الموسوعة الفقهية

المبحث الثالث: أثَرُ الخُلطة


الخُلطةُ لها تأثيرٌ في الزَّكاة، إيجابًا مثل: أن يكون لكلِّ واحدٍ منهما عِشرون شاةً، فلا يجب فيها شيءٌ على انفرادِهما، ومع اجتماعِهما تجب فيها شاةٌ. ، وتغليظًا قد توجِبُ الخُلطةُ التثقيل: كاثنين، يكون لكلِّ واحدٍ منهما مئةٌ وشاةٌ، فعليهما ثلاثُ شِياهٍ، وقد كان الواجبُ على كلِّ واحدٍ- لو لم توجَدِ الخُلطةُ- شاةً واحدةً، فقد أوجبت الخُلطةُ عليهما زيادةً واحدةً، على كلِّ واحدٍ نِصْفُها. ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (1/439) ، وتخفيفًا وقد توجِبُ التَّخفيفَ: فمثلًا لو كان لثلاثةِ أنفُسٍ مئةٌ وعشرون شاةً، لكلِّ واحدٍ منهم أربعونَ شاةً، لَزِمَتْهم جميعًا شاةٌ واحدة فقط، على كلِّ واحدٍ منهم ثُلُثُها، ولو كانوا على انفرادِهم لوجب عليهم ثلاثُ شِياهٍ، على كلِّ واحدٍ شاةٌ. ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/197). ، فتصيرُ الأموالُ كالمالِ الواحِدِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((منح الجليل)) لعليش (2/ 16)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/127)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/117). لكِنِ انفرَدَ المالكيَّة بقولهم: إنَّ تأثيرَ الخلطةِ ليس تأثيرَ إيجابٍ، ولكن تأثيرٌ في قدْرِ الواجِبِ تغليظًا أو تخفيفًا. انظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/263). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/170)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/376). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/196)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/454). ، واختاره داودُ الظاهريُّ قال النوويُّ: (بمذهبنا في تأثير الخلطتين قال عطاء ابن أبي رباح والأوزاعيُّ، والليث وأحمد، وإسحاق وداود). ((المجموع)) (5/433). ، وبه قال أكثَرُ الفُقَهاءِ قال ابنُ رُشْدٍ: (أكثرُ فُقهاء الأمصار اتَّفقوا على أنَّ الخلطاء يزكُّون زكاة المالك الواحد). ((بداية المجتهد)) (1/263).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ أبا بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، كتَبَ له التي فرَضَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وما كان من خَليطينِ؛ فإنَّهما يتراجعانِ بينهما بالسَّوِيَّة )) رواه البخاري (1451).
وجه الدَّلالة:
أنَّه قال: يتراجعانِ بينهما بالسَّوِيَّة، ولا يصحُّ ذلك إلَّا في الخليطينِ؛ تُؤخَذُ صدقةُ أحَدِهما من ماشيةِ أحَدِهما، فيرجِعُ الذي أُخِذَتْ صدقةُ الماشيةِ مِن غَنَمِه على صاحِبِه بقدْرِ ما أدَّى عنه من ذلك ((المنتقى شرح الموطأ)) لأبي الوليد الباجي (2/136).
2- عن أنسٍ رَضِيَ الله عنه أنَّ أبا بكرٍ رَضِيَ الله عنه كتَبَ له التي فرَضَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: ((ولا يُجمَعُ بين متَفَرِّقٍ، ولا يُفَرَّق بين مُجتَمِعٍ؛ خَشيةَ الصَّدقةِ )) رواه البخاري (1450).
وجه الدَّلالة:
أنَّ الجَمعَ بين المتفرِّق: هو أن يجتَمِعَ ثلاثةُ نَفَرٍ مثلًا، ويكون لكلِّ واحدٍ منهم أربعون شاةً، وقد وجب على كلِّ واحدٍ منهم شاةٌ، فإذا أظلَّهم المصَدِّقُ جَمعوها؛ لئلَّا يكونَ عليهم فيها إلَّا شاةٌ واحدةٌ.
وأمَّا تفريقُ المجتَمِع: فكأنْ يكونَ اثنانِ شريكينِ، ولكلِّ واحدٍ منهما مئةُ شاةٍ، وشاةٌ، فيكون عليهما في ماليهما ثلاثُ شياهٍ، فإذا أظلَّهما المصدِّقُ فرَّقَا غَنَمَهما، فلم يكُنْ على كلِّ واحدٍ منهما إلَّا شاةٌ واحدةٌ.
فأُمِرَ كلُّ واحدٍ منهما ألَّا يُحدِثَ في المال شيئًا من الجَمعِ والتَّفريقِ ((النهاية)) لابن الأثير (2/62).

انظر أيضا: