الموسوعة الفقهية

المبحث السابع: ضمُّ المواشي المتفرِّقة للماِلك الواحِدِ


إذا كان للمالِكِ مواشٍ متفرِّقةٌ في أماكِنَ مختلفةٍ، فإنَّها تُضَمُّ مع بَعضِها، وتزكَّى زكاةَ المالِ الواحِدِ، سواءٌ كان ما بينها مسافةٌ تُقصَرُ فيها الصَّلاةُ أو لا [1071] قال ابنُ قُدامة: (فإن كانت سائمةُ الرجُل في بُلدانٍ شتَّى، وبينهما مسافةٌ لا تُقصَرُ فيها الصَّلاة، أو كانت مجتمعةً، ضُمَّ بعضُها إلى بعض، وكانتْ زكاتُها كزكاةِ المختلطة، بغير خلافٍ نعلمُه). ((المغني)) (2/461)، وينظر: ((المبدع شرح المقنع)) لابن مُفلح (2/303).      وقال ابنُ مفلح: (وعنه: الكلُّ كسائمةٍ مجتمعةٍ في المسألتَينِ «و» [أي: وافق الأئمةُ الثلاثةُ الحنابلةَ] للعمومِ، كما لو كان بينهما دون مسافةِ القصر «ع» [أي: إجماعًا]). ((الفروع وتصحيح الفروع)) (4/56). ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/29)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/174). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عَبدِ البَرِّ (1/319)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/132).      ، والشافعيَّة ((تحفة المحتاج)) لابن حجر للهيتمي و((حواشي الشرواني والعبادي)) (3/223)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/55). ، وروايةٌ عن أحمَدَ قال ابنُ قدامة: (إن كانت سائمةُ الرَّجُلِ في بُلدانٍ شتَّى، وبينهما مسافةٌ لا تُقصَرُ فيها الصلاة، أو كانت مجتمعةً؛ ضمَّ بعضها إلى بعض، وكانت زكاتُها كزكاةِ المُختَلِطة، بغير خلافٍ نعلمه. وإن كان بين البلدانِ مسافةُ القَصرِ، فعن أحمدَ فيه روايتان: إحداهما، أنَّ لكلِّ مالٍ حُكمَ نفسِه، يعتبر على حِدَته، إن كان نِصابًا ففيه الزَّكاةُ، وإلَّا فلا، ولا يُضَمُّ إلى المالِ الذي في البلد الآخر. نصَّ عليه، قال ابنُ المُنْذِر: لا أعلَمُ هذا القول عن غير أحمد... والرواية الثانية، قال فيمن له مئة شاة في بلدان متفرِّقة: لا يأخُذُ المصدِّق منها شيئًا؛ لأنَّه لا يُجمَع بين متفرِّق، وصاحِبُها إذا ضبط ذلك وعرفه أخرَجَ هو بنفسه، يضعُها في الفقراء. رُوي هذا عن الميموني وحنبل، وهذا يدلُّ على أنَّ زكاتَها تجب مع اختلافِ البلدان، إلَّا أنَّ الساعِيَ لا يأخذها؛ لكونه لا يجِدُ نِصابًا كاملًا مجتَمِعًا، ولا يَعلَمُ حقيقة الحال فيها، فأمَّا المالِكُ العالم بمِلكِه نِصابًا كاملًا، فعليه أداءُ الزَّكاة، وهذا اختيارُ أبي الخطاب، ومذهَبُ سائرِ الفُقَهاء). ((المغني)) (2/461، 462). ، واختاره ابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (قال مالك: أحسنُ ما سَمِعتُ فيمن كان له غَنَمٌ على راعِيَينِ متفرِّقينِ ببلدانٍ شتى، أنَّ ذلك يُجمَعُ على صاحِبِه، فيؤدِّي صدَقَته. وهذا هو الصَّحيح- إنْ شاء الله تعالى؛ لقوله عليه السَّلام: ((في أربعينَ شاةً شاةٌ)). ولأنَّه مِلكٌ واحِدٌ أشبَهَ ما لو كان في بلدانٍ متقاربةٍ، أو غير السَّائمة. ونحمِلُ كلام أحمد، في الرواية الأولى، على أنَّ المصدِّقَ لا يأخُذُها، وأمَّا ربُّ المالِ فيُخرِجُ، فعلى هذا يُخرِجُ الفَرض في أحَدِ البَلَدين شاء؛ لأنَّه موضع حاجة). ((المغني)) (2/462). ، وابنُ عُثيمين احتياطًا قال ابنُ عُثيمين: (لو كان لرجلٍ عِشرونَ مِنَ الشِّياه في الرِّياض، وعِشرونَ في القَصيمِ، فالجمهورُ يقولون: تَجِبُ عليه الزَّكاةُ؛ لأنَّ المالِكَ واحِدٌ، والمذهَبُ لا زكاة عليه؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يُفرَّق بين مجتَمِعٍ؛ خشيةَ الصدقة، ولا يُجمَع بين متفرِّقٍ؛ خشيةَ الصَّدقة))، فدلَّ على أنَّه إذا تفرَّقَ مالُه لا للحيلةِ، فلا زكاةَ عليه، والأحوطُ رأيُ الجمهورِ، ويُحمَلُ الحديثُ على خُلطةِ الأوصافِ) ((الشرح الممتع)) (6/66). ، وبه قال أكثَرُ الفُقَهاءِ ((المغني)) لابن قدامة (2/462).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ أبا بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، كتَبَ له هذا الكتابَ لَمَّا وجَّهه إلى البحرين: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، هذه فريضةُ الصَّدقةِ التي فرَضَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم على المسلمينَ، والتي أمر اللهُ بها رسولَه؛ فمَن سُئِلَها من المسلمينَ على وجهِها، فلْيُعطِها، ومَن سُئِلَ فَوقَها فلا يُعطِ)).. وفيه: ((وفي صَدقةِ الغَنَمِ، في سائِمَتِها إذا كانت أربعين إلى عشرينَ ومئةٍ، شاةٌ... )) رواه البخاري (1454).
وجه الدَّلالة:
أنَّ عُمومَ الحَديثِ يُوجِبُ لِمَن مَلَك القدْرَ الذي يُوجِبُ الزَّكاةَ، أن يؤدِّي زكاتَها، سواءٌ كانت عنده أو متفرِّقةً في البُلدانِ ينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/66).
ثانيًا: قياسًا على النَّقدينِ؛ فإنَّ تفَرُّقَهما في البُلدانِ لا يُسقِط الزَّكاةَ ((الذخيرة)) للقرافي (3/133).
ثالثًا: أنَّ العِبرةَ بالمالِك، والمالِكُ هنا واحِدٌ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/66).
رابعًا: أنَّ الغِنى بالأموالِ في البُلدانِ، كالغِنى في البَلَدِ الواحِدِ ((الذخيرة)) للقرافي (3/133).

انظر أيضا: