الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: حُكمُ زكاةِ الرِّكازِ، والحِكمة من تقدير الخُمُس


المطلب الأوَّل: حكم زكاة الرِّكاز
الرِّكاز يملِكُه واجِدُه، ويجِبُ فيه الخُمُس.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قولُ الله عزَّ وجلَّ: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ... [الأنفال: 41] الآية.
وجه الدَّلالة:
أنَّ مالَ الكافِرِ غيرِ الذِّميِّ غنيمةٌ لِمَن وجدَه، فيجب فيه الخُمُس ((المحلى)) لابن حزم (7/324 رقم 948).
ثانيًا: من السُّنَّة
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((العَجْماءُ جُبارٌ العجماء: الدابَّة، والجُبار: الهدَر. ((النهاية)) لابن الأثير (1/236). ، والبِئر جُبارٌ، والمَعدِنُ جُبارٌ، وفي الرِّكازِ الخُمُسُ )) رواه البخاري (1499)، ومسلم (171).
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقل الإجماعَ على ذلك، أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّام قال أبو عبيد: (السُّنة في الرِّكاز: أن يُؤخَذ منه الخُمُسُ، ويكون سائرُه لواجِدِه، والنَّاسُ على هذا). ((الأموال)) (ص: 430). ، وابنُ الـمُنذِر قال ابنُ المُنْذِرِ: (أجمعوا على أنَّ الذي يجيزُ الرِّكاز عليه الخمس). ((الإجماع)) (ص: 46). وقال النوويُّ: (يجب فيه الخُمُس بلا خلاف عندنا، قال ابنُ المُنْذِر: وبه قال جميع العلماء قال: ولا نعلَمُ أحدًا خالف فيه إلا الحسَنَ البصري؛ فقال: إنْ وُجِدَ في أرض الحرب ففيه الخُمُس، وإن وَجَدَه في أرض العرب ففيه الزَّكاةُ). ((المجموع)) (6/91). ، والبَغَويُّ قال البغويُّ: (اتَّفق أهلُ العِلم على وجوبِ الخُمُسِ في الرِّكاز حالةَ ما يجِدُه، لا يُنتظرُ به حَوْلٌ). ((شرح السنة)) (6/59). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (الأصلُ في صدَقة الرِّكاز، ما روَى أبو هريرة، عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: ((العَجماءُ جُبار، وفي الرِّكاز الخُمُس)) متفق عليه. وهو أيضًا مُجمَع عليه). ((المغني)) (3/48). وقال أيضًا: (أمَّا قدْرُه فهو الخُمُس؛ لِمَا قدَّمناه من الحديث والإجماع). ((المغني)) (3/51). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (وقد اتَّفقوا على أنَّ في الرِّكاز الخُمُسَ). ((مجموع الفتاوى)) (29/376).
رابعًا: قياسًا على الغنائمِ؛ لأنَّ الرِّكازَ كان في أيدي الكَفَرةِ فحَوَتْه أيدينا غَلَبةً، فكان غنيمةً، وفي الغنائم الخُمُسُ ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/235)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/71)، ((الدُّرَر البهية والروضة الندية والتعليقات الرضية)) (1/559).
المطلب الثاني: الحِكمة من تقدير الخُمُس
شُرع في الرِّكازِ الخُمُسُ لكثرةِ نفعِه، وسهولةِ أخذِه مِن غيرِ تعَبٍ ولا مُؤنةٍ قال النووي: (رتَّب الشَّرعُ مقدارَ الواجِبِ بحسَب المؤنة والتَّعَبِ في المال؛ فأعلاها وأقلُّها تعبًا الرِّكازُ، وفيه الخُمُس لعدم التَّعَب فيه، ويليه الزَّرع والتمر فإنْ سُقِي بماءِ السَّماء ونحوه ففيه العُشر، وإلَّا فنِصفُه، ويليه الذَّهَب والفضَّة والتِّجارة، وفيها رُبُع العُشر؛ لأنه يحتاج إلى العَمَلِ فيه جميعَ السَّنة، ويليه الماشِيَة فإنَّه يدخُلُها الأوقاصُ بخِلاف الأنواعِ السابقة). ((شرح النووي على مسلم)) (7/49)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (6/91). وقال ابنُ تيميَّة: (وجعَل [أي الشَّرعُ] المالَ المأخوذَ على حسابِ التَّعَب فما وُجِدَ مِن أموالِ الجاهليَّة هو أقلُّه تعبًا؛ ففيه الخُمُس). ((مجموع الفتاوى)) (25/8). وقال ابنُ القيم رحمه الله: (لَمَّا كان الرِّكاز مالًا مجموعًا مُحصَّلًا، وكُلفةُ تحصيلِه أقَلُّ مِن غيره، ولم يحتجْ إلى أكثَرَ مِن استخراجِه، كان الواجبُ فيه ضِعْفَ ذلك، وهو الخُمُس) ((إعلام الموقعين)) (2/121). وقال أيضًا: (ثم إنَّه فاوَتَ بين مقاديرِ الواجِبِ بحسَبِ سَعيِ أربابِ الأموالِ في تحصيلِها، وسُهولة ذلك، ومشقَّته، فأوجب الخُمُسَ فيما صادفه الإنسانُ مجموعًا محصَّلًا من الأموال، وهو الرِّكاز. ولم يَعتبرْ له حولًا، بل أوجَبَ فيه الخُمُسَ متى ظفِر به). ((زاد المعاد)) (2/6).

انظر أيضا: