الموسوعة الفقهية

المطلب الثالث: ألَّا تكونَ عوامِلَ


يُشتَرَطُ لزكاةِ الأنعامِ (الإبل والبقر) ألَّا تكونَ عوامِلَ العوامل: جمع عاملة، وهي التي تُستعمَلُ في الأشغالِ، كالحَرْث والسَّقيِ. ينظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/301). ، وهذا مذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (1/268)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/193). ، والشافعيَّة ((تحفة المحتاج)) لابن حجر للهيتمي و((حواشي الشرواني والعبادي)) (3/238)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/67). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/183)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/430). ، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ الصَّحابة قال الماورديُّ: (فأمَّا المعلوفةُ مِنَ الغَنَمِ، والعوامِلُ مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ، فلا زكاةَ فيها عند الشافعي، وبه قال عليُّ بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، ومعاذ بن جبل). ((الحاوي الكبير)) (3/188). وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (قال سائِرُ فُقَهاءِ الأمصار وأهل الحديث: لا زكاةَ في الإبل ولا في البقر العوامل، ولا في شيءٍ من الماشية التي ليستْ بمُهلةٍ، وإنما هي سائمة راعيةٌ، ويُروى هذا القول عن عليٍّ وجابر، وطائفة من الصحابة لا مخالفَ لهم منهم). ((الاستذكار)) (3/184). وذهب إليه أكثَرُ أهلِ العِلمِ قال الماورديُّ: (وهو مذهب الثوريِّ وأبي حنيفة وجمهور الفقهاء). ((الحاوي الكبير)) (3/188)، وينظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (3/184). وقال البغويُّ: (وكذلك لا تجب الزَّكاة في عوامِلِ البَقَرِ والإبل عند عامَّةِ أهل العِلم). ((شرح السنة)) (6/13). وقال ابنُ قدامة في المعلوفة والعوامل: (لا زكاة فيها عند أكثَرِ أهل العِلم). ((المغني)) (2/430).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ  
1- عن عليِّ بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (ليس في البَقَرِ العوامِلِ صدقةٌ) رواه أبو عبيد في ((الأموال)) (1002)، والدارقطني (2/103)، والبيهقي (4/116) (7645). قال ابنُ القيم في ((أعلام الموقعين)) (2/50): موقوف على علي وروي من حديث جابر وابن عباس مرفوعًا وموقوفًا، والموقوف أشبه، وقال ابنُ حجر في ((بلوغ المرام)) (171): الراجح وقفه.
2- عن جابرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (لا صدقةَ في الْمُثِيرةِ المُثيرةُ: بقَرُ الحَرث؛ لأنَّها تُثيرُ الأرض, قال الله تعالى: لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ. ((المحلى)) (6/45 رقم 678)، ((لسان العرب)) لابن منظور (4/111،112). ) رواه عبد الرزاق في ((المصنف)) (6828)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/131) وحسَّن إسنادَه ابن حجر في ((الدراية)) (1/256) وقال: وأخرجه عبدالرزاق بالسند المذكور موقوفًا، وهو أصحُّ.
وجه الدَّلالة:
أنَّ هذه الآثارَ عن الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم تدلُّ على أنَّه لا صدقةَ في العوامِلِ، ولا يُعرَفُ عن أحدٍ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم خلافٌ في ذلك ((المحلى)) لابن حزم (6/45 رقم 678)، ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (3/184).
ثانيًا: أنَّ السَّبَب في وجوبِ الزَّكاةِ هو المالُ النَّامي، ودليلُ النَّماءِ الإسامةُ للدَرِّ والنَّسلِ، أو الاعتدادُ للتِّجارةِ، ولم يوجَدْ في العوامِلِ، وإذا انتفى السببُ انتفى الحُكمُ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (1/268)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/193).
ثالثًا: أنَّ العوامِلَ مُعَدَّةٌ لنَفعِ صاحِبِها في استعمالٍ مُباحٍ، فأشبهت الأمتعةَ وثيابَ البَدَنِ قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (مَن أسقَطَ الزَّكاةَ عن الحُلِيِّ المستعمَلِ وعن الإبِلِ والبَقَرِ العوامِلِ؛ فقدِ اضطرد قياسُه، ومن أوجب الزَّكاةَ في الحُلِيِّ والبَقَرِ العوامل فقد اضطرَدَ قياسُه أيضًا، وأمَّا من أوجَبَ الزَّكاةَ في الحليِّ ولم يوجِبْها في البَقَرِ العوامِلِ، أو أوجبها في البَقَرِ العوامِلِ وأسقَطَها من الحليِّ- فقد أخطأ طريقَ القياسَ). ((الاستذكار)) (3/154)، وينظر: ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 472)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر للهيتمي و((حواشي الشرواني والعبادي)) (3/238).
رابعًا: أنَّها باستخدامِها لحرْثِ الأرضِ وسَقْيِ الزرعِ، تكون أشبَهَ بالأدواتِ التي تُستعمَلُ لخدمةِ الأرضِ والزَّرعِ، وما تُنبِتُه الأرض من زرعٍ وثَمَرٍ تجب فيه الزَّكاةُ، فلو وجبت الزَّكاةُ فيها هي الأخرى- وليست إلَّا آلةً لتنميةِ الزَّرع- فقد صارت الصَّدقةُ مُضاعفةً على النَّاسِ قال أبو عُبيد: (إذا كانت تسنو وتحرُثُ، فإنَّ الحَبَّ الذي تجب فيه الصَّدقة إنما يكون حَرثُه وسَقيُه ودِياسُه بها، فإذا صُدقَت هي أيضًا مع الحَبِّ؛ صارت الصَّدقةُ مضاعَفةً على النَّاسِ). ((الأموال)) (ص: 472).

انظر أيضا: