الموسوعة الفقهية

المطلب الرابع: هل يُخرِجُ زكاةَ صِغارِ الماشيةِ المُنفَرِدة منها؟


إذا انفرَدَت صِغارُ الماشِيَة ووجَبَت فيها الزَّكاة؛ فهل يُخرِجُ زكاتَها منها، أو يُشتَرَط فيها ما يُشتَرَط في زكاةِ الكِبارِ؟ اختلف أهلُ العلم في ذلك على قولين:
القول الأوّل: أنَّه يُشتَرَط فيها ما يُشتَرَط في زكاةِ الكِبارِ، وهذا مذهبُ المالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/256)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/779). ، وهو اختيارُ زُفَرَ من الحنفيَّة قال الزيلعي: ( (و) لا في (الحِملان والفُصلان والعجاجيل)، أي: لا تجِبُ فيها الزَّكاة، وهذا عند أبي حنيفة ومحمَّد، وكان أبو حنيفة أوَّلًا يقول: يجب فيها ما يجب في المَسانِّ- وبه أخذ مالكٌ وزُفَر - ثم رجَعَ). ((تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي)) (1/266).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن سُوَيدِ بنِ غَفَلةَ، قال: ((أتانا مُصَدِّقُ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فأتيتُه فجلَسْتُ إليه فسمِعْتُه يقول: إنَّ في عهدي أنْ لا نأخُذَ راضعَ لَبَنٍ.. )) رواه أبو داود (1579)، والنسائي (2457)، واللفظ له، وأحمد (18837) احتج به ابن حزم في ((المحلى)) (5/278) إشارة إلى تصحيحه، وحسن إسناده النووي في ((المجموع)) (5/399)،،  وابن الملقن في ((تحفة المحتاج)) (2/43)، وحسن الحديث الألباني في ((صحيح أبي داود)) (1579).
وجه الدَّلالة:
أنَّ المرادَ براضِعِ لَبَنٍ: السَّخْلةُ السَّخْلة: تُطلَقُ على الذَّكَر والأنثى من أولادِ الضَّأنِ والمَعزِ ساعةَ تُولَد. ((المصباح المنير في غريب الشرح الكبير)) للفيومي (1/269)، وانظر: ((المجموع)) للنووي (5/399).
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عن سُفيانَ بنِ عبدِ الله الثَّقَفي، أنَّ عمَرَ بنَ الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (نَعَم، تَعُدُّ عليهم بالسَّخْلةِ يَحمِلُها الرَّاعي، ولا تأخُذْها، ولا تأخُذِ الأكولةَ، ولا الرُّبَّى الرُّبَّى: التي تُربَّى في البيتِ من الغنَمِ لأجْل اللَّبَن. وقيل: هي الشَّاةُ القريبةُ العَهدِ بالولادة. ((النهاية)) لابن الأثير (2/180). ، ولا الماخِضَ الماخِضُ: هي التي أخَذَها المخاضُ لتضَعَ. والمَخاضُ: الطَّلْقُ عند الولادة. يقال: مَخَضَت الشاة مَخضًا ومَخاضًا ومِخاضًا، إذا دنا نِتاجُها. ((النهاية)) لابن الأثير (4/306). ، ولا فَحلَ الغَنَم، وتأخُذُ الجذَعةَ والثَّنيَّةَ، وذلك عَدْلٌ بين غذاءِ الغِذاء: جمع غَذِيٍّ وهو الرَّديءُ، وقيل هي صِغارُ السِّخالِ، كأنَّه مِنَ الغِذاء؛ لأنَّها تغتذي بلبَنِ أمِّها، وهي شديدةُ الحاجة إليه. ((الذخيرة)) للقرافي (3/96)، ((المجموع)) للنووي (5/427). الغَنَم وخِيارِه) رواه مالك (2/372) (909)، والطبراني (7/68) (6395)، والبيهقي (4/100) (7552). وصحَّحه النوويُّ في ((المجموع)) (5/427)، وجوَّد إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/248).
ثالثًا: أنَّ الصِّغارَ لا يُجزِئُ إخراجُها، فيجِبُ إخراجُ الزَّكاةِ مِن غَيرِها ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (1/432).
القول الثاني: تجِبُ فيها ويُخرِجُ واحدةً منها، وهو مذهَبُ الشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/167)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/64). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/192)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/451). ، واختيارُ أبي يوسُفَ من الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (1/266).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعث مُعاذًا إلى اليَمَنِ فقال: إنَّك تأتي قومًا أهلَ كتابٍ، فادْعُهم إلى شهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإنْ هم أطاعوا لذلك؛ فأعْلِمْهم أنَّ الله افتَرَض عليهم صدقةً في أموالِهم، تُؤخَذُ من أغنيائِهم وتُردُّ في فُقرائِهم، فإنْ هم أطاعوا لذلك، فإيَّاك وكرائمَ أموالِهم... )) رواه البخاري (1496)، ومسلم (19).
وجه الدَّلالة:
أنَّ أخْذَ الكِبارِ مِنَ الصِّغارِ، هو أخْذٌ مِن كرائِمِ الأموالِ، وذلك منهيٌّ عنه ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/31).
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عن أبي بكر الصِّدِّيق رَضِيَ اللهُ عنه، أنه قال: (واللهِ لو منعوني عَناقًا كانوا يؤدُّونَها إلى رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لقاتَلتُهم على مَنعِها ) رواه البخاري (1400) واللفظ له، ومسلم (20).
وجه الدَّلالة:
أنَّ العَناقَ هي الأنثى الصَّغيرةُ مِن أولادِ المَعزِ، فدلَّ أنَّ أخْذَ الصِّغارِ زكاةً؛ كان أمرًا ظاهرًا في زَمَنِ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/31).
ثالثًا: أنَّ مبنى الزَّكاةِ على النَّظَرِ مِنَ الجانبين: جانبِ الملَّاكِ وجانِبِ الفُقَراءِ، فلو أوجَبْنا فيها ما يجِبُ في المَسانِّ مَسَانُّ: جمعُ مُسنَّة. ((المصباح المنير)) للفيومي (1/291). وهو لا يوجَدُ فيها، كان إضرارًا بصاحِبِ المال، ولو لم نوجِبْ شيئًا كان إضرارًا بالفُقراءِ؛ لأنَّ الصِّغارَ نِصابٌ، فكان العَدلُ في إيجابٍ واحدةٍ منها كما في المهازيلِ، فإنَّا لا نُوجِبُ فيها السَّمينَ، وإنَّما نوجِبُ واحدةً منها ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/187)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/187).

انظر أيضا: