مكانٍ فاضِلٍ تفضُلُ فيه الصَّدقةُ؛ فلذلك تؤخَّرُ إلى زمانٍ فاضلٍ تفضُلُ فيه الصَّدقةُ، بل التَّأخيرُ إلى الزَّمانِ أَوْلى؛ لأنَّه ليس فيه عدولٌ عن فُقَراءِ بَلَدِ الصَّدَقةِ، ولا نقْلٌ لها عن غَيرِهم ((مجلة البحوث الإسلامية)) (33/131).
فرعٌ:
لو أخَّر الزَّكاةَ عن مَوعِدِها ثم زاد مالُه؛ فإنَّ المُعتبَرَ وقتُ وُجوبِها عند تمامِ الحَوْل، فلو كانت تجِبُ في رمضانَ ومالُه عشَرةُ آلافٍ، فأخَّرَها إلى ذي الحجَّةِ، فبلَغَ مالُه عشرينَ ألفًا، فلا زكاةَ عليه إلَّا في العَشَرةِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/190).

انظر أيضا: